الإيمان هو مجرد وهم. أنا لا أؤمن بالله أكثر من إيماني بأرنب الفصح، وسانتا كلوز!
هذه المعتقدات اشتهرت من خلال أشخاص مثل البروفيسور ريتشارد دوكينز. الشيء الوحيد الذي تقدمه هذه الإدعاءات هو الاستهزاء لا غير.
هذه العبارات لا تثبت أي شيء. فهي قابلة للنقض. وراء كل هذه الادعاءات الوهمية تكمن فكرة فرويد بتحقيق الرغبات (أي إننا نؤمن بما نرغب أن يكون حقيقيا). وهذه الادعاءات كلها أمثلة براقة بحالة عدم وجود الله. ولكن فكرة فرويد سيف ذو حدين، لأنه إن كان الله موجودًا، عندها يكون الإلحاد هو الرغبة التي تسعى للتحقق.
2. المسيحية تدعي أنها حقيقية في حين أنها تحوي العديد من الطوائف التي لا توافق بعضها، لذا فمن المؤكد أنها على خطأ.
لماذا يعني وجود عدة طوائف أن المسيحية على خطأ؟ أليس من الممكن أن يعني هذا أن المسيحيين لديهم شخصيات وثقافات مختلفة جدا – أو قد يعني أن المسيحيين لا يجيدون التأقلم معا- لكن ليس بالضرورة أن المسيحية على خطأ. هناك أنواع مختلفة من الفرق التي تلعب كرة القدم، ولكنها جميعًا تلعب كرة القدم!
3. الكتاب المقدس غير أخلاقي:
إذا كنت ترغب في التشكيك في أخلاقيات الكتاب المقدس، على أي أساس أخلاقي تعتمد؟ قد تكون هنالك تناقضات شديدة وسط معتقدات الملحدين، الذين قال أحدُهم “في الكون المُكوَّن من الإلكترونات والجينات الأنانية، القوى الفيزيائية العمياء والتناسخ الجيني، بعض الناس سوف يتعرضون للأذى، وآخرون سيحالفهم الحظ، وأنت لن تجد أي توازن أو سبب لذلك، ولا حتى عدالة. الكون الذي نعاينه يحتوي على الخصائص التي ينبغي لنا أن نتوقعها إذا كان هناك، بالنهاية ، لا تصميم، لاهدف، لا شر، لا خير، لا شيء سوى اللامبالاة القاسية“.
إن كان هذا صحيحا، فلماذا يشكك البعض في أخلاقيات أي شيء (ليس فقط الكتاب المقدس)، فعندما يقول غير المؤمن بوجود الله إن “الإيمان هو شر”، هو يلغي في الوقت نفسه تعريف الخير والشر، وهذا غير منطقي.
4. من المؤكد أنك لا تعتبر الكتاب المقدس حرفيا؟
بعض الملحدين (وبعض المؤمنين أيضا) يفسرون الكتاب المقدس من وجهة نظر (أبيض أو أسود) بمعنى أنك إما أن تأخذه “حرفيا” أو ترميه بسلة النفايات. ويعتقدون أن هذا يلغي حقيقة اللغة وكيف أنها تعكس الحق.
”يسوع قال: “أنا هو الباب“، فهل المسيح هو باب حَرفي كما ذَكر الإنجيل؟ لا هو ليس بابًا بالمعنى الحرفي لكنه بالفعل الباب الحقيقي الذي من خلاله تعيش اختبارًا حقيقيا مع الله. التشبيه هنا يدل على الواقع. كلمة ‘حرفيا‘ هنا عديمة الفائدة.
5. ما الدليل على وجود الله؟
يمكنك أن تبحث وتناقش في وجود الله مطولا، فالموضوع شيق جدا، خاصة عند الدخول في التفاصيل واستكشاف الموضوع الى العمق. لكن بالنسبة للملحد، قد يناقش في عدة أمور حول الموضوع فيتجنب القضية الحقيقية. هنا عليهم التركيز على السؤال الأهم:
“لنفرض أنني أستطيع إعطاءك أدلة على وجود الله، هل ستكون مستعدا للتوبة والإيمان بالمسيح؟”
ادعاءت سريعة .. وردود أسرع! ج1
لست مضطرًا أن تقرأ مئات الكتب قبل أن تجادل شخصًا ر يؤمن بوجود الله. في بعض الأحيان قد تكون ادعاءات الملحدين بسيطة، ويمكن الإجابة عليها بسرعة. وإليك بعض الأجوبة عن الأسئلة والادعاءات الإلحادية الشائعة:
أنت لا تؤمن بزويس، والألهة الاخرى، أنا فقط لا أؤمن بإله إضافي عنك، وأرفض إله المسيحيين:
المشكلة في هذا الإدعاء أن “الآلهة”، مثل زويس وثور، تتعارض مع المفهوم الكتابي لـ“الله”، فثمة فرق شاسع بين كل الآلهة الشرقية القديمة وإله الكتاب المقدس.
وعن هذا، قال أحد الباحثين: “تلك الآلهة هي منتوج الكتلة البدائية والطاقة الكونية. إله الانجيل هو خالق السماوات والأرض”.
2. العلم فسر كل شيء. ولا وجود لله في هذا التفسير:
لا يستطيع العلم الإجابة على أنواع أسئلة معينة مثل : “ما هو الأخلاقي؟”، “ما هو الجميل؟”. حتى في الأسئلة التي تختص بالعالم الطبيعي، التي يبحث فيها العلم، قد تتواجد هنالك تفسيرات مختلفة.
الله لا يتبارز مع العلم على تفسير وجود الكون، تمامًا كما لا يتبارز هنري فورد مع قوانين الاحتراق الفيزيائية على وجود السيارة.
3. العلم يعارض وجود الله:
هناك مفاهيم معينة لكلمة “الله” التي قد تكون عكس العلم، ولكنه ليس مفهوم الله الذي يؤمن به المسيحيون. قد يكون هناك أنواع معينة من “الآلهة” التي اختُرعت لشرح الأمور غير المفهومة للبشر، لكنهم بالتأكيد غير مسيحيين.
“اذا عُرضَ علينا الاختيار بين العلم والله نستنتج حالا أنهم يتكلمون عن مفهوم غيرمسيحي لله”، وقال البرفيسور جون لينكس: “إله الكتاب المقدس هو ليس إله الفجوات، بل إله كل الكون. سواء كنا نفهم عنه القليل (من خلال العلم) أو سواء ما زالت بعض الأمور غير مفهومة، فعندما ندقق بأفكار كبار المفكرين، نلاحظ أن أفكارهم عن الله هي أفكار وثنية. إذا عرَّفت الله أنه إله الفجوات، عندها عليك أن تختار بين هذا الإله (إله الفجوات) والعلم”.
4. لا تستطيع إثبات وجود الله:
هذا الادعاء يتجاهل أن للإثباتات أنواعا. فعندما سُئل أحد العلماء “هل تستطيع إثبات وجود الله؟”، أجاب “من الناحية الرياضية، لا. لكن إثبات أي شيء. قد يكون الأمر صعبًا جدا أيضًا. كلمة إثبات لها معنيان. هناك المعنى الدقيق للكلمة، مثلا في الرياضيات وهو صعب جدا أن يثبت ونادر. ولكن هناك المعنى الثاني بالمفهوم القضائي وهو “ما بعد الشك المنطقي” (beyond reasonable doubt). هذا هو نوع من “الدلائل” الذي يمكننا تقديمه: الحجج المنطقية التي تأتي بالشخص لمنطقة لا يُترَك بها مجال للشك المعقول. مثلًا، الجدالات العقلانية لبعض الفلاسفة مثل الفين بلانتينغا ووليم لاين كريغ، التجربة الشخصية للمسيحيين وشهادة الأناجيل في الكتاب المقدس”.
5. الإيمان هو التصديق بشيء بدون وجود دليل:
لم يتأسس الإيمان المسيحي أبدًا على عدم وجود دليل: فقد كُتبت الأناجيل لتوفر لنا الدليل الكافي، كما يشهد لنا لوقا. وكذلك في نهاية إنجيل يوحنا مكتوب: “وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه” (يوحنا 31:20)
لكن التصديق بدون دليل هو مفهوم شائع “للإيمان” في الوقت الحاضر. “هذا التعريف مذكور في القاموس والكثير يؤمنون به”، لهذا، عندما نتحدث عن الإيمان بالمسيح، يعتقدون أنه لا يوجد أي دليل. لكن المسيحية هي إيمان قائم على أدلة (إنجيل يوحنا يثبت ذلك).
الإلحاد: تاريخه.. أسبابُه! ج3
استكمالا للأسباب التي أوردناها في المقالتين السابقتين، عن تاريخ الإلحاد وأسباب ظهوره، نُورد في هذه المقالة سببين آخرين.
5. مشكلة الشر “الكوارث والحروب والعقاب الأبدي” :
من مقولات أبيقور المأثورة والتي سوف تجد أن أغلب الملحدين يتكلمون بها، “هل يريد الله أن يمنع الشر، لكنه لا يقدر؟ حينئذ هو ليس كلى القدرة؟! هل يقدر، لكنه لا يريد؟ حينئذ هو شرير؟! هل يقدر ويريد؟! فمن أين يأتى الشر إذن؟! هل هو لا يقدر ولا يريد؟! فلماذا نطلق عليه الله إذن؟!”.
هذه المقولة قد تحدد سؤال أغلب الملحدين عن مشكلة الشر الموجودة والمعروفة والظاهرة للكل. حقًا إن الله كلي الصلاح وكلي القدرة، وقد حدَّد وقتًا للدينونة، فيه تُخمد الشرور إلى الأبد وتبدأ الحياة الملائكية السعيدة بلا حسد من إبليس ولا محاربات من العالم والجسد، أما الذين يطالبون الله أن يقضي على الشر الآن، فإنهم لا يدركون ماذا يقولون.. تصوَّر يا صديقي أن الله قرَّر في هذه اللحظة القضاء على الشر وعلى جميع الأشرار، تُرى من ينجو من هذه الدينونة..؟!
إن الله يطيل أناته علينا، فلعل الذي يخطى الآن يتوب بعد الآن، ولعل شرير اليوم يمسى قديس الغد، فهذا ما يلتمسه الله منا “إني لا أسرُّ بموت الشرير، بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا. أرجعوا أرجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يابيت إسرائيل” (حزقيال 33: 11).
وهو لا يشاء أن يهلك أُناس. بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. حقًا إن الإنسان الذي ينظر للأمور بمعرفة روحية يستريح، ومهما تزايدت الكوارث فإن هذا لا يمنع عنه الفرح بالرب، مثلما قال حبقوق النبي “فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعامًا ينقطع الغنم عن الحظيرة ولا بقر في المزود. فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي” (حبقوق 3: 17، 18).
أما عن العذاب الأبدي فالله لم يعده قط للإنسان، إنما أعده للشيطان وكل جنوده “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته” (متى 25: 41)، والذي تمسك بالشر فإن شره يقوده لهذا العذاب الأبدي، وما أجمل قول أحد الآباء: “إن الله لن يدين الإنسان على خطيته، إنما سيدينه على عدم توبته”.
ويقول “بول ليتل”: “عندما يسأل شخص: كيف يرسل الله الصالح الناس إلى الجحيم؟ هنا يجب أن نشير بأن الله لا يرسل أحدًا إلى الجحيم، نحن نُلقي بأنفسنا. الله صنع كل ما هو ضروري لنا لكي ننال الغفران والفداء والتبرير، ولكي نكون جاهزين للحياة معه في السماء. وكل ما تبقى هو فقط أن نستقبل هذه العطية. أما لو رفضنا نعمته فلن يكون لدى الله خيار آخر، إلاَّ أن يتمم اختيارنا، فبالنسبة للشخص الذي لا يريد أن يكون مع الله، فإن حتى السماء نفسها لن تكون سوى الجحيم بعينه”.
6- الخلط بين المسيحية والشيوعية:
في البداية أخذت الشيوعية بعض سمات المسيحية مثل:
أ – الشعار السوفيتي الشيوعي (إن كان أحد لا يعمل فلا يأكل أيضًا”، مقتبسا مما ورد في رسالة معلمنا بولس الرسول الثانية لأهل تسالونيكي “إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا” (تسالونيكي الثانية 3: 10) مع الفارق، لأن النص يوضح “إن كان لا يريد”، أي إنه يملك إمكانية العمل، ولكنه لا يريد أن يعمل، فلا يأكل. أما الشيوعية فقد رفضت كل من لا يعمل مهما كانت حالته الصحية لا تسمح بالعمل، وهذا هو فكر “القس توماس مالثوس”، الذي أوصى بعدم مساعدة الفقراء والضعفاء على الحياة، بل يجب أن ينتهوا من الوجود، وهذه النتيجة التي وصل إليها “هتلر” إذ نفذ برنامج “القتل الرحيم” فقتل أطفال ألمانيا المعوَقين، وكان ينوي أن يقتل البالغين منهم أيضًا.
ب- أخذت الاشتراكية الشيوعية من المسيحية حياة الشركة في الكنيسة الأولى، والملكية العامة، فجاء في سفر الأعمال “وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئًا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركًا.. لم يكن فيهم أحد محتاجًا لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات. ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يُوزَّع على كل واحد كما يكون له احتياج” (أعمال الرسل 4: 32 – 35)؛ فهكذا كانت تسعى الاشتراكية الشيوعية للحياة الفضلى المثالية التي يتساوى فيها الجميع، ولكن شتان بين المسيحية التي قامت على أساس الحب والبذل والتضحية، فكل من أراد أن يضحي بممتلكاته ضحى بها بطيب خاطر بدون إجبار من أحد، أما الاشتراكية الروسية فقد قامت على الإجبار والقمع والتعذيب والاضطهاد.
7. أخطاء بعض الافراد أو المسؤليين داخل الكنيسة :
“الجميع زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (مزمور 14: 3).
يعثر الكثيرون بسبب أفعال خاطئة قد تصدر من بعض الآباء أو المسؤولين أو المنتمين للكنيسة. ونجد أن بعض من الذين ألحدوا يحملون تلك الأخطاء الى الكتاب المقدس، وعلى الرغم من انهم لو قاموا بقراءة الكتاب المقدس سوف يجدوا أن الله يدعوا الجميع الى الصلاح والتوبة ورفض الخطيئة. وكلمة “الجميع” هنا تشير إلى جميع الخُدام والقادة الروحيين.
الإلحاد: تاريخه.. أسبابُه! ج2
تحدَّثنا في المقالة السابقة، عن سببين من أهم أسباب ظهور الإلحاد، هنا سنستكمل معا سببين آخرين.
3- الظلم والطغيان ضد الملحدين:
لم يخرج الإلحاد من بيئة مسيحية متدينة تدينًا حقيقيًا، إنما نبت من بيئة تدعو نفسها بأنها مسيحية، وهي ليست كذلك، لأنها متغربة عن مبادئ الإنجيل السامية، والبيئة التي أفرزت لنا الإلحاد تتسم من ناحية بتفشي الظلم والطغيان للرؤساء والحكام، وتتسم من ناحية أخرى بضعف الكنيسة وسلبيتها، فالحكام يطغون ويظلمون، ورجال الدين يداهنون ويبرِّرون، والنتيجة الثورة، فإن لم تكن متاحة بالخارج فبداخل النفس، الثورة ليس ضد الحكام الجائرين فقط، بل وضد رجال الدين المداهنين، بل ضد الدين ذاته وضد الله ذاته، وهكذا يسقط الأفراد تباعًا في الإلحاد بهدف التمرد على الظلم والطغيان، بهدف التخلص من الكبت النفسي الذي تعرضوا له، بهدف السعي نحو الحرية المفقودة.
وأمثلة لبعض حالات الظلم والطغيان ضد الملحدين من إنجلترا وإيطاليا وفرنسا:
جيوفري فاليه:
وهو أحد النبلاء في أورليانز بفرنسا وكان حسن الصورة جدًا، مهووسًا بطهارة جسده ورونقه، حتى إنه كان يلبس كل يوم قميصًا جديدًا ناصع البياض، وقبل إعدامه بعامين صرَّحت عائلته أنه مُختل عقليًا بسبب بعض الخلافات المالية، لكن تماسُك أفكاره في النبذة التي ألفها “ذروة الصفاء.. الوحي عند المسيحيين”، لا يتفق مع هذا الإدعاء، فقط كانت تنتابه بعض النوبات، وعندما سُجن بسبب هذه النبذة حاول الانتحار، وكان “فاليه” في هذه النبذة قد أنكر وجود الله، وهاجم الكاثوليكية والبروتستانتية والإلحاد، وفضَّل المذهب الليبرتاني، الداعي للتحرُّر الديني (هذا المذهب ينكر الوحي الإلهي ولا ينكر وجود الله)، وقد هاجم فاليه الأديان لأنها تبث الهلع والفزع في النفس البشرية، ولم يقتنع بأن السيد المسيح هو النموذج الإنساني الكامل، ورغم أن فاليه كانت معرفته بالكتاب المقدَّس سطحية، فإنه تم تنفيذ حكم الإعدام فيه سنة 1574م، وأُحرق جسده مع تلك النبذة، ولم تنجو سوى نسخة واحدة منها مع السجل الذي حوى التحقيقات معه .
أيكنهد:
وهو طالب إسكتلندي أعدمته إنجلترا في نهاية القرن السابع عشر بسبب إلحاده، والأمر العجيب أن أيكنهد وهو على حبل المشنقة ألقى خطابًا أعلن فيه عداءه الشديد للدين المسيحي، وهذا يوضح لنا كم كان هذا الشخص معبأ بأفكار فاسدة لم يجرؤ من قبل أن يُفصح عنها، لأن القوانين في تلك العصور كانت تبيح إعدام الملحدين، فكان الملحد يحتفظ بأفكاره لنفسه ويحاول أن يذيعها سرًا، وطالما أن مثل هذه الأفكار الإلحادية لم تخرج للنور، لذلك فلن تجد من يناقشها ويحللها ويرد عليها، ولن يجد الملحد من يحبه ويستوعبه ويرفع عن كاهله معاناته وقلقه.
جيوردانو برونو :
وهو إيطالي، وفي الخامسة عشر من عمره التحق بأحد الأديرة، وعندما شك في بعض الحقائق الإيمانية، وعُرف عنه ذلك، فرَّ هاربًا من الدير، وتجوَّل في دول أوربا، ثم تلقى دعوة من شاب إيطالي أرستقراطي، يُدعى “مورسينيجو ” ليتولى تدريسه، ثم اكتشف مورسينيجو مدى ضلال أستاذه فشكاه لمحكمة التفتيش في البندقية لأنه يعتبر يسوع المسيح دجالًا وساحرًا لجأ إلى الحيل لخداع الناس، وأنه ينكر عقيدة الثالوث، وأن الروح تنتقل من جسد إلى جسد، وأن السحر أمر جيد لا غبار عليه، ويسخر من المقدَّسات المسيحية، ويعتقد أننا لسنا الوحيدين في هذا الكون اللا نهائي، بل إن هناك عددا لا نهائيا من العوالم الأخرى، والله لا يكف عن خلق المزيد منها، ويعتقد بتناسخ الأرواح، وأن الروح القدس الذي كان يرف على وجه المياه هو روح العالم، وقام “مورسينيجو” بحبس أستاذه “جيوردانو ” في إحدى غرف القصر، إلى أن تم تسليمه للسلطات الكنسية في البندقية سنة 1592م، وجثا “جيوردانو” على ركبتيه، مقدمًا اعترافه واعتذاره قائلًا “إني أطلب بكل اتضاع من الله ومن قداستكم مغفرة الأخطاء التي ارتكبتها.. إنني أتوسل إليكم أن توقعوا أقصى عقوبة عليَّ حتى لا أدنس رداء الكهنوت الذي أرتديته، وإن شاء الله وشاءت قداستكم إظهار الرحمة نحوي والسماح لي بأن أعيش فإني أقطع على نفسي عهدًا بإصلاح حياتي إصلاحًا كبيرًا”.
وعفت محكمة التفتيش عنه، إلاَّ أنه رجع لأفكاره بعد ثمان سنوات، فأمهلوه ثمانين يومًا، ولكنه ضيَّع الفرصة وأخذ يتلاعب برئيس الكرادلة، فنزعوا عنه رداء الكهنوت وسلموه للسلطة المدنية مع توصية بتجنب سفك دمه، ومنحته السلطات المدنية فرصة نهائية أسبوعين، ولكنه ظل متشبثًا بآرائه وأفكاره، وأخيرًا اُقتيد إلى المحرقة.
4- شهوة الكبرياء :
فالكبرياء هي جهل بحقيقة الله المتواضع المُحب “قال الجاهل في قلبه ليس إله”، (مزمور 14: 1).
إن النجاح الخارق الذي حقَّقه العلم والتقنية ملأ البعض بشحنة من الكبرياء، جعلتهم يأنفون من أي ارتباط بكائن أسمى، وحملتهم على الاعتقاد بأن الإنسان هو سيد الكون بقوته الذاتية، وأنه قادر على كل شيء.
إن هناك نزعة شعبية أُعجبت بالعلم وإنجازاته وبما حققه الإنسان، وأخذت هذه النزعة تُغيّر ما كان يُنسب مباشرة إلى الله على أنه ينسب ويفسر علميًا، وبالتالي الاستغناء عن الله والإيمان به .
الإلحاد: تاريخه.. أسبابُه! ج1
الإلحاد هو وصف لأي موقف فكري لا يؤمن بوجود إله واعِ للوجود، أو بوجود “كائنات” مطلقة القدرة (الالهة)، والإلحاد بالمعنى الواسع هو عدم التصديق بوجود هذه الكائنات (الالهة) خارج المخيلة البشرية. لأن شرط العلم (بحسب أفلاطون) هو أن يكون المعلوم قضية منطقية صحيحة، مثبتة، ويمكن الاعتقاد بها، ولما كان ادعاء وجود إله، بحسب الملحد، غير مثبت فإن التصديق بوجود إله ليس علمًا وإنما هو نمط من “الإيمان” الشخصي غير القائم على أدلة، وما يـُقدم بلا دليل يمكن رفضه بلا دليل.
ومن هذا؛ فإن الإلحاد الصرف هو موقف افتراضي، بمعنى أنه ليس ادعاءً، وإنما هو جواب على ادعاء بالرفض. ويعرف الإلحاد من وجهة نظر كثير من الأديان بأنه إنكار لوجود أي إله .
ليست هناك مدرسة فلسفية واحدة تجمع كل الملحدين، فمن الملحدين من ينطوي تحت لواء المدرسة المادية أو الطبيعية، والكثير من الملحدين يميلون باتجاه العلمانية والتشكيك، خصوصا فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة.
وهناك كلمة بنفس المعنى (اللا ربوبية) كترجمة عربية لكلمة (atheism) في الحملة العلنية لظهور اللاربوبيين (الملحدين)، والتي دعا إليها العالم ريتشارد دوكنز، إلى جانب كلمة (إلحاد)، كمحاولة لإشهار كلمة ثانية لا تحمل معنى سلبيا من حيث اللغة، وتعطي المعنى المطلوب، المتمثل بعدم الاعتقاد بإله أو آلهة، لكن بالرغم من ذلك فكلمة “إلحاد” هي المستخدمة بصورة شائعة حتى من قِبل الملحدين العرب .
يختلف البعض في تاريخ ظهور الإلحاد أو اللاربوبية، فمنهم من يقول الإلحاد موجود من تاريخ ظهور البشرية وظهور الاديان، ويؤكدها البعض بالآية “قال الجاهل في قلبه ليس إله” (مزمور 14 :1). وهناك من يقول إن الإلحاد كان بمعنى عدم اتباع أي من الأديان الإبراهيمية، ولكن الإيمان بوجود “إله أو آلهة”. ولكن الواضح والظاهر أن الإلحاد زاد واستشرى منذ القرن السابع عشر فصاعدًا، ولاسيما في دول أوربا، وبالأكثر في روسيا ودول الكتلة الشرقية، فهناك عوامل زكَّت نيران الإلحاد وساعدت على انتشاره، نذكر منها الآتي:
الصراع البروستانتي الكاثوليكي .
حرب الثلاثين عامًا من 1648 – 1618م بين البروتستانت والكاثوليك، ونجم عنها خسائر بشرية فادحة، فمثلًا قُتل في أيرلندا نحو مائة ألف رجل، وقُتل ثلث رجال ألمانيا، وانتهت هذه الحروب بسلام “وستفاليا ” Westphalia الذي أقرَّ الحرية الدينية للجميع، لكيما يعيش اللوثريون مع الكالفنيين مع الكاثوليك في سلام، ولكن من نتائج هذا الصراع البروتستانتي الكاثوليكي الطويل المرير القاسي أن كَرِه الناس الدين والعقيدة والكتاب المقدَّس، بل كرهوا الله ذاته .
2. نظرية التطوُّر والبقاء للأصلح :
أمضى داروين السنوات الطويلة في بحث النباتات والحيوانات وعظامها، وانتهى إلى نظرية “الانتخاب الطبيعي” Natural Selection أو ” البقاء للأصلح ” Survival of the fittest فالكائنات التي استطاعت أن تتكيف تلقائيًا مع البيئة هي التي استمرت وعاشت وتكاثرت. أما الكائنات التي فشلت في التوافق مع البيئة فقد ماتت وانقرضت، وعلى مدار ملايين السنين تطوَّرت الأنواع الأدنى، وأن الإنسان هو ثمرة تطوُّر الأنواع الأدنى.
وقد تأثر داروين بالقس الإنجيلي توماس مالثوس، الذي قال إن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية (2 – 4 – 8 – 16 – 32.. إلخ) أما الغذاء فإنه يتزايد بمتوالية عددية (2 – 4 – 6 – 8 – 1… إلخ) مما يقود للصراع من أجل البقاء، ولذلك نادى القس مالثوس بقانون الفقراء اللا إنساني، حيث قال “لا يستحق البقاء إلاَّ من هم أقدر على الإنتاج. أما أولئك الذين وهبتهم الطبيعة حظًا أدنى لهم أجدر بالهلاك والاختفاء”.
وأعتبر أن موت الفقراء من الجوع يعتبر قضاءً وتدبيرا إلهيا، وبهذا برَّر القس مالثوس الثراء الفاحش، ولم يتراءف على الفقراء، وعندما قامت الثورة الفرنسية، ونادت بالإخاء والمساواة والحرية، هاجمها مالثوس معتبرًا أن هذه أمور خيالية، ونتيجة أفكار مالثوس أوصت بعض الطبقات الحاكمة في أوربا بإهمال الفقراء، وتركهم فريسة للجوع والمرض؛ حتى يتخلص منهم المجتمع.
بل أجبرت إنجلترا الأطفال في سن الثامنة والتاسعة على العمل لمدة ست ساعات يوميًا في مناجم الفحم في ظروف صحية سيئة مما تسبب في هلاك الآلاف منهم.
وطبق “داروين” فكر “مالثوس” وهو “الصراع من أجل البقاء” على المجتمع الحيواني، وتوصل إلى فكرة الانتقاء الطبيعي، فالطبيعة تختار الأصلح والأقوى للبقاء على حساب الضعفاء، وقال داروين “رغم أن التكاثر يتم بمعدل كبير فإن الصراع من أجل البقاء هو الذي يضمن لجزء فقط من هذا النسل البقاء، بينما يهلك الجزء الآخر، وبذلك ظهرت نظرية النشوء والارتقاء. وأطلق ” هيربرت سبنسر ” صديق داروين على نظرية الانتقاء الطبيعية (البقاء للأصلح)”.
وقَبِل داروين هذا الاصطلاح، واعترض على القائلين بأن الله خلق الطيور الجميلة والأسماك البديعة، وأرجع هذا للانتقاء الجنسي، فالذكور القوية الجميلة من الطيور والحيوانات هي التي تستأثر بالإناث وتنجب جيلًا قويًا، أما الذكور الضعيفة فمصيرها للانقراض.
ورغم أن داروين ألَّف أكثر من عشرة كتب، ولكن كتابه “أصل الأنواع ” The Origin of Species الذي أصدره سنة 1859م قد أثار ضجة كبيرة، وقد طبع منه 1250 نسخة، وفي اليوم الأول لصدور الكتاب نفذت جميع نسخه، رغم أن النسخة كانت تقع في 490 صفحة، وهذا يوضح مدى تجاوب المجتمع حينذاك مع فكر داروين.
وقد أنكر داروين في كتابه هذا ثبات الأنواع، أي إن الله خلق كل نوع منفصلًا عن الآخر كقول سفر التكوين “وقال الله لتنبت الأرض عشبًا وبقلًا يبزر بزرًا وشجرًا ذا ثمر يعمل ثمرًا كجنسه بزره فيه على الأرض. وكان كذلك. فأخرجت الأرض عشبًا وبقلًا يبزر بزرًا كجنسه وشجرًا يعمل ثمرًا بذره فيه كجنسه.. فخلق الله التنانين العظام كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه” (تكوين 1: 11، 12، 21).
وقال داروين إن لله لم يخلق النباتات ولا الأسماك ولا الطيور ولا الحيوانات ولا الإنسان، ولا أي كائن حي، بل كل ما فعله هو أنه أبدع جرثومة واحدة، وهذه الجرثومة أخذت تتفرع وتتنوع عبر ملايين السنين، وبذلك نسب داروين خلقة الكائنات الحية للطبيعة قائلًا “الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق” لقد أنكرت نظرية التطور حقيقة أن “الله خالق كل شيء ” .
في بحث منشور في سنة 2003 في موقع يهتم بالأبحاث الطبية، يحكي عن شخص حدث لهُ تغير في ميولهِ الجنسية فجأةَ!! وأصبح منجذبًا للجنس مع الأطفال (بيدوفيليا).
يقول أنه لم يكن لديه مثل هذه الميول من قبل ولا يعلم كيف تحول وتغير الى هذه الميول الغير مستقيمة. وبعد الفحص اكتشف أنه مصابٌ بورم في منطقة معينة في المخ، وعندما تم استئصال الورمٍ عاد إلى ميولاته الطبيعية، ولكنه بعد فترة شعر بنفس الميولات غير السوية تجاه الأطفال، و عندما أجرى فحص على المخ وُجد أن الورم قد نبت مرة أخرى في نفس المكان.
هذه القصة بغض النظر عن مستوى صحتها استخدمها بعض الدارسين ليستنتجوا ان كل قرارات الإنسان مجرد تفاعلات كيميائية تصدر عن المخ، وقراراته هو غير مسؤول عنها، أن ميولنا وشهواتنا، وعواطفنا ليست سوى كيمياء، ونبضات كهربائية تخدعنا بشكل احترافي لنظن أنها مشاعر وعواطف حقيقية.
فهل معنى هذا أننا مسيرون؟
في الواقع البحث هو بحث طبي يحتاج إلى تأكيد، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى نتيجة من خلال حالة واحدة فقط.
ولكن هذا يجعلنا نفكر هل الإنسان مخير أم مسير؟
⬅️ وهنا ثلاث مجالات يمكن أن نفكر فيهم،
١- الظروف الخارجة عن الإرادة:
يولد كل إنسان مسير في مجموعة كبيرة من الأشياء التي لا ناقة له ولا جمل، مثل مكان الميلاد والعائلة والمستوى الاجتماعي والثقافي، الاب والام والاخوة. كلها اشياء نخرج للنور وهي معنا. اطفال الصومال والمجاعات يولدون في هذا الموضع المزري وهم لم يختاروا هذا، وبالتالي تكون هذه الظروف والنشأة هي أشياء لم نتحكم فيها. ولكن في واقع الأمر كلما يكبر الإنسان يصبح مسؤولًا عن تغيير واقعه، فيحول ما هو كان مسير إلى مخير بسلسلة من القرارات التي لو اتخذها لتغيرت ما كانت نشأته. ولكن القرارات نفسها لها عوامل أخرى في التربية، فعندما يخرج الإنسان لا يعرف ان يتخذ قرار.
٢- الظروف التي تحتاج إلى قرارات:
هل أذهب لأعمل في بلدة اخرى؟ ام ابقى هنا؟ هل ادرس الانجليزية او الاسبانية، ام اتعلم حرفة. ابي لم يعلمني الكتابة بسبب الظروف، هل اسعى لتعلمها؟ أم أرثي لحالي؟ هل اتزوج؟ ام اظل عازبًا، هل انجب؟ وفي حال أن اكون عقيمًا هل اسعى للتبني ليكون عندي اطفال؟ كلها قرارات إذا اتخذتها نصل إلى نتيجة تختلف عما إذا اتخذنا غيرها، وهذه المنطقة بالذات هي منطقة اختيار للإنسان، ولكن يحددها موارد الانسان وطبيعة ذهنه، وطبيعة تراكمات أفكاره.
ملاحظة: هل يستطيع الإنسان أن يكسر دوائره؟
الله خلق الانسان وفي داخله طاقة كبيرة تحتاج الى استكشاف، كثير من لاعبي الكرة الافارقة كانوا يعيشون في جوع شديد، ولكنهم يمتلكون الموهبة، والطبيعة حبتهم لياقة بدنية متميزة، والبعض اتخذ القرار واستثمرها والبعض لم يتخذ هذا القرار وبقي على حاله.
الله خلق الجنس البشري، ولكن كل فرد من هذا الجنس البشري كانت لديه ظروف ليس صاحب قرار فيها، ولكن الله خلق في داخله ما يجعله يتمرد على تلك الظروف، من خلالها يكسر دوائر في حياته ولكنه يفشل في كسر دوائر اخرى بسبب تلاقي الإرادات او تخالفها.
فهناك من عاش في هيروشيما مثلًا، وأصيب مع غيره من الاطفال بالتشوهات الاشعاعية، ولكن البعض كسر دوائر الظروف الصعبة، ليخرج الى دوائر جديدة.
الأمر يحتاج إلى إيمان … والإيمان هو قرار شخصي، كثيرون يفكرون في أن الإيمان هو اختيار إلهي، ولكن في حقيقة الامر هذه الزاوية هي ملك الله وحده، ولكنه أعطانا من جانبنا حرية اتخاذ هذا القرار، الذي من شأنه يمكن أن تتحول الكثير من القيود التي في حياتنا إلى معجزات حقيقية تنقلنا راحة أوسع
الموضوع يحتاج الى كلام اكثر.. هو مجرد فتح مدارك عن هذا الموضوع.
عماد حنا
كيف لإله محب أن يسمح بوجود الشر؟
“تأتينا الأخبار من هنا وهناك عبر الأقمار الصناعية ووسائل الإعلام المتنوعة؛ أخبار حروب وصراعات.. تدمير وتشريد وتفجير وقتل، عصابات وقراصنة متطرفون وإرهابيون، بالإضافة لما يمر به عالمنا اليوم من هجمات الأوبئة والفيروسات وغضب الطبيعة والتغير المناخي.. ويخرج أمام هذا المشهد السؤال القديم الجديد الذي ربما جال فى ذهنك – عزيزي القارئ – وتحيرت أمامه وحاولت أن تصل لأي إجابة لعلها تكشف لك ذلك “الغموض” لكن هيهات!، أين الله مما يحدث؟ هل غافل عنه أم يسمح بكل شئ ومتواطئ مع الشر؟”
– في البداية دعني أقتبس تلك الكلمات من كاتب يدعى “جورج تيرل” إذ يقول:“لو أن لهفة الإنسان لمعرفة ما هو غامض أو غريب أو عجيب، أو ما هو فوق الطبيعة، لو أن هذه اللهفة لم تتغذ على الحق، فحتما سوف تُغذي نفسها على قمامة الخرافات التي تُقدم لها” إلى هنا انتهى الاقتباس، والذي ينقلنا لنذهب إلى كلمة الحق؛ الكتاب المقدس، وماذا قالت، لعلنا نجد نور يرشدنا لإجابات شافية بعيداً عن الخرافات!
هل حقاً خلق الله الشر؟
هذا سؤال زائف (غير حقيقي)؛ فلا وجود لكائن (مخلوق) يدعى “الشر”؛ يوجد اعتقاد شعبي بأنه طالما أن الله هو “الخالق” لكل شيء، إذاً فهو خالق للشر أيضاً، لكن الحقيقة المؤكدة أن “الشر” ليس شيئاً – ملموس مادياً – أو كياناً يُخلق، فلا وجود له بصورة فردية (ليس له وجود في ذاته)، لكنه بكل بساطة هو غياب الله؛ فالله هو الصلاح والجمال والحق، وعدم وجوده هو شر وقبح وظلمة وزيف. أو بمعنى آخر هو فساد لكل ما هو حسن وخير خلقه الله.
لكن يمكن أن يخرج أمامنا ثمة سؤال ينسف هذه الإجابة؛ماذا عن الآية التي في سفر النبي (اشعياء 45: 7) ؛ التي تقول عن الله:”مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ.” أليس هذا المقطع يؤكد أن الله هو خالق الشـر والمسئول الأول عنه؟ لكن القارئ المدقق لكلمة الله سوف يكتشف أن للشر (في الكتاب المقدس) معنيان؛ الأول :”الخطية / المعصية” أي الانحراف الأدبي عن كل ما هو مستقيم. والثاني: الشر الذي يحدث لأي إنسان (المحن والتجارب والمأساة)، فالمعنى الأول يقصد به الخطية وحاشا لله كلي القداسة الذي أعلن فى كلمته أنه يكره الخطية والشر (حبقوق : 1 :13) حاشا أن يكون صانعه. أما المعنى الثاني فهو يشير لنتاج الفعل الأول، إنها النتيجة الطبيعية للمعصية والتمرد على الله. ونستنتج هنا أن الآية تؤكد أن الله ليس بصانع للشر، بل”المُسيطر” فكل ما يحدث تحت “السيطرة الإلهية”، يسمح الله بحدوثه كنتيجة طبيعة لاختيارات الإنسان، ولكي بها يوقظ قلب الإنسان لعله ينتبه ويتجه إليه.
مرآة الله
أعتقد لم يوجد بعدُ إنسان لم يسأل نفسه أو الآخرين هذا السؤال الأزلي “لماذا أنا موجود؟”، “لماذا خلقني الله؟”، أو إن كان لا يؤمن بوجود الله فـ “لماذا خُلِقت؟”
عن نفسي أنا شخصيًا أؤمن بالطبع بوجود الله، والحقيقة إن إجابة هذا السؤال استغرقت مني سنوات عمري حتى أصل لفكرة منطقية تحترم عقلي.
في البداية دعونا نستبعد معا الأسباب التي لا تحترم بالطبع العقل الإنساني ونحن في القرن الواحد والعشرين، أعظم عصور التكنولوجيا والمعرفة في التاريخ.
دعونا أيضا نحاول أن نرى المفاهيم الدينية والروحية بعقلية العصر الحالي.
بكل تأكيد أنت تتفق معي أن الله شخص “سَوي”.
ولو تتفق معي في هذا بكل تأكيد ستتفق معي أن كل تصرفاته تصرفات سَوية.
إذن سأفترض أنك ستتفق معي حتمًا أن شخصًا بحجم لا محدودية الله، وبمقدار لا محدودية عقله وإبداعه، لا يمكن أن يخلقني من أجل أن يعذبني.
لا يمكن أن يخلقني لـ يجربني بالمصائب والكوارث.
لا يمكن أن يخلقني لـ يصيبني بالسرطانات والأمراض والأوبئة.
لا يمكن أن يخلقني لـ يستمتع بمشقتي.
لا يمكن أن يخلقني لـ يجعلني غارقا في طين الفقر والجهل.
لا يمكن أن يخلقني لـ يغطسني في الحزن والمرارة والفشل.
لا يمكن أن يخلقني لـ يُحمّلني بهمومٍ مثلَ الجبل.
ولا خلقني حتى لـ أكون عبدًا له. فليس من المنطق في شيء أن يقرر الإله أن يخلق بشرًا ليسجدوا له ويعبدوه.
أؤمن أن الله كامل. ولأنه كامل لديه ملء وفيض من كل شيء.
لديه فيض وملء من المحبة والكرامة والبركة والسلام والراحة والعلم والصبر والإدراك والوعي والرحمة والعدل إلى آخر كل صفات الله العظيمة.
إن كانت أمثالُنا الشعبية تقول “المليان يُكب ع الفاضي”.
أليس بالأحرى أن نقول “الكامل يكب ع المحتاج أو الفاضي”.
خلقنا الله على صورته ومثاله، ولن يشوه الله بيديه عمل يديه. لن يشوه صورته ومثاله؛ لأننا اتفقنا أنه “سَوي” ولن يشوه شخص “سَوي” نفسه، أو عمله، بل سيعتني به، وسيكون أهم شيء لديه، ويكون كل تركيزه منصبا على نموه وجعْله في أفضل صورة وتقويم.
أؤمن أن الإنسان خُلِق في هذه الحياة ليتمتع بالملء الذي لدى الله. نعم. هذا ليس كلامًا ضخمًا ولا كبيرًا.
إن كان الأب والأم الأرضيَّين من لحظة مولد وليدهما الرضيع يهتمان به يغذيانه يُطعمانه يحميانه يحافظان عليه يعلمانه يهذبانه يعتنيان به. حتى يكبُر ويكون صورة وواجهة مشرفة ومشرقة لهما، وشخصًا قادرًا على إفادة نفسه ومجتمعه. فكم وكم الخالق المبدع الذي يحمل كل صفات الأبوة والرحمة.
بكل تأكيد خلقنا هذا الإله لنتمتع بالعلاقة معه وننهل منها كل ما تحتاجه أنفسنا البشرية وأرواحنا، ولنكون الأداة والإناء الذي يُشكله هو بيده لنكون في أفضل صورة نُصدر بها للعالم حقيقة الله النقية العظيمة المبهرة.
نحن صورة الله. نعم. ومثاله، وكلما عمل الله فينا وترك بصماته فينا صرنا أكثر انعكاسًا لشخصيته الحقيقية وسفراء مشرفين له ولحقيقته وبهاء روعته.
لذلك مسرة قلبه أن يعمل فينا ويشكلنا، ودورنا السامي أن نكون مرآة تعكس جمال وحقيقة وروعة الله بسلوكنا ومبادئنا وأفعالنا وإفادتنا للمجتمع والبشرية بكل ما هو للخير والبنيان.
هل يوجد إله؟!
هذا واحدٌ من أهم الأسئلة التي يطرحها الإنسان على نفسه وعلى الآخرين، وهو سؤال مصيري خطير. ومنذ فجر التاريخ انشغل الإنسان بملاحظة الطبيعة وظواهرها من حوله محاولًا إيجاد تفسير لما يراه ويشعر به، وشعر أنه بالتأكيد هناك قوةٌ أكبر هي المسؤولة عن هذا النظام الكوني البارع؛ فمضى يعبد قوى الطبيعة ويفترض بعض الحكايات التي تفسر بداية الخلق والآلهة وما إلى ذلك من معتقدات. وأصبح الدين ذا تأثير كبير على حياة الإنسان؛ إذ كان وراء كل حضارة قائمة ديانة تُسيّر مجرى التاريخ، وكانت عظمة الحضارات ترتبط بديانة قوية تدفع الناس للتقدم والمعرفة اليقينية التي ارتبطت باستقرار الإنسان وتقدمه.
وفي البداية فكر الإنسان في وجود إله أو إلهة لكل مجال من مجالات الحياة والطبيعة، لكنه فيما بعد استطاع أن يصل من فكرة التعددية إلى فكرة توحيد الإله.
إذًا ففكر الإنسان الطبيعي يرشده لوجود إله أنشأ هذا الكون ويحركه ويحكم قوانين حركته بدقة شديدة.
ومن فكرة التأمل في الطبيعة ننطلق نحن أيضًا لنكتشف هل يوجد إله أم لا؛ فوفقا لـ Ask an Astronomer -وهي مدونة يديرها علماء الفلك في جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك- تدور الأرض -بكل ما عليها من جبال ومحيطات وبحار وأنهار- حول الشمس بسرعة 67 ألف ميل في الساعة (110 آلاف كم / ساعة). في حين أن أسرع الطائرات لا تتجاوز سرعتها 1000 كم/ ساعة. هذه الحقيقة تضعنا أمام أحد احتمالين: أن تكون هذه الخليقة بدون خالق، وهنا نحن أمام أزمةٍ، إذ أن هذه الكرة تطير بهذه السرعة بلا حاكم ولا رابط ولا ضابط، ويطير معها أيضًا عدد غير متناهٍ من الأجسام الفضائية وبسرعات كبيرة أيضًا. فهل يستطيع أحد أن يأمن ركوب طائرة بدون طيار؟ الاحتمال الثاني أن يكون هناك خالق. وهنا يكمن الاختيار، الذي يستدعي وجود عقل مفكر متروٍّ في ماذا يعتقد وبمن يؤمن.
وإذا تأملنا في تكوين الإنسان نفسه نستطيع أن نجد يد الله واضحة في خلقه وتكوينه، فالعقلُ البشري يعالج في وقتٍ واحدٍ مقدارًا مذهلًا من المعلومات، ويستوعب جميعَ الألوان والأشياء التي تراها، ودرجة الحرارة من حولك، وضغط قدميك على الأرض، والأصوات من حولك، وجفاف فمك، وحتى ملمس سطح لوحة المفاتيح. كما يستوعب العقلُ جميعَ عواطفك وأفكارك وذكرياتك ويعالجها. وفي الوقت نفسه، يحتفظ عقلك بسجلّ لوظائف جسمك المستمرة مثل التنفس وحركة الجفن والجوع وحركة العضلات في يديك. وكذلك عين الإنسان التي يمكنها التمييز بين سبعة ملايين لون، كما تتمتع بتركيز تلقائي، وتستطيع أن تعالج عددًا مذهلًا من الرسائل يصل إلى 1.5 مليون رسالة في وقتٍ واحدٍ. هذه الدقة في خلق الإنسان لا بد أن تشير إلى خالق غير محدود في علمه وقدرته.
كل هذه الإثباتات هامة وضرورية جدًّا للاقتناع بوجود الله، لكن الأهم هو شعورنا الداخلي الذي يحتاج لوجود خالق وإلى وجود علاقة قوية معه.
للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع