أنتَ تهتمُّ بي!

يُعلمنا الكتاب المقدس، بوضوح أنه يجب على المؤمنين، ألا يهتموا أو يقلقوا! لكن المقصود هنا، ليس أن نُجرَّد من مشاعِرنا الفِطرية الطبيعية، أو نكون في لا مبالاة، بلْ ألا نعتل همَّ الحياة، وكأن لا رجاءَ لنا فيها أو سَنَد، المقصود أن نثق في إلهنا، في محبته وأبوته وصلاحه، لكن طبعا دون تواكل!

 ففي رسالة فيلبي 4: 6 يوصينا الكتاب المقدس: “لاَ تَهْتَموا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُل شَيْءٍ بِالصلاَةِ وَالدعَاءِ مَعَ الشكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ“. نتعلم في هذه الآية، أننا يجب أن نأتي إلى الله، بكل احتياجاتنا واهتماماتنا، بالصلاة، بدلا من القلق والاهتمام (عولان الهَم).

ويشجعنا الرب يسوع أن نتجنب القلق، والاهتمام (عولان الهَم) باحتياجاتنا المادية، مثل اللباس والطعام. ويؤكد لنا الرب يسوع أن أبانا السماوي يعتني بهذه كلها (متى 6: 25-34). لذلك يجب ألا نقلق بشأن أي شيء.

وبما أن القلق لا يجب أن يكون جزءا من حياة المؤمن، كيف يُمكننا نتغلب على القلق؟ يعلمنا الكتاب المقدس في رسالة بطرس الأولى 5: 7 “مُلْقِينَ كُل هَمكُمْ عَلَيْهِ لأَنهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ”. الله لا يريدنا أن نحمل ثِقل المشاكل والهموم. وفي هذه الآية يقول لنا الله، أن نعطيه كل همومنا واهتماماتنا. إذ هو يهتم بكل ما يحدث لنا. ليس هناك هَمٌ أكبر أو أصغر من أن يهتم به. وعندما نسلم مشاكلنا وهمومنا لله؛ فإنه يعدنا بأن يمنحنا السلام، الذي يفوق كل عقل (فيلبي 4: 7).

ونؤكد ثانيةً، أن المقصود ليس التواكل أو اللا مبالاة، أو عدم القيام بدورنا، لكن ألا نكون يأسين بلا رجاءٍ، أو أملٍ، أو ثقةٍ في محبة وصلاح إلهنا، وتدخُّله، وألا نكون منزعجين فاقدين لسلامنا وراحتنا.

أمَّا بالنسبة للذين لا يعرفون المخلص، فإن القلق والهم يكونان جزءا من حياتهم بالطبع. أما الذين سلموا حياتهم للمسيح؛ فإنه وَعَدهم: “تَعَالَوْا إِلَي يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلمُوا مِني لأَني وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَن نِيرِي هَينٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ”. (متى 11: 28-30).

لماذا يَقلق البشر؟

بعض الناس يقلقون خوفا من مستقبلٍ غامضٍ مجهول: يُعتبر هذا السبب من أهم الأسباب التي تجعل البشر يقلقون، بل وأكثرها شيوعا، فكما هو معروف أن الإنسان، مهما بلغ من تقدُمٍ وتطوُرٍ، يظل ضعيفا، وعاجزا، أمام أمورٍ كثيرةٍ تواجهه، كل لحظة بحياته، ويقف إزاءها قليل الحيلة، مثل المرض والصحة، الموت والكوارث الاقتصادية، أو العجز أو البطالة.. إلخ. 

بعض الناس يقلقون بسبب الأخطار الطبيعية:  كثيرون يرتعِدون خوفا ورعبا من الكوارث الطبيعية، التي تجري في أماكن كثيرة من بلدان العالم، كالزلازل والسيول والأعاصير والمجاعات والأوبئة. ومَشاهِد معاناة أولئك الذين يُقاسون الأهوال، ويُصارعون الموت في هذه الأماكن المنكوبة.

بعض الناس يقلقون لأنهم اعتادوا على ممارسة أمرٍ كهذا: فالقلق يمكن أن يُصبح عادة، ويتحول إلى نوع مَرَضي من الإدمان، الذي يعتاده الإنسان.

بعض الناس يقلقون من جهة الله (أو قد يكون لديهم خوف من الله): ويحدث ذلك كثيرا؛ لأن الشيطان يضع أمام عيونهم؛ صورة مُضلِلة وخادعة ومشوَهة عن الله، أنه يتربص بنا، وينتظر لنا الخطأ ليعاقبنا.

كيف يمكننا أن نتعامل مع القلق؟

اِعلم أنه لا توجد حياة بلا مُنغِصات: فأمور مثل الآلام والمعاناة والمُضايقات، إنما هي ـ بكل أسف ـ تُعتَبر طبيعية في هذه الحياة، ولا تخلو حياة أي إنسان منها، لكنها تأتي وتمضي، وإن استمرت لبعض الوقت، لكن “في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا”. (رومية 8: 37).

عِش في حدود يومك: لا تقتل نفسك بالتفكير في الغد، والمشغوليات، والقلق لأجل المُستقبل، وما قد يحمله لك، بل درب نفسك على العيش في حدود يومك. لقد علمنا الرب يسوع أن نُصلي ـ في الصلاة الربانية ـ قائلين: “خُبزنا كفافنا، أعطنا اليوم..” (متى6: 11). والمقصود ألا نحمل هَم التفكير بالمزيد من الخُبز للأيام التالية، وأن نعيش كل يوم بيومه، واثقين ومُطمئنين، أن لنا أبا سماويا صالحا، يهتم بنا، ويرعانا، ولن يترُكنا نحتاج.

دَربْ نفسك على الاتجاهات الإيجابية وأقلِع عن السلبية: إنْ قادَتْنا الظروف لأمورٍ صعبة، علينا أن نحولها ـ بنعمة الله ومعونته لنا ـ لأمرٍ حلوٍ وفاعلٍ ومُؤثرٍ، لمصلحتنا، ولخير الذين حولنا. لذا تعامَل مع المشكلات والصعوبات بروحٍ إيجابيةٍ.

تعامَل مع النقد بهدوء وموضوعية: لا تكُن مثاليا، أو حساسا بشكلٍ زائد، تجاه من ينتقدونك، فكثيرون منهم لا يكرهونك، بل يودون مساعدتك. واعلم أنَّ بقَدر نجاحك، بقدر ما ستُنتَقد! لذا ابتسم، واهدأ في مواجهة النقد، حتى لو لم يكن غرضه نبيلا، ولا ترُد على الإساءة بمثلها، فهذا أفضل لسلامتك.

اعلم أن الله إله صالح، وأنك ستجد العون والقوة والإرشاد: لا يستطيع أي إنسان ـ مهما كانت درجة صلابته، ومهما كان قويا ـ أن يظل ثابتا، من دون معونة الله، ورفقته، ورفعته له، والكتاب المقدس يُعلمنا، أن الله يجعل كل الأشياء ـ بما فيها المصائب والأزمات ـ تعمل معا للخير للذين يُحبُون الله. (رومية 8: 28).

كيف تتحكم في القلق؟‏

 إذا كنت تقلق بشكلٍ زائد عن الحد؛ أنت تؤذي نفسك جسديا وعاطفيا.‏ حتى إن ذلك، قد يسبب لك مشاكل أكبر، من المشكلة التي كنتَ تحمل همها في الأساس.‏

اقتراحات لتخفيف القلق

لا تقضِ كل وقتك في سماع الاخبار.‏ لست مضطرا أن تعرف كل تفاصيل ما يَشْغَل بال الناس.‏ فالكثير من الاخبار المزعجة سيُزيد خوفك، ويجعلك تيأس.‏

ضع برنامجا والتصق به.‏ حدد وقتا لتستيقظ من النوم،‏ وقتا لتأكل،‏ لتقوم بالاعمال المنزلية،‏ لتنام.‏ فالبرنامج يساعدك على أن تكون حياتُك أكثر طبيعيَّة، ويُخفف قلقك.‏

ركز على الأمور الإيجابية.‏ ستشعر بقلقٍ أكبر، إن بقيتَ نادما على ما فاتك، وخائفا من الآتي.‏ بدلا من ذلك،‏ فكر في أشياء تُشعِرك بالفرح.‏

فكر في غيرك.‏ حين تكون قلقا،‏ ربما تُفضل أن تبقى وحدك.‏ لكن لماذا لا تفكر كيف تساعد شخصا يحتاج إلى المساعدة؟‏

حافظ على صحتك.‏ حين تقوم بالتمارين الرياضية، وتنام جيدا، وتأكل طعاما صحيا، تتحسن صحتك.‏ وهكذا تتحسن نظرتك إلى الحياة وتتخلص من القلق.‏

طبَّق كثيرون هذه الاقتراحات ليخففوا من قلقهم،‏ لكنهم يستفيدون أيضا، حين يتعلمون عن وعود الكتاب المقدس بمستقبلٍ افضل.‏‏

آيات تُساعدنا على هزيمة القلق

مزمور ٥٥:‏٢٢‏:‏ أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ. لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ.”

المعنى:‏ نَقِدر أن نُلقي عبئنا،‏ أي كل همومنا، وكل ما يقلقنا،‏ على اللٰه حين نُصلي إليه.‏ فالصلاة هي الطريقة التي نتكلم بها مع الخالق.‏ وهو يساعدنا، ويعزينا في كل ضيقتنا.

أمثال ١٢:‏٢٥‏:‏ الْغَمُّ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ يُحْنِيهِ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُهُ.”

المعنى:‏ تَواصَلْ مع أفراد عائلتك وأصدقائك الذين يَقدرون أن يشجعوك ويساعدوك.‏

متى ٦:‏٢٧‏:‏ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟

المعنى:‏ لا داعي للقلق.‏ فهو لن يُحسِّن وضعك، أو يحل مشاكلك.‏

متى ٦:‏٣١،‏ ٣٢‏:‏ “فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.”

المعنى:‏ يعرف الرب، أكثر منا، أننا نحتاج إلى المأكل والمَلبَس، وإلى مكانٍ نسكن فيه.‏

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع