المساعداتِ .. التواكُل .. الاعتماديَّة!
- ما الفرق بين “الاتكال” و”التواكل”؟
- هل التواكل والاعتمادية خطية؟
- هل حياة السعي والاجتهاد تتعارض مع حياة الاتكال على الله؟
منذ أن خُلق الإنسانُ ووضعه الله في الجنة، وكان الهدف الإلهي أن يكون مثمرًا و”عاملًا إيجابيًّا” لا مجرد مُستَقبِل للنِّعَم والهبات الإلهيَّة، فهذا لا يتعارض مع نِعَم الله وإحساناته وعطاياه على الإطلاق؛ فالعملُ والاجتهادُ مسؤوليةٌ وضعها الربُّ الإلهُ على الإنسان منذ البدء.
عالم شرير وعوز وأنين!
نعيش في عالمٍ شرير، لا يعرف البركةَ التي لنا في المسيح، يرفضنا ويقف ضدَّنا ويضطهدنا لأجل اختياراتنا وحياتنا الجديدة، فنتعرض لعوز ماديٍّ واحتياجٍ شديدٍ… فكل شيءٍ قد تغيَّر؛ فقد ننتقل من مكانٍ لمكانٍ آخر بعيد، وقد يضطرُّنا الأمرُ لتغيير المِهَن التي كنا نعمل فيها في أوطاننا. كل هذا يؤثر على وضعنا المالي، في ظل أزمات اقتصادية طاحنة يمر بها العالم من حولنا، وهنا نقف في حيرة نسأل: يـا رب كيف سنعيش وسط كل هذه الصراعات والاحتياجات؟ هل من مَخرَجٍ ومَنفَذٍ لتلك الأزمة؟!
يدُ اللهِ المُمتدَّةُ بالخير لا تتوقَّف!
لا يكفُّ الله عن تقديم العون لنا بطرقه المتنوعة والعجيبة، التي فيها يستخدم المؤمنين الذين قبلوا الرب في قلوبهم بالحق ليكونوا عونًا لبعضهم البعض، فيباركون بعضهم البعض بالبركة التي أخذوها من الله. لكن هل هذا الأمر عليه أن يستمر دون تمييز؟ وهل استمراره في صالح المؤمن أم ضد مشيئة الله؟!
هل المساعداتُ الماديَّةُ ضدَّ مشيئةِ اللهِ لنا؟
إن مشيئة الله لكلِّ مؤمنٍ أن يكون “بركةً” ويبارك الآخرين… هذا هو نصف الحقيقة الأول، أما النصف الثاني: هو أن يكون عاملًا باجتهاد لا بيدٍ رخوة (سفر الأمثال 10: 4)؛ فالكتاب المقدس لا يُمكنه أن يُساند الكسل أو التكاسل، بل يوصي المؤمنين أن يكونوا عاملين باجتهادٍ غير متكاسلين وأن يشتغلوا بهدوء وتكون كلُّ أمورهم بترتيب ولياقة، فالإيمان والاعتمادية لا يمتزجان أحدهما بالآخر، والاجتهاد والسعي هما الرفيق الصحيح للإيمان أما غير ذلك قد يكون مجرد ادعاء!
ما أبعد الفارق!
إن “حياة الاتكال” على الرب والثقة به وتفويض الأمر له سبحانه من علامات حياة الإيمان، لكن المشكلة تكمن في الفارق الكبير والعميق بين ذلك وبين ما يُسمَّى بـ”التواكل” الذي فيه يُسلِّم المؤمنُ نفسه لحياة السلبية والتقوقع حول الذات وحياة الأنا مستسلمًا لطبيعته الفاسدة التي تتمرَّد على ترتيب الله. فكلمة الله أوضحت لنا في أكثر من موضع أن في كل تعب منفعة وأن العمل هو خطة الله للإنسان منذ القديم (سفر التكوين 2: 15). فلا يليق بالمؤمن أبدًا أن يتواكل “بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ.” (رسالة أفسس 4: 28). لكن هذا لا ينفي بتاتا أن نُدرك أهمية المال وكيفية كسبه بطرق صحيحة وكيفية إدارته، وهو ما سنتناوله بشيءٍ من الإيضاح في مقالةٍ منفصلة
اِلقِها على الرب وتحرَّك بإرشاده…!
القارئ العزيز، ربما تمر حاليًا بأوقات عصيبة، تهديدات، مجادلات، مشاحنات، قلب مثقل بالضغوط، قد لا تعلم ما الخطوة القادمة… وغيرها من الأمور الصعبة. عندي لك خبرٌ سارٌّ: إن كنت قد وضعت ثقتك وسلَّمت حياتك لمن بيده مقاليد الأمور مالك الملك سبحانه الرب يسوع المسيح، فما عليك سوى أن تلقي عليه همك (احتياجك) وتصدق بأنه سوف يعولك أكثر جدًّا مما تفتكر أو تظن. لذلك كن حساسًا لسماع صوته الذي بكل تأكيد سيقودك لتكون مُثمرًا. واطمئن طالما وثقت فيه، فهو قد وعد (وهو الصادق والأمين) أنه لن يُخذل كل من تعلق به.
ختاما يُمكننا الاسترشاد بمقولة الشاعر النروجي آرنِه غاربورغ، حين قال إن المال «يشتري الطعام لا الشهية؛ الدواء لا الصحة؛ الفراش المريح لا النوم؛ العِلم لا الحكمة؛ الحليَّ لا الجمال؛ البيوت الفخمة لا الدفء؛ التسلية لا الفرح؛ المعارف لا الاصدقاء؛ الخدم لا النزاهة».
هنا علينا أن ننظر نظرة صحيحة للمال، ونعتبره وسيلة لا غاية، وهكذا نعيش بسعادة واكتفاء. ويحذِّرنا الكتاب المقدس من أن: «محبة المال أصل لكل أنواع الأذية، وهي التي مال وراءها البعض فطعنوا انفسهم طعنا بأوجاع كثيرة». — تيموثاوس الأولى ٦:١٠.
من الواضح اذًا ان ما يسبِّب الاذية ليس المال بحد ذاته إنما محبة المال. فإعطاؤه أهميةً زائدةً عن اللزوم يُحدِث أضرارا كثيرا نحن في غِنى عنها.