ماذا يُعلِّمنا الكتاب المقدس عن العطاء؟!

إن حياة الإنسان تُقاس، أو تُقيَّم، بمقدار ما يُقدِّمه من عطاء. لذلك فكل يوم يمر عليك، دون أن تعطى فيه شيئا لغيرك، لا يُحسب من أيام حياتك، ومن جهة العطاء، وَضَع سليمان الحكيم، وصيتين ذهبيتين هما: “لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله، لا تقل لصاحبك اذهب وعُدْ غدًا فأعطيك، وموجود عندك” (أمثال 3: 27، 28)، الواجب إذن أن تُعطى، ولا تؤجل العطاء إلى غدٍ. فإن أنعم الله عليك ببعض الخيرات، لا تظن أنها كلها لك وحدك!
بل الله – فيما يعطيك – إنما يختبرك: هل أنت بدورك سوف تعطى أيضا؟ أم سوف تملكك الأنانية؛ فتستأثر بكل شيء لذاتك دون غيرك؟! فالعطاء هو خروج من محبة الذات، إلى محبة (الآخر). والعطاء يحمل فضيلة البذل، وشيئًا من فضيلة التجرُّد، وبُعدا عن الجَمْع والتكويم. والذي يتصف بالعطاء، يدل على أن المال لا يتسلط عليه، بل هو الذي يملُك المال، ويُنفِقه في خير الآخرين.
مفهوم العطاء:
- عطاء مطلق: يتمثل في عطاء الله لخليقته، من عطايا مختلفة لكل البشر، من نِعمٍ وبركات وخيرات، كما أن كل عطاياه صالحة وبوفرة وسخاء. (يعقوب 1: 17)، وأعظم ما أعطانا الربُّ، نعمة الوجود، والحياة الأبدية.
- · عطاء نسبى: كعطاء الإنسان من عشور أو بكور أو نذور، أو مال، أو وقت، أو عمل، أو مساعدة، وهو ما يتناسب مع محبة الإنسان لله، ومدى محبته للغير والعطاء.
- عطاء القلب: هو مَنْح القلب للرب “يا ابني أعطني قلبك” (أمثال 23: 26)، فهو يطالبنا أن نعطيه قلوبنا، أي يملك عليها، وعلى ونفوسنا، ويكون هو الكل فى حياتنا.
- عطاء العشور: وهو دَفْع عشور دَخْلنا، من المال لبيت الرب الكنيسة، والفقراء والمحتاجين، وعشور الدخل هو الحد الأدنى لعطاء المال، “هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود إن كنت لا افتح لكم كوى السماوات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع” (ملاخي 3: 10).
- عطاء الخدمة: أن نستخدم المواهب التى يعطيها لنا الله، فى خدمة الآخرين، سواء خدمة تعليم أو وعظ أو خدمة مرضى أو معاقين.. إلخ “ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة” (بطرس الأولى 4: 10).
الرب يسوع مثلنا الأعلى فى العطاء:
- أعطانا الخلاص: من سلطان إبليس والخطية “ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص” (أعمال الرسل 4: 12).
- أعطانا جسده ودمه: لغفران الخطايا والحياة الأبدية “من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير” (يوحنا 16: 54).
- عطايا أخرى كثيرة ومتنوعة: مثل الشفاء والتحرير والتعزية وإراحة التعابى وإقامة الموتى والتعاليم الإلهية، إلى ما آخره من كل عطاياه التي وهبها لنا، لا عن استحقاقٍ فينا، بل عن محبةٍ أبوية.
سمات العطاء المسيحى :
- العطاء بسرور: أي أن يُصاحب العطاء السرور، فلا يكون عن تغصُّب أو حزن، وبقدر سرورنا بالعطاء، يحبنا الله “كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار لأن المعطي المسرور يحبه الله” (كورنثوس الثانية 9: 7)، وأن يكون “الراحم بسرور” (رومية 12: 8).
- العطاء بسخاء: أن يكون “المعطى بسخاء” (رومية 12: 8)، أي أن نُعطى بسخاء ووفرة، ولا ندع مكانا للشُّح فى قلوبنا، وأن نعطى أحسن ما عندنا لكل محتاج “أسخياء فى العطاء كرماء فى التوزيع (على الفقراء)” (تيموثاوس الأولى 6: 18).
- العطاء فى الخفاء: أي ألا يكون بقصد حب الظهور، والمجد الباطل، ومديح الناس، بل فى الخفاء “فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كالمراؤون.. لكى يمجدوا من الناس.. وإنما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعله يمينك لكى تكون صدقتك فى الخفاء. فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية (فى السماء)”، (متى 6: 1-4).
- السعادة فى العطاء: “متذكرين كلمات الرب يسوع، أنه قال “مغبوط (سعيد) هو العطاء أكثر من الأخذ” (أعمال 20: 35)، ويكون العطاء حسب الاحتياج “أن يُعطى من له احتياج” (أفسس 4: 28).
مجالات العطاء:
- عطاء مادي: وهو عطاء المال والمقتنيات، سواء عشور، أو بكور أو نذور، “أعطوا تُعطوا كيلا جيدا مهزوزا فائضا يعطى فى أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذى تكيلون به يُكال لكم” (لوقا 6: 38)، استخدموا كل العطايا التى يمنحها الله لكم لمساعدة الآخرين.
- عطاء معنوي: إن الله يكافئ الإنسان على أعماله الصالحة، بقدر ما يكون الدافع، هو المحبة، “بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا” (غلطية 5: 13). أعطوا حبا واهتماما لكل من يقابلكم، ولكل من تتعاملوا معهم فى الحياة، أعطوهم من صلواتكم، من أوقاتكم، من حبكم واهتمامكم، ومن نفوذكم، ثم بعد ذلك من خيرات العالم وأمواله.
- عطاء روحي: أى الخدمات الروحية من وعظ وتعليم وافتقاد.. إلخ “أم خدمة ففي الخدمة أم المعلم ففي التعليم. أم الواعظ ففي الوعظ المعطي فبسخاء المدبر فباجتهاد الراحم فبسرور.” (رومية 12: 8). مهمتكم أن تساعدوا فى خلاص النفوس.
- النجاة من الشرور والضيقات: إن الصدقة والعطاء، يُنجيان من شرورٍ كثيرة، “طوبى لمن ينظر إلى المسكين (يساعده). فى يوم الشر ينجيه الرب. الرب يحفظه ويحييه. يغتبط (يسعد) فى الأرض” (مز41: 1، 2).
- نوال الخير والبركات: حقا إن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا، فمن يزرع خيرا يجد أيضا خيرا، وبقدر ما نعطى ننال بركات “على قدر ما تسمح يدك أن تعطى كما يباركك الرب إلهك” (تثنية 16).
متى لا يُرضي العطاء اللّٰه؟
اذا كان بدافع أناني، مثل:
- نيل إعجاب الآخرين. متى ٦:٢.
- الفائدة الشخصية. لوقا ١٤:١٢-١٤.
- نيل الخلاص في مُقابِله. مزمور ٤٩:٦، ٧.
إذا كان لدعم نشاطات أو مواقف يدينها اللّٰه. مثلا، من الخطأ إعطاء المال لأحد، لكي يقامر، أو يتعاطى المخدرات أو الكحول. (كورنثوس الأولى ٦:٩، ١٠؛ كورنثوس الثانية ٧:١)، أيضا، لا يليق العطاء لشخص يقدر أن يعيل نفسه، لكنه يرفض ان يشتغل. تسالونيكي الثانية ٣:١٠.
إذا كان يؤدي إلى إهمال عائلتنا. يعلِّم الكتاب المقدس أن رؤوس العائلات، يجب أن يُؤمِّنوا حاجات أهل بيتهم، (تيموثاوس الأولى ٥:٨)؛ فلا يليق أن يكون رأس العائلة سخيا في العطاء للآخرين، على حساب أهل بيته. كما أدان يسوع الذين رفضوا تأمين حاجات والديهم المسنين؛ بحجة أن كل ممتلكاتهم «عطية مكرسة للّٰه». مرقس ٧:٩-١٣.