مُجتمَع جديد .. فِكر جَديد!

عادةً ما يُصاحِب التغيير ألم ومخاوف، ولأن الانسلاخ من أمورٍ نشأنا وتربينا ونمينا عليها ليس بالأمر السهل، قد تطول مدة اتخاذ قرار التغيير، ناهيك عن أن مثل هذه القرارت، دائما ما تعقبها فترة – أكذب عليك عزيزي لو قلتُ إنها قصيرة- فترة من الصراعات والتردد والتشككات، والأفكار التي قد تدعوني للعودة إلى مِنطقة ما قبل القرار.

هذا يواجهه المَرء، على كافة المستويات والأصعدة، فنراه يواجهه لو انتقل أو تحوَّل من فكِر لفكر، من مجتمع لاخر، من بلدٍ لآخر، من عملٍ لآخر، من صداقات عَلاقات شراكات، توجهات سياسية، تحولات اجتماعية أو طبقية، نراه حتى لو انتقل من تشجيع نادٍ لنادٍ آخر.

هذا كله يكون في بدايته صعبا على المرء متخذ القرار، بل والمحيطين به وأحبائه ومن هم في نفس دائرته أو دوائره. صعبٌ من حيث التعود والتكيُّف والتمرُّن على حياة جديد واستايل حياتي وفكري ونمطي جديد.

لكن إن كان هذا صعبا على المستويات الدنيوية والحيايتية.. كم وكم لو كان هذا على المستوى الديني أو الروحي. وهذا هو “لُب” حديثنا في هذه السلسلة من المقالات، التي سنتحدث فيها بشيء من التفصيل المبسط عما يمر به الإنسان الذي يتخذ أصعب قرارت حياته بالتحول من اتجاه ديني لاتجاهٍ آخر، بالأخص في مجتمعاتنا الشرقية المعروف عنها تدينها الشديد، وتشددها في التعامل مع الآخر ومع الاختلاف عامةً.

هنا نواجه مشكلة أخرى وهي معلوماتي عن الآخر..!

وهذه ثقافة شِبه منعدمة لدى الشرقيين، فتجد الواحد مِنا يستقي ويستقبل ويتلقى معلوماته عن الآخر لا من الآخر نفسه بل من المختلف مع هذا الآخر. فتجد المسيحي يتخذ كل معلوماته عن غير المسيحي من شخص مسيحي، وتجد غير المسيحي يتخذ كل معلوماته عن المسيحي من شخص غير مسيحي، بالتالي لا ألتمس ثقافتي عن الآخر من الآخر نفسه بل من أبناء جلدتي ونفس انتمائي وثقافي؛ بالتالي سيشوبها الكثير جدا من المغالطات والمبالغات والتشويه والتقليل المُتعدَّد أو غير المتعمَّد.

هذا كله يجعل قرار التغيير أصعب من الصعوبة، والأشد قسوة هو تبعات ما بسنُلقيعد التغيير.

لا سيما التغيير على المستوى الديني، لأن من يتخذ قرارا باعتناق الإيمان المسيحي سيتحتم عليه أن يواجه مجتمعاتٍ ثلاثة، مجتمعه السابق الذي تحول منه وعنه، والمجتمع المسيحي الحالي، ومجتمع من هم مثله أي حديثي الانضمام للإيمان المسيحي “مجتمع العابرين”.

هنا سنُلقي نظرةً سريعة على كيفية تعامل “حديث الانضمام للمسيحية” مع مجتمعه السابق.

ببساطة سيتحتم على “المؤمن الجديد” التعامُل من خلال محاورَ ثلاثة هامة قد نوجزها في:

  1. الحكمة والحذر:

من الحكمة بمكان أن يلتزم “المؤمن الجديد” بثبات انفعالي وهدوء داخلي، لأنه في هذه المرحلة، أي مرحلة ما بعد الإيمان مباشرةً يكون في حالة من النشوى والفرح والحماس والاندفاع والرغبة العارمة في مشاركة الجميع بإيمانه الجديد، وبالتغيير المذهل الذي حدث في حياته، والمعجزات التي قد يكون اختبرها واختباره الرائع لمحبة الرب يسوع.

هنا يتحتم عليه، أي “المؤمن الجديد” أن يحتفظ بكل هذه المشاعر بداخله، ويكتفي بالتعبير عنها داخليا وبينه وبين الرب، على ألا يُظهر أي تغيير في لغته أو مظهره أو تفاعلاته أو تعاملاته أو كلماته أو عاداته أمام مجتمعه السابق، فليس من الحكمة في هذا التوقيت البوح والإفصاح وهذا ليس مطلوبا، ولا هو ضد الإيمان في شيء.

بل قد يستطيع الاستمرار كما هو في عباداته وممارساته لكن مخاطبا الله داخليا باللغة الجديدة التي ملأت قلبه وعقله وذهنه.

  • مهارات التواصل والذكاء الاجتماعي:

هنا أيضا لا بد أن يتحلى الإنسان بمجموعة من مهارات التواصل التي يكتسبها الإنسان من الخبرات الحياتية والقراءة والتعلم والاختلاط بالمجتمع والناس والتحديات، تلك  المهارات التي تُمكنه من بناء جسور من التواصل مع الجميع، المختلفين معه قبل المتفقين، بحيث يستطيع أن يتحدث مع كل شخص باللغة التي يفهمها، وتُقرب المسافات بينهما، لا بلغة غير مفهومة أو مستفزة أو مثيرة للتساؤلات وهذا جزءٌ أصيل من الحكمة.

إن أبسط مقومات الذكاء الاجتماعي هي قدرة الشخص على التحكم في عواطفه وانفعالاته وقدرته على كسب مختلف الأطياف وإقامة علاقة معهم قائمة على المشتركات والود والقبول والاحترام المتبادل واللغة الوسطية التي تتيح للطرفين التفاهم والاشتراك والاختلاف حتى بهدوء وسلام.

وهذا يحتاجه كثيرا جدا “المؤمن الجديد” لأن مجتمعه السابق لن يقبل باي شكل من الأشكال حقيقة انتقاله من قناعة دينية لقناعة جديدة، وليس مطلوبا من “المؤمن الجديد” أن يهجر أهله وعائله وأصدقاءه ومعارفه، بل أن يقدم لهم أسمى درجات محبة وقبول الرب لهم. وهذه رسالة هامة جدا علينا تحمُّل مسؤوليتها بنضوج ورجولة.

  • المحبة والوداعة:

وهما أبسط وأهم وأعمق وأغلى ما على “المؤمن الجديد” أن يقدمه لـ”أترابه وأنسبائه وأحبائه وعائلته وإخوته” ومجتمعه السابق. فالمحبة تُذيب القلب وتبرز محبة الله وحنوه ورحمته وصلاحه ووداعته وسماحته، وتفتح طريقا رائعا للعلاقات والصداقة والسند والمعونة، بل تفتح ممرا جميلا من الثقة والراحة والارتياح لدى الآخر، وتكون شهادة جميلة عن التغيير العميق الذي أصاب قلوبنا بسهمٍ من النور الإلهي.

إذن الحكمة والتواصل الجيد والمحبة، هم أجمل وسائل وأسلحة يمكن بها لـ”المؤمن الجديد” أن يظل محتفظا بعلاقته الجيدة مع مجتمعه السابق، دون إثارة للغضب، أو إدخال نفسه في نفق من الصراعات والخطر، ما يقوده لحياة هادئة مطمئنة، بها سلام وراحة وأمان، واستمتاع بالحياة الجديدة.

سنتناول في المقالتين القادمتين كيفية تعامل “المؤمن الجديد” مع المجتمع المسيحي ومع مجتمع من هم مثله.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع