السَّماء.. حياةٌ بعد حياة!

يُعتبر وجود حياة بعد الموت مسألة تشغل الجميع. ويُعبِّر أيوب عنا جميعنا بقوله: “اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبا. يَخْرُجُ كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَذْوِي وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ… إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟” (أيوب 14: 1-2، 14). ومِثل أيوب، يجتهد كل منا في إجابة هذا السؤال. ماذا يحدث لنا بعد الموت؟ هل ينتهي وجودنا ببساطة؟ هل يذهب جميع البشر إلى نفس المكان بعد الموت؟ وهل هنك حقا سماء وجحيم؟

نَسمع مرارا وتكرارا عن السَّماء، لكن مفهوم السماء في الكتاب المقدَّس، مُختلفٌ عن مفاهيم البشر.

ما هي السماء؟

السماء ليست مكان سَهَر وموسيقى، كما أنَّها ليست مكانًا للمُتعة الجنسيَّة، كما يظنُّ البعض. السَّماء كمفهوم مسيحي، هي حيث سنلتقي بالخالق نفسه، يسوع المسيح، وجها لوجه.

يكتب الرَّسول يوحنا في سِفر الرُّؤيا عن تفاصيلَ مِن السَّماء قائلا:

“وَسَمِعْتُ صَوْتا هَاتِفا مِنَ الْعَرْشِ: “الآنَ صَارَ مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، هُوَ يَسْكُنُ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَصِيرُونَ شَعْبا لَهُ. اللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلها لَهُمْ!”

وكون الله موجودٌ مع النَّاس وجها لوجه، فلن يكون هناك شرٌّ بتاتا!

“وَسَيَمْسَحُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ. إِذْ يَزُولُ الْمَوْتُ وَالْحُزْنُ وَالصُّرَاخُ وَالأَلَمُ، لأَنَّ الأُمُورَ الْقَدِيمَةَ كُلَّهَا قَدْ زَالَتْ!”

ويصف أحد الكُتَّاب المسيحيين “السماء” قائلا:

“لن يكون هناك تظاهُر أو ارتداء أقنعة. لا مجموعات. لا وجود لمُخطّطات خفيَّة أو صفقات سريَّة أو خيانات أو طُموحات أو مؤامرات أو خطط شريرة، فبمجرَّد وجود الله في ذلك المكان، لا يمكن وجود الخطيَّة معه في ذات المكان. كما أنَّ وجوده يلغي الحاجة إلى النُّور؛ كون الله هو نور وهو سيُضيء السَّماء!”.

“(وَلَمْ تَكُنِ الْمَدِينَةُ فِي حَاجَةٍ إِلَى نُورِ الشَّمْسِ أَوِ الْقَمَرِ، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ يُنِيرُهَا، وَالْحَمَلَ مِصْبَاحُهَا.”(رؤيا يوحنا 23: 21.

ولا يكتفي الكتاب المقدس بالتأكيد على أن هناك حياة بعد الموت، بل مكتوب أنها حياة أبدية رائعة ومجيدة “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (كورنثوس الأولى 9:2).

التجسُّد والقيامة

جاء يسوع المسيح، الله المتجسد، إلى الأرض، ليمنحنا عطية الحياة الأبدية. “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا” (إشعياء 5:53). لقد تحمَّل يسوع المسيح العقاب المستحق علينا، وضحي بحياته من أجلنا. وبعد ثلاثة أيام، أثبت انتصاره على الموت، بقيامته من القبر، بالجسد والروح. ومكث في الأرض لمدة أربعين يوما، وشاهده آلاف من الناس، قبل صعوده إلى السماء. تقول (رسالة رومية 4: 25)، إنه “أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا“.

إن قيامة المسيح هي حدث تاريخي مثبت. وقد شجَّع الرسول بولس الكثيرين على استجواب شهود العيان بشأن مصداقيته، ولم يقدر أحد أن يناقض الحقيقة. والقيامة هي حجر الأساس في الايمان المسيحي. فنحن نؤمن أننا سنقام من الأموات بسبب قيامة المسيح من الأموات. فقد كانت قيامته الدليل الأعظم على وجود حياة بعد الموت. لأن المسيح كان بكر الراقدين الذين سوف يحيون مرة أخرى.

وجاء الموت الجسدي من خلال شخص واحد نرتبط به جميعنا، الا وهو آدم. ولكن كل من تم تبنيهم في عائلة الله، سيمنحون حياة جديدة من خلال إيمانهم بيسوع المسيح (كورنثوس الأولى 15 : 20 -22). وكما أقام الله جسد يسوع المسيح، كذلك ستقام أجسادنا عند المجيء الثاني للمسيح (كورنثوس الأولى 14:6).

ورغم أننا كلنا سنقام ثانية، لن يذهب الجميع الي السماء. فهناك قرار يجب على كل إنسان أن يتخذه خلال حياته، وبناء على هذا القرار، يتم تحديد أين سيقضي حياته الأبدية. يقول الكتاب المقدس إنه علينا أن نموت مرة ثم بعد ذلك الدينونة (عبرانيين 27:9). والذين آمنوا وتبرروا من خلال الإيمان بالمسيح، سوف يقضون حياة أبدية في السماء، بينما يذهب من يرفضون المسيح مخلصا لهم إلى عذاب أبدي في الجحيم (متى 46:25).

الجحيم والسماء أماكن حقيقية مذكورة في الكتاب المقدس، وليست مجرد حالة. والجحيم هو مكان سيختبر فيه غير المؤمنين غضب الله الأبدي. ويصف الكتاب المقدس الجحيم بالهاوية التي بلا نهاية (لوقا 31:8؛ رؤيا يوحنا 1:9)، في الجحيم، سيكون هناك بكاء وصرير الأسنان، مما يدل على الألم والغضب الشديد (متى 42:13).

لا يُسَر الله بموت الأشرار، ولكنه يريدهم أن يبتعدوا عن طرقهم الردية؛ حتى تكون لهم حياة (حزقيال 11:33)، والله لن يرغم البشر على الطاعة والخضوع؛ لهذا إن اخترنا أن نرفض الله؛ فإنه يقبل اختيارنا للحياة المنفصلة عنه إلى الأبد.

إن حياتنا على الأرض هي إختبار، أو إعداد للحياة الآتية. بالنسبة للمؤمنين ستكون تلك حياة أبدية مع الله، وبالنسبة لغير المؤمنين، الحياة بعد الموت هي أبدية منفصلة عن الله. وهناك طريق واحد كما تعلم عزيزي، نحصل فيه على الحياة الأبدية بعد الموت، وننجو من الأبدية التعيسة، وهو الإيمان والثقة في يسوع المسيح. قال الرب يسوع: “أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ” (يوحنا 11 : 25 – 26).

عطية الحياة الأبدية متاحة للجميع. “اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ” (يوحنا 36:3). لن نُمنَح الفرصة لقبول عطية الله للخلاص بعد الموت. فمصيرنا الأبدي يتحدد أثناء حياتنا على الأرض، بناء على قبولنا، أو رفضنا للرب يسوع. “هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ” (كورنثوس الثانية 6: 2). إذا قبلنا موت يسوع المسيح، كثمنٍ لخطايانا ضد الله، ستكون لنا حياة أبدية مجيدة مع المسيح، بالإضافة إلى الحياة الهادفة على الأرض.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع