الوحي في المسيحية

لم يكن حصة إملاء

في عام 2013، فوجئ طلاب الثانوية العامة في مصر بسؤال في امتحان اللغة العربية يطلب جمع كلمة “وحي”، وصار هذا واحدًا من أشهر الأسئلة الغريبة في تاريخ امتحانات الثانوية العامة في مصر، وكُتِبت بسبب هذا العديد من المقالات التي تحلل كلمة “وحي”، وتحاول معرفة هل يمكن جمعها أم لا. وتشير كلمة وحي في المعاجم العربية إلى ما يُخبر به الشخص، ويشار إلى الوحي الإلهي بأنه “مَا يُوحِي بِهِ اللَّهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مِنْ كَلاَمٍ لِعِبَادِهِ”، والجمع وُحِيّ. ويخلط البعض بين الوحي والإلهام بالنسبة للفنانين والشعراء.

تؤمن المسيحية أن “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16)، وتؤمن أيضًا “لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ”. (رسالة بطرس الرسول الثانية 1: 21).

ما هو الكتاب المقدس؟

يحتوي الكتاب المقدس على 66 سفرًا، وكلمة سفر تعني “كتاب”، تنقسم إلى: عهد قديم (39 سفرًا)، وعهد جديد (27 سفرًا). يضم العهد القديم أسفار التوراة وأسفارًا تاريخية، وأسفار الأنبياء، وأسفارًا أدبية وشعرية، أما العهد الجديد فيحكي قصة حياة السيد المسيح، وسفر يسمى أعمال الرسل يحكي نشأة الكنيسة الأولى، ومجموعة أسفار هي عبارة عن رسائل من تلاميذ المسيح ورسله للكنائس الناشئة، ثم سفر أخير يسمى سفر “الرؤيا”. كُتب العهد القديم بعدة لغات منها العبرية والآرامية، وكُتِب العهد الجديد باليونانية.    

السمة العامة لهذه الأسفار أو الكتب المتنوعة أنها تُنسب لأشخاص؛ أنبياء أو رُسُل. كتب هذه الأسفار 40 كاتبًا، من خلفيات ثقافية ومِهَن مختلفة، ومن مناطق جغرافية متباينة، على مدى 1500 عامٍ في ظروف تاريخية متغيرة.

كيف يمكن أن نعتبر هذه الكتابات البشرية وحيًا إلهيًّا؟

بالعودة إلى الآية التي وردت في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16، نجد العبارة “مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ”، وهي تأتي في اللغة اليونانية الأصلية بمعنى نفخ، وتركيب الكلمة في الأصل اليوناني يأتي في المبني للمجهول، وعليه تكون ترجمة «موحى به من الله» أي «نُفِخت من الله»، بمعنى أن الكتب المقدسة صيغت بروح الله. ولذلك كثيرًا ما تجد في أسفار الكتاب المقدس عبارة: “هكذا تكلم الرب…”، أو “كلمة الرب التي صارت إلى…”.

لذا فليس معنى الوحي في المسيحية أن الله قد أملى على الكتَّاب ما يكتبونه، لكن أن كلًّا من هؤلاء الكتاب قد كتب بأسلوبه ووفقًا للغته ومستواه التعليمي والثقافي، وحتى وفقًا للسياق الحضاري الذي كان يعيش فيه، لكنه كان مسوقًا -أي منقادًا بروح الله- في كتابته، وهذا ما قاله بطرس الرسول، أحد تلاميذ المسيح، في رسالته الثانية، التي ذكرناها في بداية هذا المقال. فهؤلاء الكتَّاب عبَّروا عن الإعلانات التي تلقوها من الله، بألفاظ من مخزونهم اللفظي واللغوي، بما يتناسب مع لغة الجمهور المتلقي.

يحكي الكتاب المقدس قصة تعامل الله مع البشر منذ خلق العالم، وسقوط الإنسان في الخطية وعصيانه ضد الله، وخلاص الله للإنسان في شخص السيد المسيح، ورغم تعدد الكتَّاب واللغات والأزمنة والنطاق الجغرافي لكل كاتبٍ، فإن قصة الكتاب المقدس تأتي متوافقة ومتناغمة، لأن المصدر واحد، هو الله الواحد الحي.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع