كيف أقبَل نَفسي بمقاييس الله!

كان عاملان يقومان بإزالة انسداد أصاب مدخنة ضخمة، فانزلق أحدهما داخلها، فلما أراد الثانى أن يمسك به، انجذب معه، وسقط كلاهما إلى أسفل، وخرجا من الفتحة السفلية للمدخنة، اتسخ وجه الأول بسوادٍ كثيف، بينما بقى وجه الثانى نظيفا، كما كان من قبل. نظر كلاهما للآخر؛ فتخيل كلٌّ منهما أنه مثل صاحبه؛ فكانت النتيجة أن أسرع الثانى، وسكب مياها كثيرة على وجهه بلا داع؛ وظن الأول أن وجهه نظيف فلم يهتم بغسله !
إن كثيرين للأسف يهدرون طاقتهم فيما لا يفيد، والسبب أنهم لا يرون أنفسهم على حقيقتها، إذ ينظرون لأنفسهم فى مرآة الآخرين. لقد خلق الله كلٌّ مِنَّا متميزا، ولكل واحد فينا خُطة أعدَّها الله لنسلك فيها؛ فما أخطر أن يعيش واحدٌ مِنَّا دور الآخر.
معنى قبول النفس
قبول النفس، هو قبول الشخص لنفسه، خاصةً في الأمور التي يَصعُب عليه تغييرها في نفسِهِ. مِثال على ذلك؛ قبول النفس بما فيها من نواقصَ في الهيئة أو المظهر ففي (مز139: 14) يقول داود ” أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا. عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا“.
مثال على بعض المجالات التي قد يَصعُب قبول النفس بها :
- الشكل (اللون – الطول – الوزن): فذوات البشرة الداكنة يواجهون صعوبات في بعض البلاد.
- القدرات (كالصوت – القدرات العقلية): فقد يشعر الإنسان بالنقص لو قابَل شخصا أعلى منه بمجال.
- البيئة التى نشأ فيها: (القرية – الحى – المدينة).
- الأصل والنسب: (لديَّ مرارةٌ تجاه: والدي – عائلتى – أنسبائى.. إلخ).
- مظاهر جسدية: (الملبس – المأكل – المظهر– البيت – الأثاث.. إلخ).
- مظاهر نفسية: (الخجل – النقد الزائد – القلق.. إلخ).
- مظاهر روحية: (عدم الغفران للآخرين أو للنفس – صعوبة الإيمان – التذمُّر.. إلخ).
أسباب عدم قبول النفس:
- أسباب خارجية :
- الأسرة: قد تؤدي بعض كلمات أفراد الأسرة إلى إحباط وتعجيز الأبناء.
- قِيم المجتمع: كأن يُقلل مجتمعٌ ما من قيمة المرأة، أو يتجاهل آراء الصغار؛ بُحجة انعدام الخبرة، إلخ.
- المفاهيم الدينية الخطأ: مثل مفهوم الحظ، والقدر، اللذين يَظن البعضُ أنهما من مباديء المسيحية.
- أسباب داخلية :
- عدم فَهْم النفس وإمكانياتها: كالاعتقاد في إمكانيات وقدرات بعيدة عن الواقع.
- خبرات الماضي: مثل فَشْلِنا سابقا في عمل شيءٍ ما، والاعتقاد بعدم القدرة على إنجازه أبدا.
- الطموح الزائد: مثل الطموح لتحقيق أحلام أعظم وأكبر من الواقع، مثل حُلم الثراء المُبالَغ فيه.
- غياب الهدف: فإن لم يكن لك هدف ستصبح جزءا من أهدافٍ الآخرين، وهدفُنا الأسمى هو الملكوت.
- مقارنة النفس بالآخرين: كمُقارَنة نفسي بشخصٍ لديه قُدراتٌ أعلى مِني؛ ما قد يُشعرني بالنقص.
- النقد السلبي وله نوعان :
- نقد سلبي من الآخرين: فنظرة الآخرين وكلماتهم السلبية تؤدى للشعور بالنقص والإحباط والتفشيل!
- نقد سلبي من الإنسان لذاته: كأن ينتقد الفرد نفسه بطريقةٍ خاطئة مما يوقعه بالإحباط.
مظاهر عدم قبول النفس:
- الانطواء: كأن يفترض بعض الأشخاص مثلا أن مجموعة من الأفراد لا تقبلهم، فينعزلوا عنهم!
- الحقد والكراهية: للأشخاص وللمجتمع؛ وذلك يظهر في أشكالٍ مثل العنف والتخريب والحِدَّة، إلخ!
- العِناد: والمقصود العِند بهدف العند في حد ذاته.
- الشعور بالنقص: وقد يَظهر في إحساس الشخص بالدونية، أو محاولة المبالغة في بعض السلوكيات.
- الحساسية الزائدة: كأن يُجرَح الشخص من أبسط الأمور، أو يفهم أمورا كثيرة على نحوٍ خاطيء!
كيف أقبل نفسى؟
- إدراك نظرة الرب للإنسان: كن على يقينٍ دائم أنك مقبول ومحبوب في عيني الرب.
- صَحح صورتك أمام نفسك: واعرف جيدا ما تتميز به عن الآخرين.
- تَعرَّفْ على قُدراتك ومواهبك: ولا تقلل من أهميتها مهما صغر حجمُها.
- المداومة على حياة الشُّكر: أي شُكر الرب دائما على المواهب المعطاة لك، كبيرةً كانت أو صغيرة!
مقاييس القَبول لدى الله!
- ينظر الله للقلب (المضمون)، بينما ينظر العالم للوجه (الشكل).
- ينظر الله لكل إنسان بمقدار ما دفعه يسوع ليمتلكه (الدم – الصليب). بينما ينظر الإنسان لأخيه حسب ما يملك من مالٍ وجاهٍ وممتلكات وعزة وذُريَّة، إلخ!
- يقيس الله النوايا ودوافع التصرفات (مِثال: الفلسين والمرأة الفقيرة، اقرأ “لوقا 21: 1 -4”)، بينما يحكم الإنسان على ما يبدو ظاهرا له.
ختاما.. أنت: عزيزٌ – غالٍ – مُكرَّم – مُميَّز – محبوب. ” إذ صرت عزيزا فى عينى مكرما وأنا قد أحببتك” (إشعياء 43: 4).