مشورة

سؤال أزلي.. كيف أختار شريك حياتي؟!

       من أصعب قرارات الحياة هو اختيار شريك الحياة؛ فاختيار الشريك من أهم القرارات التي نتخذها في مرحلة ما في حياتنا قد تؤثر بالسلب أو الإيجاب على بقية مراحل وجوانب حياتنا؛ فعلينا أن نُحسن الاختيار. ومن هنا يتساءل الشباب هل هناك المعايير وشروط ثابتة سليمة لاختيار شريك الحياة المناسب؟ ولكن قبل معرفة الصفات والشروط التي يجب توفرها في شريك الحياة المناسب، عليك أن تعرف الصفات والشروط التي يجب أن تتوفر فيك أولاً لتعرف هل أنت مؤهل نفسيًا للارتباط أم لا.

         أولاً: “اعرف نفسك جيدًا” في جلسة هدوء وصفاء تحدث مع نفسك عن نفسك وكن صادقًا إلى أبعد حد. اسأل نفسك لماذا تريد الزواج؟ ما نيتك من هذا الزواج؟ هل من أجل البحث عن السعادة والاستقرار؟ هل من أجل الأطفال؟ هل تريد إشباع عاطفي وجسدي من الطرف الآخر؟ أم أن غايتك التطور والنمو بمساعدة طرف آخر ناضج؟ وما الذي تستطيع تقديمه للطرف الآخر؟ وهل أنت حقًا مؤهل للارتباط؟

ثانيًا: اكتب عشرة مقاييس وصفات لا يمكن أن تستغنى عنها في شريكك، كالفئة العمرية والمستوى الاجتماعي والتعليمي والديني، مؤهلاته العملية والمالية والعلمية، وبعض الصفات الشكلية والنفسية كتحمل المسئولية. اكتب أيضًا عشرة صفات لا تستطيع التعايش معها كالبُخل أو الاسراف، ساعات العمل الطويلة وظروف السفر المتواصل وغيرها. وهل هناك معايير ثانوية يمكن التنازل عنها والتكييف معها؟

ثالثًا: لابد من وضع فترة زمنية كافية جدًا للتعارف والاختبار، لمعرفة هل بالفعل هذا الشريك قد استوفى القدر الأكبر من المقاييس التي وضعتها أم لا. هل هي معين نظير تستطيع تحمل المسئولية بصبرٍ ووفاء؟ وهل هو على دراية باحتياج المرأة للاحتواء، والتفهم، والتقدير، والامتنان؟ هل هدفكما واحد في الحياة أم أن كل واحد منكما يسعى في اتجاه مختلف؟ هل هناك جوانب مشتركة بينكم وقدر من التفاهم تلجأوا إليه حين تشتد عواصف الخلافات؟ هل لكم هواية مُحببة لقلبكما تشتركان فيها سويًا كالموسيقى أو السفر؟ وما هي رؤيتكما لمستقبل أطفالكما؟ وهل تتفقان في إدارة الأمور المالية بدون تدخل من الأهل؟ راقب جيدًا علاقة الطرف الآخر بالله ومفهومه عن الله. هل يحيا في مخافة الرب وأمين في علاقته مع الخالق؟ هل العلاقة مع هذا الشريك ستكون مثمرة في حياتي الروحية وتقودني إلى العمق مع الله؟

رابعًا: لابد وأن يكون هناك قدر معقول من الانجذاب الشكلي والقبول العاطفي الروحي مع تحكيم العقل وعدم الانجراف الكامل وراء تيار العاطفة الرومانسية.

خامسًا: اطلب الإرشاد من الله بشكل يومي حتى تتكشف أمامك حقيقة الطرف الآخر بكل وضوح، فالصلاة والدعاء من أجل اختيار شريك الحياة المناسب تعتبر من أهم الأمور التي يجب على كل شاب وفتاة أن يقوما بها قبل اختيار شريك الحياة.

سؤال للتفكير: بعد أن عرفت أنك أنت المسئول عن اختيار شريك حياتك بالمعايير التي تضعها وتبحث عنها، الآن فَكِر معي ما الذي تستطيع تقديمه للطرف الآخر في علاقة الزواج؟ ما هي مواهبك الروحية وامكانياتك؟ وكيف أستطيع أن أطور من إمكانياتي الحالية بهدف الارتقاء بهذه العلاقة في المستقبل؟

آية للتذكر: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُعَلِّمُكَ لِتَنْتَفِعَ، وَأُمَشِّيكَ فِي طَرِيق تَسْلُكُ فِيهِ.».‏ (‏إشعياء ٤٨:‏١٧‏)‏.

الزواج بعيني الله

الزواج هو “نظام إلهي” وضعه الله – منذ أن خُلق الإنسان على الأرض – بهدف خدمة الجنس البشري، وأهم عنصري هذا النظام هو أن يكون الزواج من رجل واحد لامرأة واحدة، والثاني أن يكون الرابط بينهما هو رباط روحي قائم على المحبة والمودة والتفاهم. بكلمات أخرى؛ الزواج هو “علاقة اتحاد” بين ضلعين، وحجر الأساس فيه هو الله، منه يستطيع أن يستمد الطرفين الأمان والمحبة حتى يمتلئ كل طرفٍ ويفيض على الآخر.

وقد أوضح لنا الله أدوار كلٍّ من “الرجل والمرأة” في تسيير هذه العلاقة – بشكل واضح وصريح – دون أن يضع واحدًا منهما قائدًا أو رقيبًا على الآخر، لأن القائد الوحيد هو الله، وإن قاد آخر العلاقة سيكون مصيرها الفشل. هذا يعني؛ أن الطرفين متساويان في هذا “النظام الإلهي” في الحقوق والوجبات، كل منهما مكملٌ للآخر في محبة متبادلة وتفاهم، هدفهما واحد: أن ينميا العلاقة كلٌّ بحسب موهبته التي أعطاها الله له؛ على سبيل المثال: إن كان الرجل موهبته في تقييم الأمور المالية فليديرها، وإن كانت المرأة لها حكمة أكثر في التخطيط، فليترك لها الرجل الدفة في هذا الاتجاه – دون تدخل – واثقًا في الحكمة التي أعطاها لها الله.

وقد عبَّر الوحي الإلهي بكلماتٍ مباشرةٍ عن الدور النفسي للمرأة تجاه الرجل؛ وهي أن تكون “معينًا نظيرًا“؛ حيث تحمل كلمة “معين” كل المعاني الجميلة للمحبة – عضد وعون، مساعد ومساند، مناصر ومُغيث – وأما كلمة “نظير” أي أن تكون رفيقة كُفء وقديرة على المسؤولية في هذه العلاقة الزوجية.

وعبَّر الرجل الأول “آدم” عن شعوره النفسي تجاه شريكته بكلمات تعكس حب الخالق غير المشروط، تشير إلى النضج والمحبة الكاملة والوحدة مع معينته وبقناعة تامة بنظيرته، قائلاً: “هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي” (تكوين 2: 23).

وبالنظر من هذه الزاوية نستطيع أن نُصلح المفاهيم المغلوطة عن الزواج، فهو ليس قيد يحد الحرية، وليس مجرد تحمل مسئولية، أو فرض مجتمعي أو رخصة لإقامة علاقة جسدية، ضف على ذلك الشعور بصعوبة تربية الأبناء. “الزواج بعيني الله” بعيد كل البُعد عن هذه البرمجة المشوهة التي تعودنا عليها في مجتمعاتنا العربية، فالعكس هو الصحيح، علاقة الزواج مصممة خصيصًا للتعبير عن الذات بحرية، وتحويل الإحساس بالعبء والمسئولية إلى رحلة ارتقاء بالنفس البشرية، ورخصة لعلاقة نقية سوية – نفسية وروحية وجسدية، وشعور إلهي رائع بالأبوة والأمومة هدفه تأسيس عائلة قوية صامدة في المجتمع.

وإن عَرِف كل ضلعٍ في العلاقة دوره النفسي تجاه شريكه، وموهبته التي أعطاها الله له في الحياة، واستثمر الاثنان ذلك في الآخر؛ سنرى “علاقة زواج” بعيني الله، علاقة مثالية ناضجة ناجحة بكل المقاييس؛ علاقة استقرار واشباع عاطفي وجسدي ونفسي، هدفها التطور والارتقاء من الأنانية إلى العطاء والبذل بفرحٍ، مثمرين أطفالاً صالحين للمجتمع ولله.

سؤال للتفكير: الآن بعد أن عرفت المغزى الحقيقي من علاقة الزواج، كما قصدها الله من البداية، تساءل معي أيها القارئ، ما النية من الزواج؟ وما هي مواصفات الشريك المناسب في هذه العلاقة؟

آية للتذكر:غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ”. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 11).

تحديات ما بعد القرار

نحوَ حياةٍ مُنتصرة

أعظم قرار مصيري يمكن أن يغير الحياة هو قرار اتباع المسيح، في الواقع أن اتِّباع المسيح مغامرة مدهشة، فالمسيح نفسه قال: “أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلِ انْقِسَاماً لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الاِبْنِ وَالاِبْنُ عَلَى الأَبِ وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا». (إنجيل لوقا 12: 51- 53). 

هذه الكلمات أثارت الكثير من الجدل، ولكن لن يفهمها إلا من يجتاز هذه المشكلة، أن يكون من بيت له معتقدات أو ديانة تختلف عن رسالة السيد المسيح، فمن يقرر اتِّباع المسيح سيجد نفسه بين حجري رحى؛ بين أن يحافظ على بيته وسلامه وبين أن يتبع الرب يسوع المسيح ليدمر سلامه مع أهله، فالموضوع ليس موضوع ديانة فقط، ولكن قبلية وميراث ودم وأنساب. لذلك استخدم المسيحُ لفظ “انقسام”.

وفي السطور القادمة سنقدم اقتراحات لنؤجل الصدام هذا لأكبر فترةٍ ممكنةٍ، فربما مع هذا التأجيل يذوب الجليد، وتتغير بعض المفاهيم في العائلة… في البداية سنسير المشوار كالسلم… في الدرجة الأولى من السلم أنت قبلت المسيح… ماذا حدث لك؟  

الدرجة الأولى من السلم: لقد قبلت المسيح- حياة جديدة وتحدِّيات جديدة 

أنت الآن ابن للمسيح وعضو في جسد المسيح، الذي يُسمَّى الكنيسة، وتتَّخذ الكنيسةُ أشكالًا متعددةً وكيانًا واحدًا، فهناك من لا يستطيع أن يدخل لمبنى اسمه الكنيسة، لكن هذا لا يمنع كونه عضوًا في جسد المسيح، هو مكان الراحة والتعليم والفهم، فهو مصدر التشجيع والنمو، إن كنت لا تجد مثل هذا المكان راسلنا، ولكن وأنت عضو في كنيسة المسيح قد بدأت حياة جديدة بتحديات جديدة، فأنت أصبحت تلميذًا عليه أن يتعلَّم في مدرسة المسيح وله واجبات تجاه المسيح… فما هو هذا الدور الذي عليك أن تعيشه؟ هذه هي المرحلة الثانية:

الدرجة الثانية من السلم: الدور المطلوب معايشته وما يطلبه الكتاب

يقول السيد المسيح: “الحصاد كثير، والفعلة قليلون”، فمن هؤلاء الفعلة؟ إنهم هم من اختاروا أن يعيشوا للمسيح، وأنت واحدٌ منهم، يعلِّمنا تلاميذُ المسيح في الإنجيل الطاهر أن أول من ينبغي التفكير فيهم هم أفراد عائلتك؛ أندراوس عندما وجد المسيح بحث عن أخيه، وفي سفر أعمال الرسل يحدثنا أن كلَّ من آمن يبحث عن عائلته، هذه هي البداية، ولكن مع الأسف هناك من يتَّخذ قرار أن يعرف المسيح فيهرب تمامًا عن عائلته، ويكون الهروب هو شغله الشاغل، فعائلته تمثل خطرًا حقيقيًّا عليه… لذلك يهرب، وبهذا يبدأ الخطأ الأساسي في تنفيذ مهمة الإرسالية العظمى… ولكن كيف يمكن أن نحل المعادلة، الخطر الآتي من العائلة مع ضرورة توصيل رسالة المسيح؟ ولتسكين الضمير يلجأ المؤمن الحديث لتنفيذ المهمة بصورة أسهل… فينزرع وسط مجتمع أصله مسيحي ويحاول أن يخدم فيه هاربًا من عائلته.

أخطاء ينبغي تجنبها وظروف يجب دراستها

هذا يقود للدرجة الثالثة من السلم وهي رد فعل المؤمن تجاه عائلته/ وهو هنا أحيانا يكون لديه موقعة (عنترية) تجاه عائلته، فيجاهر بإيمانه بصورة فجة تخلو من الحكمة، وأحيانًا يلجأ للإساءة لما كان عليه من معتقدات، فيستخدم تعابير محطِّمة لمعتقدات عائلته، وتكون مصطلحات مشروعة، مثل أنا كنت أتبع الشيطان، أو أنتم في ظلام… إلخ، فيكون بالنسبة لهم ابنًا عاقًا مرتدًّا، ويزرع العداوة في القلوب، وهذا يبني سدودًا بينه وبين عائلته، هذه السدود ينتج عنها الحرب والفشل، ومحاولة الهروب وعدم العيش في أمان.

الدرجة الثالثة من السلم: دعهم يراقبون ويكتشفون

الموضوع هنا يحتاج إلى لباقة في الكلام، وربما عدم الكلام من الأصل في هذا الموضوع، ولكن يبدأ المؤمن التغيير التدريجي في أسلوب الحياة، في البداية ينبغي أن يروا في المؤمن يسوع، ويكتشفوه في البداية.

أنت قبلت المسيح… دعني أرى المسيح، ومع الوقت ضَع إيمانيات جديدة في الحياة بناءً على اكتشافك للمسيح.

احترس

  1.  أن يكون إيمانك محل مساومة بمعنى ألا تقبل ضغط هذه الفكرة “جاهر بإيمانك وإلا فأنت تُنكر المسيح”.
  2. أن يتعارض مبدأ المجاهرة بالإيمان مع حكمة السلامة الشخصية.
  3. أن يخدعك الضمير بمفاهيم تضرك.
  4. عالما أن دور الروح القدس لك قيادي؛ بمعنى هو مَن يقودك لمتى تُعلن ومتى تُخفي “أمر إيمانك”.

الدور الذي يطلبه منك الكتاب

  • أن تكون صورةً للمسيح ونورًا للناس وملحًا للأرض… أن يكون وجودك فارقًا في مجتمعك… لذلك لا تدخل في اشتباكات وتحديات جانبية، لكن احرص أن يظهر فيك صورة المسيح، ومن يعرف يتأكد أن قبولك للمسيح جعل منك شخصًا جديدًا
  • الابتسامة أفضل من الوجه المتجهم، والسلام الداخلي رغم الظروف يجعل الحياة أبسط، ورغم أن المسيح قال إنه في العالم سيكون ضيق لكن مصدر أماننا أنه يرافقنا في الطريق من البداية إلى النهاية، ومعرفتك لهذه الفكرة ستغير من سلوكك.
  • ليس صدفة وجودك في عائلة مهما كان ظروفها، أنت المصباح الذي وضعه الله لينير هذه العائلة، وهذا المجتمع الصغير الذي تنتمي إليه، لا تغادره بقرار منك، بل احرص أن ينير بك المسيح ذلك المجتمع، فتضم لعائلة المسيح آخرين من مجتمعك.

الخوف من المُقربين

يعتبر “الخوف” من رد فعل المُقربين هو من أصعب المشاعر التي يختبرها المؤمن الجديد، ومن أكثر الأسئلة الشائعة التي تشغل الأذهان هو كيفية التعامل مع الأهل والأحباب وفقًا للمعتقدات الجديدة؛ وبالرغم من الاقتناع التام بالإيمان المسيحي يظل الشخص مترددًا حائرًا فيما يخص أبعاد هذا القرار المحوري وتأثيره على حياته ومحيطه الأسري.

عليك أن تعرف أن “الخوف” مقبول ومُختبر من الجميع؛ ولكن من المفترض، بعد أن آمنت بالمسيح، أن يتغلب عليك الشعور بالأمان والطمأنينة والحب الفائق الذي أفاض به الله عليك، ومن جهتك اختبرت أيضًا تلك الثقة الكاملة والرعاية الشاملة والاهتمام بكل تفاصيل حياتك التي تغيرت على مدار رحلة بحثك ومعرفتك، والدليل الأكيد على ذلك هو التغيير الكامل الذي حدث في أفكارك ومشاعرك وأفعالك وكلامك، والذي أراد لك التغيير سيحفظك وسيعتني بك اليوم وغدًا وإلى الأبد حتى إتمام رسالتك.

وإليك بعض النصائح للتغلب على شعور “الخوف” من رد فعل الأحباب:

1- كن حكيمًا:

عليك أن تعرف أنك مسئول مسئولية كاملة ولك حرية الاختيار فيما يتعلق بعلاقتك مع الأهل والأصدقاء بعد إيمانك، فبالرغم من رعاية الله الكاملة لك إلا أنه ترك لك حرية التصرف فيما يخص تعاملاتك؛ فكن حكيمًا عاقلاً بسيطًا مُحبًا قدر الإمكان، كما يُرشدنا إلى ذلك إنجيل متى بإعطائه الوصفة المتكاملة في كيفية التعامل مع الآخرين، بقوله: “كُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَام” ( متى 10: 16)

2- الصلاة الدائمة:

قد تبدو كلمة “الصلاة” كلمة مُستهلكة بديهية، ولكنها الحل الأمثل لعلاج كافة التحديات التي نواجها في الحياة، لأن الحفاظ على صِلة قوية مستمرة بينك وبين الله لها علاقة مباشرة بالتوازن النفسي ومن ثم الاجتماعي، وسوف يُرشدك “روح الله” – من خلال الصلاة – إلى التصرف الحكيم والفعل اللائق والكلمة الحق، كما يقول إنجيل يوحنا “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي”. (يو10: 27-28)

3لا تتسرع:

لا تتسرع في الافصاح عن إيمانك الجديد لأهلك وأحبابك، ففي حالة الإفصاح توقع حالة من الغضب والاستياء لمن حولك، مما يؤدي إلى مشاحنات أنت في غنى عنها في بداية إيمانك؛ ففي إعلانك للإيمان حديث عن إله مجهول بالنسبة لهم، توقع ألا يفهموك ولن يشعروا بما شعرت به. فقط اهدأ واستشعر حالة السلام الداخلي التي تشعر بها الآن، صلي واقرأ الكتاب المقدس، تعمق في إيمانك وتعقل في فهمك؛ وسوف ينعكس كل ذلك على شخصيتك؛ وستخبرهم بدون كلمات، فقط من خلال التغيير الذي حدث في حياتك سيشعرون بروعة ما حدث، وعندما يحين الوقت ستشهد عن إيمانك بأقوال وكلمات.

4توقف عن انتقادهم

لا تحكم عليهم بأنهم في طريق الهلاك، لا تنتقدهم ولا تسخر منهم؛ عاملهم كما تحب أن يعاملوك، باحترام وتقدير وترك حرية الاختيار، فقط صلي من أجلهم وانتظر حتى يتدخل الله وينير حياتهم كما أنارها لك.

5لا تستخدم مصطلحات غير مألوفة

من المُعتاد أن يميل المؤمن الجديد إلى استخدام بعض المصطلحات الإيمانية الجديدة غير المألوفة لمحيطه، مع التخلي التام للمصطلحات المألوفة لهم والقديمة بالنسبة له، وهذا قد يؤدي إلى حالة من الشك والنفور. لذلك حاول قدر المستطاع التعبير بنفس المصطلحات الشائعة لهم حتى لا تثير الشك والريبة وفي نفس الوقت لكي يفهموك.

6التواجد بين مجموعة من المؤمنين

ليس بالضرورة الذهاب إلى الكنيسة المحلية تجنبًا للتحديات التي قد تواجهها في بلدك أو ربما لا توجد كنائس متاحة في المنطقة التي تعيش فيها، ولكن يمكنك الاجتماع مع مجموعة من المؤمنين سواء في إحدى البيوت أو الأماكن العامة؛ فالمكان حقًا لا يهم لأن الله ينظر إلى القلب، “لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ».” (متى 18: 20). ولكن، التواجد في وسط المؤمنين شيء أساسي ومهم، كما يقول في سفر المزامير “هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!” (مزمور 133: 1)، لما في ذلك من جوانب إيجابية، منها:

حماية لك: حيث وقوف أخوتك بجانبك والصلاة من أجلك، سيساعدك ويُشددك في الإيمان وبالتأكيد ستتعلم منهم ومن الخبرة التي اكتسبوها في حياتهم مع الله ولاسيما لو كانوا من نفس خلفيتك فربما يعطوك بعض النصائح التي قد تتعلم منها كيف تتعامل مع الأهل.

فرصة جيدة: لكي تدرس الكتاب بعمق أكثر وتتلمذ في وسط مجموعة من المؤمنين، مما يساعدك في النمو والإيمان بشكلٍ ملحوظ. كما أنها فرصة جيدة للتعبير عن إيمانك وتتشارك بأفكارك ومشاعرك مع الآخرين، مما يخفف من الضغط من عدم البوح لأهلك عن إيمانك الجديد.

وأخيرُا تذكر!

أنت لست بمفردك، لست الوحيد الذي اختار أن يتبع السيد المسيح، وبالرغم من معرفتك لضريبة هذه التبعية ولكنك اخترت الطريق والحق والحياة الأبدية، لذا تأكد من أن الله لن يهملك ولن يتركك ولديه خطة عظيمة لحياتك، فقط ثق في الله وسوف ترى!

الخوف من المجتمع

في طريق الحياة، كثيرًا ما يضطر المرء الدفاع عن قراراته واختياراته وأحلامه في الحياة بكل شجاعة وبسالة، ولكن، ربما يتسلل إلى الفكر والقلب بعض المخاوف والأوهام كنتاج طبيعي للتغيير والتطوير، أبرزها “الخوف من المجتمع” والمحيط الأسري؛ وهي من أبرز وأهم المشكلات التي لابد وأن يمر بها المؤمن العابر الجديد، هو ذلك الشعور بعدم الأمان والرفض، عدم القدرة على مواجهه المجتمع، وصعوبة التعبير عن النفس بحرية وراحة، والشعور الدائم بحتمية رفض المجتمع له وعدم ترحيبه به نتيجة اختياراته في الحياة.

وفيما يلي سنحاول سرد بعض الحلول النفسية والخطوات العملية، لمواجهة أزمة الخوف من مواجهة المجتمع الرافض للتغيير، مع وضع نية تبديل الخوف بداخلنا إلى قوة كبيرة لإحداث تغيير في المجتمع، وأن نُبدد الخوف والظلام بقوة نور وشفاء وحب للنفس والمجتمع: 

الخطوة الأولى لمواجهة الخوف من المجتمع، تبدأ من الداخل، عليك أن تتذكر دائمًا أن الخوف في الأصل مجرد “فكرة” مرت بعقلك لك أن تصدقها أو ترفضها، قبل أن تتحول إلى “شعور” مُسيطر يقود سلوكك في الحياة. الخوف في الأصل فكرة وهمية هدفها أن تُزحزح سلامك وتُشعرك بعدم الأمان، وعدم الحرية، وأنك ضعيف منفصل عن قوة الله؛ فالحل الأول ارفض شراء فكرة “الخوف”، واثبت في طريق الحق.

الخطوة الثانية لمواجهة “الخوف” هي الثقة في الله تعالى، ففي الأساس هو من وضع بقلبك بذرة الإيمان والرجاء فيه بهدف خلاصك، ووضع خطة مُحكمة لخلاصك وخلاص من حولك، عليك أن تتأكد وتؤمن أنه سيُكمل معك الطريق لحياة أفضل، وتذكر دائمًا أنك لست منفصلا عن الله، وذلك بأن تجعل مبدأ التسليم والتوكل على الله هو منهج حياة تتبعه، ضع كل مخاوفك وسلمها في يد الله واشعر بالراحة والطمأنينة، وفي كل مرة تشعر بالخوف، اطلب من الله قائلاً: “أنا أسلم بين يديك قضية الخوف”.

الخطوة الثالثة اختر دائمًا أن تزرع الحب فستجني حبًا، إن قدمت حُبا ومودة وعطاءً لمن حولك، بهدف خلاصهم وخدمتهم، سيشعرون بتلك الطاقة الرائعة التي شملتك ويتفاعلون معها بحبٍ؛ فالعدو الأول للخوف هو الحب، إن أردت أن تهزم الخوف بداخلك بدله بطاقة حب، فيقول الكتاب في رسالة يوحنا الأولى 4: 18: “لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ”.

 الخطوة الرابعة سلَّح نفسك دائمًا بالعلم والمعرفة؛ لا تقف عند حد معين في طلب الحكمة، بل بدد ظلام الخوف بالمعرفة وانشرها، اقرأ وافهم كل المصطلحات الجديدة التي تمر عليك ودونها، لكي تستطيع التعامل مع المجتمع الجديد وتفهم آراءه بشكل صحيح دون خلط.

سؤال للتفكير: الآن بعد أن عرفت أن الخوف مجرد فكرة يصدرها لنا العقل، علينا أن نرفضها بكل قوة ونثق في ذواتنا ثقة كاملة، وعلينا أن نُعبر عن أنفسنا بثقة ونخرج من شرنقتنا لنُعبر عن روعة الخالق، وأن نثق في الله بالتسليم والتوكل عليه حتى تكون محبة الله والناس هي القائد الأول في رحلة الحياة. الآن فَكِر معي ما الفرق بين الإنسان المحكوم بالخوف في كل أمور الحياة والإنسان المحكوم بمبدأ الحب الإلهي في كل أمور حياته؟

آية للتذكر: “«لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ.” (لوقا 12: 32).

الخوف على نفسي وعائلتي

يُواجه “المؤمن الجديد بالمسيحية” صراعات ومخاوف نفسية وروحية قوية، يفرضها عليه مجتمع، لا يؤمن بحرية الرأي والعقيدة، مجتمع مسجون في أشكال وأنماط محددة للفكر والشكل والرأي، وهنا ينتاب العابر ذلك الشعور بعدم الأمان والرفض، متوقعًا السيناريو الأسوأ، ويظل يُفكر في حياته وأسرته وعائلته وأصدقائه خوفًا من أن يتأذوا بسبب اختياره الحر، ويخرج منهكًا من التفكير بدون حل واضح.

ولحل هذه المعضلة فلنضع “قاعدة ذهبية” بسيطة تنير لنا الطريق وتذيب التعقيد عن الأمور. القاعدة هي، كلما شعرت بالخوف اسأل نفسك: “ما نوع هذا الخوف هل هو “خوف صحي” أم “خوف مَرَضي”؟

هناك نوعان من “الخوف”، الخوف الصحي والخوف المَرَضي، وقد اصطلح الكتاب المقدس على تسمية النوع الأول بـ “مخافة الله”؛ كما ورد في سفر يشوع بن سيراخ: “رأس الحكمة مخافة الله، إنها تولدت في الرحم مع المؤمنين”، ولاحظ أن عبارة “مخافة الله” مساوية – في معناها – لعبارة “محبة الله”؛ بكلمات أخرى، كلما اشتعلت محبة الخالق في قلبك، أحببت ما يجعلك بقربه، وتملكك الخوف من كل المشاعر والأفعال التي تغضبه. بينما “الخوف المَرَضي” خوف مُهلك، يُشير إليه الكتاب المقدس بأن عدوه الأول هو “المحبة” قائلاً في رسالة يوحنا الأولى 4: 18: “المحبة الكَامِلة تَطْرَح الخوف إلى خَارِجٍ”؛ واضعًا المحبة في مقابل الخوف.

وقد جمع الرب يسوع نوعي الخوف في جملة واحدة، وبكلماتٍ صريحة طلب منا ألا نخاف على أنفسنا، وقدم لنا دعوة أن نمتلأ من الخوف الصحي ونرفض الخوف المرضي، كما هو وارد في إنجيل متى، قائلاً: ولا تخافوا من الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الجسد (الخوف المرضي)، ولكن النفسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بالحريِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِر أن يُهْلِكَ النفسَ والجسد كليْهما فِي جَهَنمَ (الخوف الصحي)”. ويؤكد بوعدٍ صريح قائلاً: “وأما أنتم فَحَتَّى شعور رؤوسكم جميعها مُحْصَاةٌ. فلا تَخَافُوا! أنتم أفضل من عَصَافِيرَ كثيرةٍ!”.

وعلينا أن ننتبه أيضًا لخطورة الخوف المرضي على الأسرة لأنه يحيدنا عن طريق الإيمان السليم، ففي إنجيل لوقا الإصحاح التاسع قال أحدهم ليسوع: «أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولا أن أودع الذين في بيتي».” فقال له يسوع: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله»”.

نستخلص مما سبق، أنه على المؤمن الجديد التحلي بـ “مخافة الله” التي تقوده إلى الملكوت، رافضًا القيود الفكرية غير السليمة للمجتمع، رافضًا فكرة الخوف المرضي على نفسه وعلى أسرته، وأن يعلم يقينًا أنها فكرة شيطانية هدفها زعزعة سلامه الداخلي ليرفض مخافة الله في مقابل الأمان الشخصي، وعلى المؤمن الجديد أن يتسلح بسلاح “المحبة” الكاملة لله لمواجه الخوف المرضي ويثق في قدره الله على حمايته ويؤمن أن الله له خطة مُحكمة خالية من المخاطر الوهمية، ولكن ربما نعبر في رحلة حياتنا بتحديات فكرية هدفها ارتقائنا وسلامة وصولنا.

سؤال للتفكير: ربما يُهيأ لنا أننا في خطر وهمي، يجعلنا نحيد عن الطريق السليم الذي وضعه الله لنا منذ البدء، وكنتيجة لمخاوفنا على أنفسنا وعلى من حولنا نترك الخيار السليم، تأمل معي الآن النتائج السلبية للخوف المَرضي على الإنسان؟

آية للتذكر: “«سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.” (يوحنا 14: 27).

الخوف من المستقبل

قليلٌ منه ينفع!

نحن مدينون للخوف بحياتنا… ربما تصدمك أو تفاجئك هذه العبارة. لكنها تحمل شيئًا من الحقيقة. ولكي نكتشف هذا نتعرف أولًا على معنى الخوف ومصدر الشعور به. ينتج الخوف عن شعورنا بالخطر أو التهديد مما ينتج بعض الأعراض في الجسم كالتجمد أو الهروب… والهدف من هذا السلوك حماية النفس من أي أخطار قائمة أو محتملة. ليس هذا فحسب، فالخوف أيضًا ربما يساعدك على الإنجاز؛ فقبل خوض امتحان أو التعرض لموقف صعب، يشعر الإنسان ببعض الخوف الذي يحفزه ليصنع أفضل ما لديه.

ومن أحد أهم أسباب الخوف لدى الإنسان هو المستقبل؛ فالإنسان عادةً يخاف من المجهول، خاصة لو كانت الظروف الحاضرة تنبئ بخسائر أو مخاطر. فعندما تعرض العالم كله لتداعيات جائحة كورونا، عام 2020، فقد الكثيرون وظائفهم، وأصحابهم وأحباءهم، وأصيب كثيرون أيضًا، كان الخوف من الغد هو عنوان هذه المرحلة. ومع اشتعال أزمات الحرب الروسية الأوكرانية في مارس 2022، وما تلاه من أزمات اقتصادية دولية، ومخاوف من حدوث أزمة في الغذاء، شعر كثيرون أيضًا بالخوف من المستقبل.

نوعان من الخوف

عند هذه النقطة، دعني أفرِّق بين نوعين من الخوف؛ النوع الأول هو نوع طبيعي وصحي أيضًا، أو يُسمَّى الخوف المنطقي، فمن الطبيعي أن أشعر بالخطر إذا رأيت العديد من الأشخاص من حولي يفقدون وظائفهم، أو يُصابون بعدوى، ويكون هذا الخوف مفيدًا عندما أفكر فيه بشكل منطقي لأحلل النتائج، وأتوقع الخسائر المحتملة، وأدرس كيفية تجاوزها… أما عن النوع الثاني، فهو نوع قهري من الخوف، يشل تفكير الإنسان ويعمي عينيه عن رؤية الفرص المتاحة أو الحلول الممكنة، وربما يصيب الشخص بنوبات من الهلع والقلق، ويمتد تأثيره السلبي ليؤذي الصحة العامة للجسد. الفارق الأساسي بين نوعي الخوف هو أن الخوف الطبيعي ينتهي بانتهاء أسبابه، بينما الخوف المرضي والقهري لا ينتهي حتى لو زالت أسبابه.

كيف يرى الكتاب المقدس الخوف من المستقبل؟   

 عادةً عندما يصنع الإنسانُ شيئًا ما -سيارة مثلًا أو جهازًا كهربائيًّا- يكون مدركًا لكافة تفاصيله، وكيفية الحفاظ عليه وما إلى ذلك، وهكذا الله، الذي خلقنا، نحن خليقة الله، أي هو صنع كل شيء بداخلنا، المشاعر والهرمونات وأعضاء الجسم كلها، لذا فهو يعرف ما يشعر به الإنسان، ويعرف جيدًا أن الإنسان لديه مخاوف، فالله هو العالم بكل شيء.

لهذا السبب، تعامل الكتاب المقدس مع مشاعر الخوف في كافة المواقف ومختلف الأسفار؛ وهو يتعامل بمنطق يحترم عقل الإنسان، ومشاعره. فكثيرًا ما وردت عبارة “لا تخف…”، أو “لا تخافوا…”، بمختلف صيغها في الكتاب المقدس. لكن الملاحظ أن في أغلب المرات التي قال فيها الله لإنسان ما لا تخف، كان يلحقها بسبب منطقي يطمئن الإنسان، مثل لأني معك، لأني حفظتك… وما إلى ذلك؛ لننظر مثلًا لما قاله السيد المسيح بشأن الخوف من المستقبل في إنجيل متى الإصحاح السادس، الآيات من 25 وحتى 28: “«لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ.

لا يدعو السيد المسيح هنا إلى التواكل أو عدم بذل المجهود، بل على العكس، هو يبعث الشعور بالاطمئنان والسلام الذي يمكِّن الإنسان من الإنتاج والإبداع. لهذا، يمكن تلخيص الرسالة الأساسية للكتاب المقدس في موضوع الخوف فيما يلي: “اعمل ما عليك، ودع الله يكون الله، وبهذا لا تخف من المستقبل”.

ابتسامتُك تصنع فرْقا!

فى هذه المقالة نتكلم عن المحور الثالث من علاقات المؤمن الجَديد، وهو العلاقات مع إخوته المؤمنين الجُدد، فعاجلا أو آجلا، سيتقابل معهم، سواء بترتيب، أو حتى بالصدفة البحتة، وربما يكون متشوقا لرؤيتهم؛ وليطمئن أنه ليس بمفرده في الطريق الصعب، وربما يكون متوجسا بالمخاوف، وهل اختبار هؤلاء المؤمنين حقيقى أم لا، أو ربما هو مجرد مشاعر خاصة به، عامةً مهما كانت طبيعة شخصية هذا المؤمن، ومدى اختباره ومدته؛ فهذه بعضُ توصيات من خلال خبرات واقعية، وما هى إلا إشارات سواء تششجيعية أو تحذيرية تحميه وتسهل عليه إقامة علاقات ناجحة معهم، تمنع ظهور مشكلات جديدة لا حاجة لها على الإطلاق:

  • تشجع لمقابلة المؤمنين الجُدد، ربما ابتسامتك الصادقة المحبة تمنحهم السلام والاطمئنان لعمل الله فيهم، وتعطيهم الأمل في إمكانية عودة الكثيرين للحق.
  • كن بسيطا واضحا تلقائيا ولا تتصنع شخصية غير شخصيتك.
  • إذا طُلب منك ذلك شارك باختبارك وكم صنع الله معك.
  • لا تتسرع لمعرفة كل تفاصيل حياتهم ولا تقتحم خصوصياتهم.
  • لا تتسرع في إعطائهم رقم تليفونك أو عنوانك أو حتى الفيسبوك الخاص بك، ولا تطلبه منهم.
  • لا تقصر العلاقات معهم فقط وتترك العلاقات مع المسيحيين المؤمنين، فكلنا جسد واحد نحتاج لبعضنا بعضا.
  • لو كانت لديك خبرة أكثر من غيرك من المؤمنين الجُددأو سبقتهم بوقت لا تجعلهم يشعرون بأى كبرياء أو تفاخر في معلوماتك، ولا تفرض عليهم كنيسة معينة، بل عرفهم أنهم ملك المسيح نفسه، وهو الذى يقودهم للمراعى الخصبة ولجداول المياه.
  • ولو كنت مؤمنا جديدا ركز على المسيح وتعلق به، وتكلم معه باستمرار؛ ليفتح لك الباب لكنيسة مناسبة ومجموعة روحانية تبنيك وتسندك وتُعطيك تعليما يشبعك.
  • ربما تكون مقابلتك لمؤمن جديد آخر ترتيبا إلهيا لتسندوا بعضكم بعضا في الطريق؛ فلا تُجهض الفرصة وعامله بقداسة ولطف خصوصا لو من الجنس الآخر.
  • مهم جدا أن يكون لك مرشد روحي مسيحى الأصل تقي خبير متخصص؛ لتستشيره في أية مشكلة أو موضوع يخص علاقتك بإخوتك العابرين، ربما يحميك من مخاطر عديدة، وربما يوفر عليك مشقات كثيرة، وربما يوفر لكم فرصا عديدة للنمو في الحياة مع المسيح.
  • لا تستغل أحدا من إخوتك العابرين ولا تسمح لأحد بأن يستغلك؛ فالمسيح دفع فيكم ثمنا غاليا جدا ومن يؤذى قطيع المسيح يعرض نفسه لدينونة المسيح شخصيا.
  • أساس المسيحية هو الحب العامل والباذل وهو علامة المسيحيين وبدونه لا توجد مسيحية؛ فاجعل الحب المسيحى النقى هو دافعك للعلاقة مع إخوتك، وهو طريقك في التعامل معهم، وهو عملك الظاهر في خدمتهم.
  • راعِ بشدة مشاعر إخوتك العابرين فحساسيتهم شديدة جدا، ولا تنسَ اختلاف الشخصيات والخلفيات الثقافية والتعليمية والبيئية والمادية، إذ قد تجرح كلماتك أو تصرفاتك الآخرين، ولا تنسَ أن الشيطان يسعى دائما لتخريب العلاقات.
  • كل مؤمن له قصة مختلفة، واختبار مختلف، وله خطة إلهية لحياته، بالطبع مختلفة، فلا تضع نفسك مكان الله، وتتدخل فيما لا يخصك، لكن صلوا معا دائما؛ لمعرفة مشيئة الله لحياتكم.

مؤمن جديد .. واستايل جديد!

سبق أن تناولنا في المقالة الماضية نُبذةً سريعة عن الطريقة التي على “المؤمن الجديد” أن يتعامل بها مع مجتمعه ودوائره ومحيطه السابق، أي مجتمع ما قبل إيمانه بالسيد المسيح.

هنا سيجد “المؤمن الجديد” نفسه أمام تحدٍّ آخر لا يقل صعوبةً عن تحدي تعامُله مع مجتمع “ما قبل الإيمان” ألا وهو المجتمع الجديد “المجتمع المسيحي”.

مشاعر مختلطة .. ما بين الفرح والحذر

يشتاق “المؤمن الجديد” كثيرا للمجتمع الكنسي، يشتاق وبشدةٍ أكثر وأكبر أن ينضم لكنيسةٍ محلية، أو إخوة مؤمنين، يشتاق لأجواء من العبادة والتسبيح، أجواء من الشركة مع إخوة مسيحيين، أو إخوة من نفس خلفيته وظروفه.

هنا نجد أن “بعض” المؤمنين الجُدد تُتاح لهم تلك الفرصة، وهي فرصة غير شائعة الحدوث لدى الأغلبية بسبب ظروف شرقنا الأوسط، لكن مَن تتسنى له هذه الفرصة يمر بمشاعرَ مُختلَطة متقلبة كثيرة.

فللوهلة الأولى من دخوله كنيسة محلية، يخالطه هذا المزيج من الفرح العارم أنه دخل بيت الرب، وأن صار بإمكانه أن يتعبد مثل باقي المسيحيين، وشعوره بالخوف والرهبة.

خوف من أن ينكشف أمره لأي سبب. ورهبة من إحساسه بعدم قدرته على التعامل أو التواصل أو الاندماج مع هذا العالم الجديد الغريب عليه.

يختلط ويتضارب لديه وعليه رغبته في الانطلاق وسط هذا التجمع والوسط والتعرف على الجميع ومشاركتهم باختباره، وخوفه من عدم قبوله أو تقبُّله أو خطورة لو تعرف عليه أحد.

هنا يتحتم علينا أن نُقدم ونُسدي بعضَ النصائح والاقتراحات لـ”إخوتنا المؤمنين الجُدد”!

  1. الحيطة والحذر

يتوجب على “المؤمن الجديد” أن يتحلى بالحكمة والقدرة على ضبط مشاعره وانفعالاته كما سبق وأوضحنا في المقالة السابقة، فيكون حكيما حريصا منضبطا في كل كلمة تخرج منه في بداية تعرفه وتواصله مع هذا المجتمع الجديد، لأن كلماته قد تجعل المحيطين إما يخشون منه أو يطمأنون إليه وينفتحون عليه لأن المجتمع الجديد (الكنسي) أيضا تكون لديه مخاوف في البداية من “المؤمنين الجُدد”.

  • عدم التسرُّع والاندفاع

عندا يبدأ “المؤمن الجديد” في الشعور بالارتياح والاطمئنان وسط المجتمع الجديد “الكنسي” قد يريد بكل حماسة واندفاع أحيانا أن يتشارك مع الجميع باختباره وكل تفاصيله وأحيانا خصوصياته وأسراره، وقد يكون سعيدا جدا جدا بتعرُّفه على أشخاصٍ جُدد فينفتح على الجميع مرةً واحدة بنفس المقدار والاندفاع والحماسة والفرح، هذا على قدر ما هو رائع على قدر ما يُفقد “المؤمن الجديد” بعض خصوصياته وأسراره وقد يجعل حكايته تنتنشر كانتشار النار في الهشيم ما قد يجعل أمر إيمانه معروفا أو مُتداولا وهذا ليس في خير أو مصلحة “المؤمن الجديد”.

  • اكتشاف الآخر

على “المؤمن الجديد” أيضا كما أشرنا ونوَّهنا في المقالة السابقة أن يتعلم عن الآخر يتعلم عن لغته وثقافته وخلفياته، لا يحاول أن يصطنع لغةً مسيحية ليتقرب من المسيحيين لكن أن يبدأ في الدخول إلى الروح المسيحية من حيث الوداعة والمحبة واللغة الإيجابية المشجعة وكلمات الإيمان التي يتعلمها ويكتسبها من كلمة الله والتعليم الكتابي الذي يستمع إليه.

أن يبدأ في تشرُّب الروح والمباديء المسيحية من صدق وأمانة وسماحة واستقامة وجدية ومحبة للجميع وهدوء وغفران، فالقلب يُقرَأ، فأي تغيير داخلي ينتج عنه “سلوك خارجي” يستطيع أن يلمسه ويتفاعل مع المجتمع الكنسي، وكلما لمس ووجد عضو المجتمع الكنسي من أخيه “المؤمن الجديد” لغةً وروحا وأرضية مشتركة على مستوى الفكر واللغة والقلب والروح والتغيير، وجد بيئةً خصبة تتيح التواصل السهل السلس المريح البنَّاء الفعَّال.

  • إرسال رسائل طمأنينة لهذا المجتمع

على قدر ما يفرح المجتمع المسيحي باي “مؤمن جديد”، على قدر ما كثيرا يخشى – على الأقل في البداية – من هذا المؤمن، قد يخشى ألا يكون حقيقيا أو أن يكون مدسوسا أو يخشى من حدوث مشكلات، هنا على “المؤمن الجديد” أن يرسل ويبعث بـ”رسائل طمأنينة” تبث في نفوس أعضاء المجتمع الكنسي الراحة والارتياح تجاهه، كأن يتعامل بحرص وعدم اندفاع أن يجد في سلوكياته روح المحبة الكنسية ووداعتها أن يجد فيه قلة الكلام والثرثرة أو القيل والقال أن يطمأن أن قلبه تلامس فعلا مع نور الحق الإلهي أن يجده يتواصل معه بلغة مفهومة مشتركة. هذا كله من شأنه أن يُطمئن المجتمع الجديد لهذا العضو الوافد الجديد ويجعل التعامل معه مريحا لا يحمل كُلفةً أو عناء.

  • الحرص من الغرور والكبرياء

يفرح كثيرا المجتمع الكنسي بأي “مؤمن جديد” وينهال عليه بكلمات البركة والإعجاب والامتداح والإطراء والثناء والروعة لا سيما لو تشارَك “المؤمن الجديد” باختباره على الملأ، ذلك في الوقت الذي يكون فيه “المؤمن الجديد” في أمَس الاحتياج لكلمات التشجيع والمدح والتعضيد بسبب ما يمر به من تحديات وعالم ومجتمع جديد، فيُصاب أحيانا هذا “المؤمن” بشيء من التفاخر أو التعالي أو التكبر وإحساس النشوى أو أنه “بطل خارق” أو “قديس عظيم” ما يعوق إيمانه عن النمو في هذه الفترة الخاصة جدا من بداية إيمانه، لهذا الحذر مطلوب في كل وجميع التحركات والتصرفات بل أيضا ردودات الأفعال.

ختاما.. سنتطرق في المقالة القادمة لكيفية تعامُل “المؤمن الجديد” مع مجتمع “الإخوة المؤمنين الجُدد” الذي هم من نفس خلفيته وظروفه. فلكل مجتمع طبيعته الخاصة وطريقة التعامل السليمة الحكيمة معه.

مُجتمَع جديد .. فِكر جَديد!

عادةً ما يُصاحِب التغيير ألم ومخاوف، ولأن الانسلاخ من أمورٍ نشأنا وتربينا ونمينا عليها ليس بالأمر السهل، قد تطول مدة اتخاذ قرار التغيير، ناهيك عن أن مثل هذه القرارت، دائما ما تعقبها فترة – أكذب عليك عزيزي لو قلتُ إنها قصيرة- فترة من الصراعات والتردد والتشككات، والأفكار التي قد تدعوني للعودة إلى مِنطقة ما قبل القرار.

هذا يواجهه المَرء، على كافة المستويات والأصعدة، فنراه يواجهه لو انتقل أو تحوَّل من فكِر لفكر، من مجتمع لاخر، من بلدٍ لآخر، من عملٍ لآخر، من صداقات عَلاقات شراكات، توجهات سياسية، تحولات اجتماعية أو طبقية، نراه حتى لو انتقل من تشجيع نادٍ لنادٍ آخر.

هذا كله يكون في بدايته صعبا على المرء متخذ القرار، بل والمحيطين به وأحبائه ومن هم في نفس دائرته أو دوائره. صعبٌ من حيث التعود والتكيُّف والتمرُّن على حياة جديد واستايل حياتي وفكري ونمطي جديد.

لكن إن كان هذا صعبا على المستويات الدنيوية والحيايتية.. كم وكم لو كان هذا على المستوى الديني أو الروحي. وهذا هو “لُب” حديثنا في هذه السلسلة من المقالات، التي سنتحدث فيها بشيء من التفصيل المبسط عما يمر به الإنسان الذي يتخذ أصعب قرارت حياته بالتحول من اتجاه ديني لاتجاهٍ آخر، بالأخص في مجتمعاتنا الشرقية المعروف عنها تدينها الشديد، وتشددها في التعامل مع الآخر ومع الاختلاف عامةً.

هنا نواجه مشكلة أخرى وهي معلوماتي عن الآخر..!

وهذه ثقافة شِبه منعدمة لدى الشرقيين، فتجد الواحد مِنا يستقي ويستقبل ويتلقى معلوماته عن الآخر لا من الآخر نفسه بل من المختلف مع هذا الآخر. فتجد المسيحي يتخذ كل معلوماته عن غير المسيحي من شخص مسيحي، وتجد غير المسيحي يتخذ كل معلوماته عن المسيحي من شخص غير مسيحي، بالتالي لا ألتمس ثقافتي عن الآخر من الآخر نفسه بل من أبناء جلدتي ونفس انتمائي وثقافي؛ بالتالي سيشوبها الكثير جدا من المغالطات والمبالغات والتشويه والتقليل المُتعدَّد أو غير المتعمَّد.

هذا كله يجعل قرار التغيير أصعب من الصعوبة، والأشد قسوة هو تبعات ما بسنُلقيعد التغيير.

لا سيما التغيير على المستوى الديني، لأن من يتخذ قرارا باعتناق الإيمان المسيحي سيتحتم عليه أن يواجه مجتمعاتٍ ثلاثة، مجتمعه السابق الذي تحول منه وعنه، والمجتمع المسيحي الحالي، ومجتمع من هم مثله أي حديثي الانضمام للإيمان المسيحي “مجتمع العابرين”.

هنا سنُلقي نظرةً سريعة على كيفية تعامل “حديث الانضمام للمسيحية” مع مجتمعه السابق.

ببساطة سيتحتم على “المؤمن الجديد” التعامُل من خلال محاورَ ثلاثة هامة قد نوجزها في:

  1. الحكمة والحذر:

من الحكمة بمكان أن يلتزم “المؤمن الجديد” بثبات انفعالي وهدوء داخلي، لأنه في هذه المرحلة، أي مرحلة ما بعد الإيمان مباشرةً يكون في حالة من النشوى والفرح والحماس والاندفاع والرغبة العارمة في مشاركة الجميع بإيمانه الجديد، وبالتغيير المذهل الذي حدث في حياته، والمعجزات التي قد يكون اختبرها واختباره الرائع لمحبة الرب يسوع.

هنا يتحتم عليه، أي “المؤمن الجديد” أن يحتفظ بكل هذه المشاعر بداخله، ويكتفي بالتعبير عنها داخليا وبينه وبين الرب، على ألا يُظهر أي تغيير في لغته أو مظهره أو تفاعلاته أو تعاملاته أو كلماته أو عاداته أمام مجتمعه السابق، فليس من الحكمة في هذا التوقيت البوح والإفصاح وهذا ليس مطلوبا، ولا هو ضد الإيمان في شيء.

بل قد يستطيع الاستمرار كما هو في عباداته وممارساته لكن مخاطبا الله داخليا باللغة الجديدة التي ملأت قلبه وعقله وذهنه.

  • مهارات التواصل والذكاء الاجتماعي:

هنا أيضا لا بد أن يتحلى الإنسان بمجموعة من مهارات التواصل التي يكتسبها الإنسان من الخبرات الحياتية والقراءة والتعلم والاختلاط بالمجتمع والناس والتحديات، تلك  المهارات التي تُمكنه من بناء جسور من التواصل مع الجميع، المختلفين معه قبل المتفقين، بحيث يستطيع أن يتحدث مع كل شخص باللغة التي يفهمها، وتُقرب المسافات بينهما، لا بلغة غير مفهومة أو مستفزة أو مثيرة للتساؤلات وهذا جزءٌ أصيل من الحكمة.

إن أبسط مقومات الذكاء الاجتماعي هي قدرة الشخص على التحكم في عواطفه وانفعالاته وقدرته على كسب مختلف الأطياف وإقامة علاقة معهم قائمة على المشتركات والود والقبول والاحترام المتبادل واللغة الوسطية التي تتيح للطرفين التفاهم والاشتراك والاختلاف حتى بهدوء وسلام.

وهذا يحتاجه كثيرا جدا “المؤمن الجديد” لأن مجتمعه السابق لن يقبل باي شكل من الأشكال حقيقة انتقاله من قناعة دينية لقناعة جديدة، وليس مطلوبا من “المؤمن الجديد” أن يهجر أهله وعائله وأصدقاءه ومعارفه، بل أن يقدم لهم أسمى درجات محبة وقبول الرب لهم. وهذه رسالة هامة جدا علينا تحمُّل مسؤوليتها بنضوج ورجولة.

  • المحبة والوداعة:

وهما أبسط وأهم وأعمق وأغلى ما على “المؤمن الجديد” أن يقدمه لـ”أترابه وأنسبائه وأحبائه وعائلته وإخوته” ومجتمعه السابق. فالمحبة تُذيب القلب وتبرز محبة الله وحنوه ورحمته وصلاحه ووداعته وسماحته، وتفتح طريقا رائعا للعلاقات والصداقة والسند والمعونة، بل تفتح ممرا جميلا من الثقة والراحة والارتياح لدى الآخر، وتكون شهادة جميلة عن التغيير العميق الذي أصاب قلوبنا بسهمٍ من النور الإلهي.

إذن الحكمة والتواصل الجيد والمحبة، هم أجمل وسائل وأسلحة يمكن بها لـ”المؤمن الجديد” أن يظل محتفظا بعلاقته الجيدة مع مجتمعه السابق، دون إثارة للغضب، أو إدخال نفسه في نفق من الصراعات والخطر، ما يقوده لحياة هادئة مطمئنة، بها سلام وراحة وأمان، واستمتاع بالحياة الجديدة.

سنتناول في المقالتين القادمتين كيفية تعامل “المؤمن الجديد” مع المجتمع المسيحي ومع مجتمع من هم مثله.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع