إن أرادَ أحد أن يتبعني!

يطلب المسيح، اليومَ، كما كان يطلب دائما، لا جماهير تتبعه على غير هدى، بل أفرادا من الرجال والنساء، يتبعونه عن ثقةٍ وإدراك، مستعدين لأن يسيروا في طريق إنكار النفس، الذي سار هو فيه من قبلهم.
وليس إلا التسليم غير المشروط، يصلح أن يكون تلبية لائقة، لذبيحة المسيح على الجلجثة. فمحبته الإلهية الفائقة، تقتضي مِنَّا، تسليمه نفوسنا وحياتنا، وكل ما لنا. وهذا يقودنا لتعريف كلمة “تلمذة”!
تعريف التلمذة في المسيحية
تَعني التَّلمَذة المسيحيَّة، تَعليم المؤمنين الجُدد من كلمة الرَّب، فالمؤمنون بالمسيح، يجب أن يُعَلِّموا الآخَرين ما عَلَّمَهُ يسوع لتَلاميذهِ، وكُل كَلِمات الكِتاب المُقدَّس، وتَعاليمه، لمُساعَدتهِم على النُّمو في المسيح، وإرشادهِم؛ كي ما يعيشوا حَياةً روحيَّة صَحيحة.
الاستخدام في الكتاب المقدس
أَوكَل الرَّب مَهمَّة تَعليم الشَّريعة للشَّعب في العَهد القَديم للكَهَنة، كما وَرَد في سِفر مَلاخي النَّبي: “لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ الْعِلْمَ، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُ النَّاسُ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ الرَّبِّ الْقَدِيرِ.” (مَلاخي 2: 7)، وفي العَهد الجَديد، أَوصَى الرَّب يسوع المسيح، رُسُله وكَنيسته،ماجُدد من كلمة الرَّب، فالمؤمني بأن تكون مَهمَّتهُم في العالَم كالتَّالي: “فَاذْهَبُوا إِذَنْ، وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ؛ وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ.” (متَّى 19:28-20)، لذلك خَصَّ المسيح الكَنيسة بتَلمَذَة العالَم.
وتتطلب حياة التلمذة:
· محبة قصوى للمسيح
“إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لي تلميذا” (لوقا 14: 26).
هذا لا يعني أن نبغض أقاربنا، أو نحقد عليهم، بل أن تكون محبتنا للمسيح قوية جدا، بحيث تبدو كل محبة أخرى، وكأنها بُغضٌ؛ إذا ما قورنت بها؛ فمحبة النفس من أشد العقبات صعوبة في سبيل التلمذة.
· إنكار النفس
“إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه..” (متى 16: 24).
يَعني إنكار الذات، إخضاع النفس، وتسليمها لسيادة المسيح؛ بمعن أن أعتبر سعادتي، وإراداتي، متوقفة بالكلية على طاعتي التامة لمشيئتة الرب!
· حَمْل الصليب طوعا واختيارا
“… ويحمل صليبه..” (متى 16 :24) .
المقصود بالصليب ليس ضعفا جسمانيا، ولا ألما نفسيا، ولا شيئا مما يصيب البشر عامة، بل هو طريق نختاره بأنفسنا طوعا، وإن كان يعد في نظر العالم هوانا وعارا. فهو يُمثل الاضطهاد والضيق، الذي صبَّه العالم على ابن الله، وما زال يصبه على جميع الذين يختارون أن يقفوا ضد التيار.
· إنفاق الحياة في اتباع المسيح
“وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ”. (غلاطية 5: 22 – 24).
أي أن تكون حياتُنا في قوة الروح القدس، حياة خدمة مُضحية لأجل الآخرين، حياة صبر وطول أناة في مواجهة أشد الآلام، وأفظع الإساءات. حياة غيرة وبذل وضبط نفس ووداعة ولطف وأمانة وولاء، يظهر فيها ثمر الروح.
· محبة قوية لجميع تابعي المسيح
“بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض” (يوحنا 13: 35).
وهذه هي المحبة التي تحترم الآخرين أكثر من النفس. المحبة التي تستر كثرة من الخطايا. التي تتأنى وترفق، المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ. المحبة التي لا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء (كورنثوس الأولى 13: 4-7).
· ثبات دائم في كلمته
“إن ثبتم في فبالحقيقة تكونون تلاميذي” (يوحنا 8: 31).
تتميز التلمذة الحقيقية بالاستمرار والدوام، فما أسهل أن نبدأ حسنا، لكن المحك الحقيقي هو الثبات إلى النهاية، لهذا؛ فإن الطاعة المتقطعة لوصايا الكتاب المقدس، والاتباع المُجزأ لتعاليمه، لا يكفيان ولا ينفعان.
· تَرك كل شيء في سبيل اتباعه
“فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذا” (لوقا 14: 33).
ولا تَعني هذه الآية، أن يترك التلميذ، الكل، فيُصبح متعطلا متسكعا في الشوارع، لكنه، نعم، يشتغل بجِد ليوفر لنفسه وعائلته ضروريات الحياة، ولوازمها العادية، لكنه يطلب أولا ملكوت الله وبره، ويؤمن أنه لن يعوزه طعام ولا لباس. ويريد أن يطيع وصية الرب، التي تأمره، بأن لا يكنـز لنفسه كنوزا على الأرض. وألا يكون قلبُه متعلقا بالمال!
ختاما.. دعنا نقول للسيد: “لتكن إرادتك ولو هلكت أنا في سبيل ذلك”!
ونقول له مع المُرنم:
سيدي قُدني إلى المدخل
اِلمسنَّ نفسي وفي قلبي افعل
قيودك حريَّة وكلها أمل
أعني يا سيدي معك لأعمل
أعني سيدي لأطيع واحتمل
أمثلة من عَهدي الكتاب المقدس لحياة التلمذة