الله.. أنا.. الدين!
هل شاهدت من قبل فيلم “ترازان”؟ إذا كانت إجابتك “لا”، فدعني أخبرك بقصة الفيلم باختصار.
يحكي الفيلم عن طفل شاءت ظروفه أن يتربى في الغابة بين مجموعة من القرود، ولم يحتك بإنسان قط حتى وصل إلى سن الشباب. وفي قلب كل هذا تدور مجموعة من الأحداث لا مجال لذكرها هنا. لكن أهم ما في الأمر هو ما تشكلت عليه شخصية هذا الطفل والتي اكتسبت الكثير من طبيعة الحيوانات في الغابة.
كائنات علاقاتية
ماذا أريد أن أقول من هذه المقدمة؟ إننا كائنات علاقاتية؛ بمعنى أننا نتشكل وفقًا للعلاقات التي نكوِّنها وندخل فيها، وأن هذه العلاقات تغير في طبائعنا وصفاتنا وأخلاقياتنا أيضًا.
لكن من أين اكتسب الإنسان هذه الطبيعة العلاقاتية؟ في رأيي أنه اكتسب هذه الصفة من نفس المصدر الذي اكتسب منه صفة العقل والتفكير. من مصدر محب للعلاقة مع الإنسان والتواصل معه. هذا المصدر هو الخالق، الله، عزَّ وجلَّ. وما دمنا لا نستطيع العيش بدون علاقات مع المحيطين بنا، فإننا لا نستطيع أن نعيش بدون علاقة مع الله.
الدين والعلاقة مع الله
وهنا يواجهنا سؤال في غاية الأهمية؛ هل العلاقة مع الله هي شكل من أشكال الدين؟ وما الفرق بين ما يحتويه الدين من عقائد وشرائع والعلاقة مع الله؟ هل بمراعاتي لأي نوع من الوصايا أكون بهذا قد أقمت علاقة مع الله؟ وما الهدف أصلًا من العلاقة مع الله؟ وكيف أصل لوجود علاقة مع الله؟
ولكي نستطيع أن نجيب عن هذه الأسئلة علينا أن نتعرف أولًا على الفروق بين المصطلحات دين أو ديانة، وعلاقة.
تتفق المعاجم العربية -كالصحاح، ولسان العرب- على أن كلمتي دين وديانة تأتيان من الجذر (دان). وتشير إلى ما يتديَّن به الإنسان وما يُتَعبَّد به. والدِّين (بكسر الدال) كلمة كبيرة تشتمل على مجموعة كبيرة من العقائد (المعتقدات، الأفكار) والشرائع (الوصايا، القوانين). أما كلمة علاقة فتشير في معناها إلى الصلة، وتُبنى العلاقات بمختلف أنواعها على الثقة المتبادلة والتواصل الفعال… إلخ.
وهكذا نستطيع التفريق بين الالتزام بمجموعة معتقدات وأفكار، والانتماء لها، واتباع مجموعة من الشرائع والوصايا والأوامر والنواهي، وهذا ما يطلق عليه التدين، أو الدين أو الديانة. وبين التواصل الفعال مع الله، الخالق، مصدر حياتنا، والعيش في علاقة معه.
التغيير الداخلي
ربما صادفتك أخبار حول قيام بعض المتدينين بأفعال مشينة أو غير أخلاقية أو جرائم، وتتساءل:
كيف يمكن لهؤلاء المتدينين أن يرتكبوا مثل هذه الأفعال؟ والإجابة هي أن التدين واتباع القوانين والشرائع الدينية لا يغير من طبيعة الإنسان، وربما تكون مجرد مسكِّن لضميره، وربما يستغلها لتبرير كل ما يفعل. لكن ما الذي يستطيع أن يغير الإنسان من الداخل، ويجعل سلوكه الإنساني متوافقًا مع ما يدعيه، وحدها العلاقة مع الله والتواصل معه هي ما تستطيع أن تغير الإنسان، فتجعله يفعل الخير لا خوفًا من الله بل محبةً له، وليس من أجل إتمام واجبات دينية، بل لأن هذا هو ما يفرح الله.
بالعودة إلى قصة ترازان، اختتمت القصة بتمكُّنِ مجموعة من الباحثين من العثور على ترازان واصطحبوه معهم إلى المدينة؛ بمعنى أن حياته قد تغيرت. والعلاقة مع الله لا تهدف فقط إلى إشباعنا، بل إلى تغييرنا، وإلى ضبط مسار علاقتنا بأنفسنا وعلاقتنا بالآخرين المحيطين بنا. والسؤال الآن هل لديك علاقة بالله تستطيع تغييرك من الداخل وإشباعك؟