مفهوم البركة في المسيحية

“ربنا يباركلك فيها”..!
“يجعل لك في كل خطوة سلامة”..!
“يرزقك- يا رب- من حيث لا تحتسب”!
“البركة رزق مش كُتر”.
مَن مِنا لم يسمع هذه الكلمات من أحد والديه، أو من شخصٍ عزيز عليه، أو شخص يقوم بالدعاء له..؟ مَن مِنا لم يقل هذه الكلمات في ظروفٍ مختلفة، أو مناسباتٍ عديدة..؟ لكن، تُرى هل توقفتَ، عزيزي، ولو لحظات، أمام هذه الكلمات، وتفكرت وتدبرت في معانيها؟
هل سألتَ نفسكَ ما الذي تعنيه كلمة “بركة”؟ وهل البركة مرتبطة فقط بالماديات “الفلوس”؟ هل الله، جل جلاله، وتعاظم شأنُه، يبارك جميع البشر؟ أم يختار بشرا بعينهم ليباركهم؟
وهل مفهوم البركة لدى الله يختلف عن مفهومه لدى الإنسان؟
هل الله يبارك أتباع دين معين والباقون “ملعونون” يعانون ويكدحون في الحياة؟
أخيرا وليس آخر: هل يختلف مفهوم البركة من دينٍ لآخر..؟!
يكشف لنا الكتاب المقدس في أولى أسطر صفحاتِه عن فِكر الله تجاه البركة، إذ يشكف لنا عن أن مشيئة الله للبشرية جمعاء بل وللأرض برُمتها هي البركة والإكثار والإثمار.
لذا تعالوا أولا نمر مرورا سريعا على المعنى اللُّغوي لكلمة بركة بحسب قواميس الكتاب المقدس.
عندما نتتبع المواضِع التي ذُكِرت فيها كلمة بركة عبر صفحات كتابنا المقدس نجد أنَّ معانيها أتت على نحو أنها تَعني “مدحا، تهنئة، تحية”، بل وتستخدم أحيانا بمعنى “سعادة”، وتعني أيضا النماء والزيادة والتضاعُف.
ونجد أنها أولى الوصايا الكتابية التي وردت في الكتاب المقدس؛ إذ قال الرب للجنس البشري، وأوصاه، “وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».” (تكوين 1: 28).
ولو أردنا أن نُبحر عبر رحلةٍ عقلية بسيطة نستكشف بها منطقية البركة تعالوا نرى كيف يُحب الأب أولاده!
نعم الأب..!
فالله يحبنا نفس نوع محبة الأب لابنه، هنا لو أخذت بضع دقائق تفكر في مظاهر محبة الأب لابنه، ونوع الحياة التي يتمناها أي أب لابنه سيتبادر لذهنك أولا وقبل أي شيء العبارة الشهيرة الخالدة التي كثيرا ما رددها آباؤنا على مسامعنا وهي “الأب هو الوحيد اللي بتمنى يشوف ابنه أحسن منه”.
هذه الجملة المألوفة العبقرية .. أوجزت فأنجزت كل ما نريد قوله.
فالأب يريد لابنه أحسن تعليم
أحسن صحة.
أحسن مستوى مادي واجتماعي
أفضل تربية وأخلاق وخِصال حميدة
مستوًى معيشيا جيدا
أن يكون ناجحا متفوقا متميزا في حياته الشخصية والعامة.
نافعا لنفسه ولأسرته ومجتمعه ووطنه.
يريد لابنه أن يحيا في أمن وأمان
يريد له أن يكون مرتاح البال في طمأنينة وسكينة
يريد له السعادة
يريد أن يؤمِّن مستقبله
إلى ما آخر القائمة التي تضمن للابن حياة مُبارَكة
وكل أب مقتدرا كان أو ليس، يبذُل كل ما في وسعه ليلَ نهار من جهد وكد وتعب واجتهاد من أجل إسعاد بنيه وتوفير حياة كريمة لائقة لهم.
وهذه هي البركة.. البركة هي ثمرة ونتيجة وتفعيل محبة شخص لشخص آخر.. محبة مُترجَمة لأفعال عملية لها أثر وواقع على حياتي كإنسان.
ثق يقينا عزيزي أن محبة الله لك أعمق وأكبر وأضخم بكثير من محبة أبيك الأرضي لك.
والله يريد لك أن تحيا حياة آدمية إنسانية كريمة في كل زوايا حياتك. “أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ.” (رسالة يوحنا الحبيب الثالثة 1: 2).
نعم هذا يتناقض مع كل ما سمعناه وتوراثناه عن أن الله خلقنا ليبتلينا ويمتحن صبرنا وأن “الأرض” دار عناء وشقاء ومِحن وأن من يحبه الله يبتليه.
هنا لزاما علينا الثورة على كل موروثات تتنافى مع العقل والمنطق والفطرة والإنسانية.
وحريٌّ بنا التنويه والتأكيد أن سمة أنواع عديدة للبركة، وأن البركة ليست مادية فقط.
لكن الله أيضا لا يريد خَلْق بشر متواكلين اعتماديين؛ لهذا لا يفعل الله شيئا بمعزل عن إرادة الإنسان ودوره؛ لهذا سنتناول في المقالات القادمة بشيءٍ من التفصيل أن البركة مسؤولية مشتركة بين الله والإنسان، يبدأها الله بنفسه؛ لأنه دائما ما يمتلك روعة المبادرة، لكن لن تتحقق هذه البركات دونما يقوم الإنسان بدوره على أكمل وجه.
تطبيق بسيط: ابحث عبر كتابك المقدس عن أنواع البركة مستشهدا بآية أو واقعة لكل نوع.