كيف نفرح وسْطَ عالمٍ مُضطرب؟!
فى وسط عالم متغير، يسوده القلق والاضطراب والهم.. يبرز سؤال يلح على أذهاننا، هو: كيف أقتنى حياة الفرح الثابتة، التى لا يشوبها تردد ولا نقصان؟! ولماذا نفقد أحيانًا إحساس الفرح، وننحصر في أحاسيس الألم والندم أو القلق والمخاوف؟!
فما هو الفرح المطوب وكيف نقتنيه؟!
مفهوم الفرح :
- فرح زمني: وهو فرح الإنسان في الدنيا، سواء كان فرحا جسديا، أو فرحا روحيا، أو أي نوع من الأفراح، وهو فرحٌ مؤقت.
- فرح أبدى: هو فرح الإنسان في السماء؛ إذ هو فرح كامل يفوق الوصف، ولا ينتهي، “ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون (السماء) بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد.” (إشعياء 35: 10).
- فرح خارجي: وهو نابع عن شيء أو حدث، أو موقف، أو مُناسبة، يسبب بهجة أو سرورا للإنسان، وقد يكون غير نابع من القلب، وهو أيضا مؤقت.
- فرح داخلي: هو نابع من الرضا والسعادة وراحة البال، والعِشرة مع الله، وهو فرح دائم “يفرح الصديق بالرب ويحتمي به ويبتهج كل المستقيمي القلوب” (مزمور 64: 10)
- فرح خاطئ: وهو الذى يكون مصدره الخطية، أو المعاشرات، أو الشهوات، والسلوكيات الخاطئة، مثل الإدمان.. إلخ، “افرح أيها الشاب (فرح خاطئ).. واسلك في طرق قلبك، وبمرأى عينيك، واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة” (جامعة 11: 9).
- فرح حقيقي: وهو الذى يستمد مصدره من الله، والعِشرة معه، وهو فرح عميق، لا يتأثر بالظروف الخارجية، أو التجارب، أو الضيقات.. إلخ، “افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا” (فيلبي 4: 4).
الله والفرح:
- الله مصدر الفرح: الفرح من صفات الله، فهو دائما في فرحٍ، وهو يَفرح بنا “الرب إلهك في وسطك جبار يخلص يبتهج بك فرحا.” (صفنيا 3: 17).
- خلق الله الإنسان للفرح: ومن أجله، خلق كل شيء لراحة الإنسان، وسعادته، ومن فرح الله بالبشر، أنه يديم إحساناته الكثيرة عليهم، “وافرح بهم لأحسن إليهم..” (إرميا 32: 41) ويريدنا أن نكون فرحين به أولا.
- أعدَّ الله للإنسان أفراحا أبدية: أعدَّ الله لأحبائه السالكين حسب وصاياه، أفراحا في السماء، لا يُعبَّر عنها، “ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه..” (كورنثوس الأولى 2: 9).
الرب يسوع مَثلنا الأعلى في الفرح:
- إنجيل الفرح: كلمة الإنجيل معناها “البشارة المفرحة”، ويبدأ الإنجيل بالفرح، بميلاد المسيح المخلص، وينتهي بأفراح قيامة المسيح، وإتمام الخلاص .
- كان يفرح ويتهلل بالروح: “وفى تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال أحمدك أيها ألآب..” (لوقا 10: 21)، كما أن المسيح، وكلامه، هما مصدران للفرح الروحى “كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم” (يوحنا 15: 11).
- دعوته للفرح الدائم: حتى في الضيقات والاضطهاد “افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم” (متى 5: 12)، إن الله يبارك القلوب المبتهجة الشاكرة .
الفرح من ثمار الروح القدس :
- الفرح الروحي: وهو من ثمر الروح القدس في الإنسان “أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام..” (غلاطية 5: 22).
- فرح الامتلاء بالروح: يُعطي الامتلاء بالروح القدس، فرحا لا يُعبَّر عنه، وقال أحد القديسين: “حينما تمتلئ النفس من الروح القدس، تتحرر تماما من الكآبة والضيق والضجر، وتلبس الاتساع والسلام والفرح بالله، وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس.”
سِمات الفرح المسيحي:
- الفرح بالله: وهو فرح العِشرة معه “جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع. لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي” (مزمور 16: 8 ،9). إن الفرح المسيحى ناتج عن وجود الله في حياتنا، ولو كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالإنسان مضادة.
- الفرح الكامل: لأنه من السيد المسيح، الذى أعطانا الفرح الكامل، الذى يشمل الفرح الخارجي، والفرح الداخلي، فرح الروح والنفس.. إلخ، “ليكون لهم فرحى كاملا فيهم” (يوحنا 17: 13)، وهذا الفرح لا يمكن أن يُنزع مِنا حتى بالموت.
- الفرح الدائم: لأنه مرتبط بحياة التسليم لله، الذى يحبنا، ويعمل كل خير لنا “كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله” (رومية 8: 28)، إن الفرح الدائم هو ثمرة التسليم الواثق في الله، وعندما تبدو الأمور غير مفرحة، تقول الكلمة “افرحوا كل حين” (تسالونيكي الأولى 5: 16).
مجالات الفرح :
- فرح التوبة: إن فرح التائب بتوبته، فرحٌ، لا يعادله فرحٌ آخر، وهو فرح التخلص من الخطية، وقيود الشيطان، أو التخلص من خطية متكررة أو عادة مسيطرة.. إلخ، وهو أيضا فرح الغفران، والرجوع لله. كما أن التوبة تُفرح قلب الله، وتُفرِّح السماء بمَن فيها من الملائكة والقديسين “هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب..” (لوقا 15: 7).
- فرح العطاء: وهو أن يُصاحب العطاء السرور والفرح، ولا يكون عن تغصُّب أو حُزن، وبقدر سرورنا بالعطاء، يحبنا الله “كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار لأن المعطي المسرور يحبه الله” (كورنثوس الثانية 9: 7)، ويكون “الراحم بسرور” (رومية 12: 8).
- فرح في التجارب: إن الفرح المسيحي فرح صادق، يدوم حتى وقت التأديب والتجارب، “احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة” (يعقوب 1: 2)، والتجارب غالبا ما تكون فرصة يستخدمها الله لتنقيتنا من الشوائب، أو للترقيات الروحية، والنضوج.
بركات حياة الفرح :
- نوال القوة: إن الفرح الروحي، هو مصدر للقوة الروحية والنفسية والجسدية “لا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم” (نحميا 8: 10) إن كل قلق أو خوف أو اضطراب أو يأس هو من عمل الشيطان، ولكن المسيح قد انتصر على الشيطان، وأعطانا قوته وفرحه.
- الأمان والاطمئنان: وهما نتيجة طبيعية لحياة التسليم والفرح “ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده” (رومية 8: 28)، إن قوة الله العظيمة، تُحيط بنا وتحرسنا؛ لذلك نشكره ونفرح بذلك.
- عربون الفرح السماوي: إن أولاد الله فَرِحون بملكوت الله داخلهم، فرحون بعمل الروح القدس فيهم، فرحون لأن لهم ملكوت السموات.. “إن كنتم لا ترونه الآن (ملكوت السموات) لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد.” (بطرس الأولى 1: 8)، وهذا فرحٌ، بالرغم من الشدائد والآلام في الحياة..”!
تدريبات لحياة الفرح:
- أظهِر المحبة والبشاشة للجميع – يجب أن يكون فرحك غامرا يشع على الآخرين.
- حوِّل الأمور المخيبة للآمال، إلى فرح ومسرة، وكل شكوى وتذمر، إلى شكر ورضى.
- كما أن التسبيح هو تقدمة الإنسان المفرحة للرب، فبينما نُسبح، يَسرى في كِياننا الفرح السماوي.
صلاة
ربنا وإلهنا، أعِنَّا حتى نعبُر :من العِوز إلى الوفرة، من القلق إلى الراحة، من الحزن إلى الفرح، من الضعف إلى القوة، من اليأس إلى الإيمان، ومن الخوف للسلام والطمأنينة.
إذن… تعالوا نقتنى الفرح… فالفرح هو من الرب، وبالرب، وفى الرب!
من الرب… أي إنه مصدر هذا الفرح.
وبالرب… أي أننى فرحان به شخصيا وليس بعطاياه.
وفي الرب… الذى يحوِّل الشر إلى خير، وفيه أنا واثق أنه سيصنع كل خير.
أحبائى… مسيحُنا “هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ” (عبرانيين 13: 8)، فكما كان بالأمس معنا، نثق أنه سيكون معنا في المستقبل، يدبره، ويضمنه، ويأمر بالبركة، لكل من يخدمه، فلا ننزعج من جهة المستقبل، بل نضعه في يده الحافظة.