دفاعيات

شَخصيَّة المسيح .. النَّاسوت!

يأتي تساؤل الناقد المتكرر: كيف يمكن لإله أن يكون به نقص فيحتاج ويجوع ويعطش وينام؟… وفي الواقع، هذا التساؤل يبين عدم القدرة على فهم طبيعة المسيح فهمًا صحيحًا. تعالَ معي لنفهم سر التجسد ببساطة. 

يقول إنجيل يوحنا: “والكلمة صار جسدًا وحل بيننا”. 

والتساؤل الأول يقول: هل يحق لنا أن نقول إن الانسان الذي خلقه الله ناقصٌ؟ في الحقيقة، على الرغم من الإنسان مخلوق من تراب، ويحتاج دائمًا لبعض الاشياء لكي يتمكن من البقاء حيًّا، فإنه مخلوقٌ كاملٌ بالنسبة لنظرة الله… لقد حدث تشوه لهذا الكمال من خلال العصيان، ولكن عندما خلق الله الإنسان يقول سفر التكوين إنه خلقه “على صورة الله” فهل هذا معناه أنه ناقص؟

اعتراض: هل تريد أن تقول إن الإنسان قبل الخطية هو الله؟ أو مساوٍ لله؟

الإنسان قبل الخطية كان في الله، ويستمد كماله من الله. خاطبت الخطية الإنسان وداعبت أفكاره لكي يستقل وينفصل عن الله، (تكونان كالله) وتعبير “تكونان مثل الله” فيه تجرد وانفصال عن الله، الأمر الذي من خلاله فقد الإنسان كماله.

اعتراض: المسيح ولد من امرأة فهو عيسى بن مريم، ولا يستطيع أن يتبرأ من هذا، لذلك إذا كان الإنسان أصبح غير كامل فالمسيح بالتبعية غير كامل 

الإجابة: هذا ما يريد أن يصوِّره لنا الشيطان، لذلك كان إصرار الإنجيل أن ينفي صفة أن المسيح هو ابن مريم… بل هو ابن الله بحسب الإنجيل، أي إنه لا يزال ضمن الكيان الإلهي حتى وهو في الجسد، المسؤول عن التناسل هو الرجل، وهذا لم يحدث بالنسبة لميلاد المسيح فميلاده عذراوي، وبالتالي هو ولد بحسب تعبير الإنجيل “من الروح القدس” الذي هو الله المبارك. وبالتالي المسيح في الجسد هو إنسان كمال، وكماله مستمدٌّ من كونه مولودًا في الله.

اعتراض: يتساوى المسيح وآدم قبل الخطية

الإجابة: بل الأمر يختلف؛ لأن آدم قبل الخطية هو صورة الله المخلوق، ولكن المسيح أو آدم الثاني فقد تجسد كلمته، والكلمة أزلية قبل الزمن، وبالتالي فإن المسيح الذي هو الكلمة هو من خلق بفيه آدم الأول… ولكن التشابه هنا في اتحاد الناسوت الذي لآدم الثاني (المسيح) بالله… بنفس الصورة التي كان ينبغي على آدم الاول أن يظل بها متحدًا مع الله.

أن يظل آدم الاول (في الله) رغم تحديات الخطية، وهذا ما نجح فيه المسيح، فالإنجيل الطاهر يسجل لنا تجارب مختلفة حاولت أن تبعد المسيح عن هدفه الرئيسي وأن يخرج خارج المشيئة الإلهية ولكن التجارب سقطت وبقي المسيح في الله. بقي لم يعرف خطية، وبقي متحدًا في الله. 

اعتراض: كل هذه التعبيرات التي استخدمها تؤكد أن الله والمسيح مختلفان… فكيف يكونان واحدًا؟ 

الإجابة: كلمة الله صار جسدًا، وسبحانه تجلت قدرته؛ فأصبح الإنسان العادي يستطيع أن يرى الله متمثلًا في شخص المسيح… والمسيح صار له طبيعية إنسانية، عليه أن يعيد التحديات التي واجهها آدم الأول ويظل (في الله متمسكا بإيمانه) رغم وجودها. وهذا ما نجح فيه المسيح كإنسان. 

المسيح إنسان كامل، ليس به نقص فهو مولود بقوة الروح القدس على صورة الله، ونجح في كل تحديات إبليس ليظل في النهاية (في الله)… هذا التحدي الذي جعله مؤهلًا للفداء.

تستطيع أن ترى الناسوت وتصفه بصفات الناسوت بمنتهى الأريحية تمامًا كما تستطيع أن ترى اللاهوت متمثلًا في صفاته وتعلن أنه هو الله الظاهر في الجسد.

شَخصيَّة المسيح .. اللاهوت!

يقدم لنا الإنجيلُ الطاهرُ شخصَ المسيح بصورةٍ فريدةٍ في كلِّ شيء، ولكي نتعرف على المسيح بصورةٍ صحيحةٍ، علينا أن نقدم دراسةً شاملةً حول كلِّ ما أثير حول شخصه، لماذا؟

لأن المسيح ببساطة إذا تأملت في مكتبه الإنجيل حول هويته لرأيت ما يبدو تناقضًا…

المسيح هل هو إنسان؟ يقول المسيح نفسه عن نفسه هذه العبارة:

وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ” (يوحنا 8: 40).

إذًا فالمسيح بحسب كلامه إنسان، ولكن هو نفسه وهو يتكلَّم مع اليهود طلبوا أن يقتلوه، لماذا؟ لأنه ساوى نفسه بالله (اقرأ يوحنا 8: 59).

فماذًا إذًا؟ المسيح هل هو إنسان؟ أم هو الله الظاهر في الجسد

في السطور القادمة، نتكلم عن المسيح كلمة الله الكائن قبل إبراهيم (متى 8: 58) وفي المقال القادم، سنرى الصورة الإنسانية للمسيح، ونفهم كيف يكون المسيح إنسانًا والله الظاهر في الجسد.

حقائق ينبغي الاتفاق عليها

  1. هل الله قادر على التجسد؟

إذا اتفقنا على أن الله قادر على فعل كل شيء، فحقيقة أن الله يظهر لنا بشكل بشري لكي يتمم مهمة لا يمكن أن يفعلها إنسانٌ بشريٌّ طبيعيٌّ، فالمبدأ هنا وارد… الله قادر على التجسُّد، لأنه قادرٌ على كل شيء… كيف؟ عقولنا المحدودة لا يمكن أن ترد على كلمة كيف، ولكن عقولنا تدرك احتمالية هذا الأمر، وتقبله… وأي شخص أراد أن يتفلسف ويكتب لنا كيف تجسَّد سنجد أنه أخطأ في التعبيرات… الله قادر على التجسد، والسؤال الآن هل من أهمية أن يفعلها؟

  • ما ضرورة تجسُّد الله؟

الشيء الوحيد الذي يجعل الله يتجسد كضرورة هو أن يفعل شيئًا ما لا يستطيع الإنسان أن يفعله، وباختصار الإنسان فقد تواصله مع الله عندما عصى ربه، والله أراد أن يسترد محبوبه الإنسان، ولكن الإنسان كان هناك حاجز فظيع بينه وبين الله هو العصيان… ولأن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله أصبح لا يوجد أي شخص يستطيع أن يعالج المشكلة، ولقد أثبت الله للإنسان أن الانسان عاجز تمامًا، فأعطاه تشريعًا يسير عليه، ولكن الإنسان فشل… وبعد أن أثبت الله للإنسان عدم قدرته صار هناك ضرورة للتدخل الإلهي، وصارت هناك ضرورة للتجسد. 

توجد إمكانية، وتوجد ضرورة… إذًا فالمسيح هو كلمة الله المتجسِّد.

  • هل يتعارض وجود الله في الجسد مع وجوده في السماء؟

شرح الوحي المبارك الفكرة بمنتهى البساطة، قائلًا: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ… وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّااَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ” (يوحنا 1: 1-5، 14، 18). 

  • هل ينبغي الفهم، أم نكتفي بقبول الفكرة بإيمان وتصديق؟

الإنجيل قال إن الله موجود في السماء وكلمته متجسد على الأرض، الله لم يغادر السماء، وموجود على الأرض، هو أزلي، على الرغم من أن تجسده له بداية.  

إذا فالمسيح هو الله المتجسد رأى الناس جسد المسيح، ولكنه متَّحدٌ اتحادًا كاملًا باللاهوت. 

الإشكالية 

عندما يأتي شخص فيقول: هل الله ينام ويجوع ويعطش ويحتاج؟ حاشا، هنا نقول أنت أهملت الجانب الإنساني… الجانب الإلهي واضح تمامًا ويمكن إثباته في مقالة مطولة… أما فكرة كيف أن الله يجوع ويعطش… إلخ، فهذا في المقال التالي مباشرةً الذي يناقش فكرة أن المسيح هو إنسان كامل.

طريقة التعامل الصحيحة مع المال

يُحكي عن أحدهم أنه مر من باب دخول أحد متاحف المدينة وهو فارغ اليدين، إلا أنه قام بعمل غريب؛ إذ بدأ يجمع اللوحات الفنية وينزلها من على الحائط ويضعها بحرص تحت ذراعه. فذهب إليه أحد المارة وسأله ماذا تفعل؟ فأجابه: “أنا جامع لوحات فنية وأريد تجميع أكبر قدر ممكن من اللوحات الفنية الجميلة لاستخدامها في العديد من الأغراض!” فرد عليه: “لكنها ليست مِلكك، ولن يسمحوا لك بالخروج بها. ستُضظر للخروج بدونها تمامًا كما دخلت!” لكنه أصر أنه سيخرج بها ولن يفرط فيها واصفًا نفسه بـ”تاجر يحمل لوحاته الفنية ويتنقل بين الصالات والمتاحف!” وطلب ألا يُفسد أحد فرحته!

القارئ العزيز… ما رأيك في هذا الشخص؟ كيف تصفه وتصف فعلته وكلامه؟! هل ستقول عنه إنه مجنون ويعيش في عالم بعيد عن الواقع. الحقيقة هذا هو حال كل إنسان يقضي حياته في محبة المال وكأنه سيخرج من العالم ومعه حسابه البنكي. لكن بكل وضوح يقول الله على لسان الرسول بولس: “لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ” (رسالة تيموثاوس الأولى 6: 7)، إذًا إن كنا لا نستطيع أن نخرج به فلا بد أن نحسن إدارته واستخدامه هنا على الأرض. لكن هذا لا ينفي أننا جميعا في احتياج للمال من أجل قضاء حاجياتنا والتزاماتنا وتتميم عمل الرب ومساعدة الآخرين، لكن في هذا الإطار بعيدا عن إطار استعباده لنا.

الوكالة والمسؤولية

لقد منحنا الله المال كعطية وبركة، ونحن مدينون له بأن نكون وكلاء صالحين على هذه الهبة الإلهية لنستخدمها حسب معيار الوكالة، ألا وهو “مجد الله” أي يكون سببًا لتمجيد وتسبيح اسمه سبحانه.

كيف نستخدم المال بطريقة تمجد الله؟

وكما أشرنا، أننا وكلاء ومسئولون أمام الله عن كل ما أعطانا من مال، لذلك يحب أن تكون لدينا خطة نستخدم بها المال بطريقة كتابية:

أولًا، بالعطاء: كن سخيًّا في العطاء؛ فالفكر الأساسي في المسيحية هو العطاء والتضحية واضعين الرب يسوع مثالًا على ذلك. أعطِ بشكر وتوقع بأنك ستحصد أضعاف ذلك.

ثانيًا، بوضع خطة جيدة لإدارة ما تملك؛ التزام بميزانية محددة ولا تُغرق نفسك في الديون.

ثالثًا، بالعمل والاجتهاد بأمانة دون طمع؛ لنُحافظ على عطية الله، فدور الإنسان لا يتعارض أبدًا مع دور الله!

رابعًا، بالتفكير فيما تنفق عليه من مالك؛ تعامل بحكمة ولا تضيع وقتك ومالك على عادات سيئة تافهة لا تمجد الله.

خامسًا، استخدم أموالك لمساعدة الآخرين، ولكن بتمييز وإرشاد من الله.

سادسًا، قاوم النزعة إلى الشراء دون تخطيط مسبق، لا تنجذب نحو “العروض” الاستهلاكية التي قد لا تحتاجها!

سابعًا، لا تتسوق بقصد التسلية وتحسين المزاج.

ثامنًا، اعرف وضع المالي بين الحين والآخر، واجلس لحساب النفقة دائمًا!

تاسعًا، تعلم ثقافة الاكتفاء والقناعة؛ إذا لم نتعلم القناعة سنكون عرضة لكل الأمراض الروحية!

عاشرًا، اكسب كل ما يمكن كسبه، هذا لا يتعارض مع كل ما سبق؛ فالله دائمًا يريد لنا الأفضل.

ضع ثقتك في الله لا المال!

 تدعونا كلمة الله بأن تخلو سيرتنا -حياتنا- من محبة المال والاتكال عليه وبأن تكون لدينا القناعة والاكتفاء بما لدينا، ليس معنى ذلك أننا لن نقلق بشأن أمورنا المادية، بل لكي تساعدنا في السيطرة على مشاعر الهم؛ فلا ننهار إذا تعرضنا لخسارة مالية، بل نعيش بالفكر الذي عاشه الرسول بولس عندما قال: “أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي”.

*صلاة: اللهم أشكرك يا مُدبر أحوالي… أسألك أن تمنحني الحكمة في إدارة ما لديَّ من عطايا، علمني يا سيدي أن أشكر وأكتفي بما عندي. آمين.

فكر الله تجاه المال

هل تقول المسيحية إن المال شرٌّ، وتُوصي بالزهد والتقشف تجاه جمع الأموال؟

هل يأخذ الله في الكتاب المقدس فكرا عدائيا تجاه المال والأغنياء؟

سنتعرف في هذه المقالة على ما هو فكر الله تجاه المال، أو ماذا يقول الكتاب المقدس عن المال. الحقيقة هذا السؤال غاية في الأهمية؛ لأن طريقة تفكيرك عن المال ستؤثر على سلوك وتعاملاتك في حياتك الجديدة.

 هل حقا المال شر في ذاته؟

السؤال الأول الذي يدور في أذهاننا ويسبب لنا حيرة، ما فكر الله تجاه المال؟ وحتى لا أطيل عليك عزيزي بكل تأكيد (وكما أوضحنا في المقال الأول) يريد الله البركة للإنسان. يريد له الأفضل في كل مناحي الحياة.

والمال أو الغنى هو إحدى هباته، مثله مثل أي خير في الحياة، بل هو “عطية الله”؛ إذ تقول كلمة الله “أَنَّهُ هُوَ ٱلَّذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لِٱصْطِنَاعِ ٱلثَّرْوَةِ، لِكَيْ يَفِيَ بِعَهْدِهِ ٱلَّذِي أَقْسَمَ لِآبَائِكَ كَمَا فِي هَذَا ٱلْيَوْمِ”. (سفر التثنية 8: 18). وهذه العطية لا بد أن نقبلها بشكر من الله. إذا أين المشكلة؟!

محبة المال هي أصل كل الشرور!

المشكلة ليست في المال، فهو في حد ذاته ليس شرا – كما أوضحنا مسبقا – لكن يكمن الخطر في التعلق به، أو كما تقول الكلمة المقدسة، إن مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.” (رسالة تيموثاوس الأولى 6: 10).

السؤال الذي يقفز الآن إذن: لماذا محبته هي أصل لكل الشرور؟

أربعة أسباب تجعله أصلا لكل الشرور!

السبب الأول: التوهم بأن المال هو “عماد الحياة”، فيصبح الإعتماد عليه وكأنه هو الإله الذي يعبده! وهذا شرك بالله؛ لأنك بالإتكال عليه تجعله مصدر حياتك، وقد حذر الله في (سفر الأمثال 11: 28) مَنْ يَتَّكِلْ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطْ، أَمَّا ٱلصِّدِّيقُونَ فَيَزْهُونَ كَٱلْوَرَقِ”.

السبب الثاني: الطمع والرغبة في المزيد؛ أحيانا تسبب الوفرة راحة، والراحة تطلب المزيد؛ فتصبح الرغبة والتعلق أكثر فأكثر؛ ومعه يُولد الطمع، وقد حذر السيد المسيح في الإنجيل بحسب البشير لوقا 12: 15 من ذلك.

السبب الثالث: وهو أن نتيجة السبب الأول والثاني تجعل الإنسان يهتم بالأخذ أكثر من العطاء، لأنه بدأ يحب المال ويتعلق به، وهذا ضد تعاليم السيد المسيح والإنجيل، التي تدعو الإنسان أن يُعطي أكثر مما يأخذ.
السبب الرابع: وهو أن محبة المال، تجعل الإنسان عبدا له، فالمال صُمم ليكون خادما للإنسان في احتياجاته، لا ليكون سيدا يتحكم فيه ويستعبده! (الإنجيل بحسب البشير متى 6: 24).

النظرة الإلهية للمال

– في ختام هذه الفكرة نقول إن الله لم يتركنا دون توضيح عن فكره تجاه المال والماديات والغنى، بل كشف لنا الخطوط الأساسية لذلك، فلم تصرح المسيحية بأنها ضد الأغنياء، أو أن المال شر، أو تدعو للزهد فيه، بل وضحت أن محبته والتعلق به هي أصلٌ لكل الشرور.

– المال “منحة” من الله وهو الذي أعطانا القدرة والمهارة لإكتسابه.

– المال “غير يقيني”؛ أي غير مضمون؛ لذا لا يمكنك أن تكون عاقلا فتتكل عليه أو تظنه ثابتا!

– المال “وكالة” من الله، نحن وكلاء ويسيأتي اليوم لنعطي أمام الله حسابا عن ماذا فعلنا به خيرا كان أم شرا!

– المال لا يمكنه أن يشتري السعادة أو الصحة أو راحة البال.. فكل هذه الأمور أساسها العلاقة الحقيقية مع الله، عندما تسلم حياتك وقلبك للسيد المسيح وتؤمن به ربا ومخلصا لحياتك.

*صلاة: اللهم أشكرك لأجل عطاياك الثمينة.. شكرا لأجل كل مال منحته لي، علمني يا سيدي أن أكتفي بما عندي مثبتا عيون قلبي عليك يا مُشبع بالخير عمري.. أمين.

مفهوم البركة في المسيحية

“ربنا يباركلك فيها”..!

“يجعل لك في كل خطوة سلامة”..!

“يرزقك- يا رب- من حيث لا تحتسب”!

“البركة رزق مش كُتر”.

مَن مِنا لم يسمع هذه الكلمات من أحد والديه، أو من شخصٍ عزيز عليه، أو شخص يقوم بالدعاء له..؟ مَن مِنا لم يقل هذه الكلمات في ظروفٍ مختلفة، أو مناسباتٍ عديدة..؟ لكن، تُرى هل توقفتَ، عزيزي، ولو لحظات، أمام هذه الكلمات، وتفكرت وتدبرت في معانيها؟

هل سألتَ نفسكَ ما الذي تعنيه كلمة “بركة”؟ وهل البركة مرتبطة فقط بالماديات “الفلوس”؟ هل الله، جل جلاله، وتعاظم شأنُه، يبارك جميع البشر؟ أم يختار بشرا بعينهم ليباركهم؟

وهل مفهوم البركة لدى الله يختلف عن مفهومه لدى الإنسان؟

هل الله يبارك أتباع دين معين والباقون “ملعونون” يعانون ويكدحون في الحياة؟

أخيرا وليس آخر: هل يختلف مفهوم البركة من دينٍ لآخر..؟!

يكشف لنا الكتاب المقدس في أولى أسطر صفحاتِه عن فِكر الله تجاه البركة، إذ يشكف لنا عن أن مشيئة الله للبشرية جمعاء بل وللأرض برُمتها هي البركة والإكثار والإثمار.

لذا تعالوا أولا نمر مرورا سريعا على المعنى اللُّغوي لكلمة بركة بحسب قواميس الكتاب المقدس.

عندما نتتبع المواضِع التي ذُكِرت فيها كلمة بركة عبر صفحات كتابنا المقدس نجد أنَّ معانيها أتت على نحو أنها تَعني “مدحا، تهنئة، تحية”، بل وتستخدم أحيانا بمعنى “سعادة”، وتعني أيضا النماء والزيادة والتضاعُف.

ونجد أنها أولى الوصايا الكتابية التي وردت في الكتاب المقدس؛ إذ قال الرب للجنس البشري، وأوصاه، “وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».” (تكوين 1: 28).

ولو أردنا أن نُبحر عبر رحلةٍ عقلية بسيطة نستكشف بها منطقية البركة تعالوا نرى كيف يُحب الأب أولاده!

نعم الأب..!

فالله يحبنا نفس نوع محبة الأب لابنه، هنا لو أخذت بضع دقائق تفكر في مظاهر محبة الأب لابنه، ونوع الحياة التي يتمناها أي أب لابنه سيتبادر لذهنك أولا وقبل أي شيء العبارة الشهيرة الخالدة التي كثيرا ما رددها آباؤنا على مسامعنا وهي “الأب هو الوحيد اللي بتمنى يشوف ابنه أحسن منه”.

هذه الجملة المألوفة العبقرية .. أوجزت فأنجزت كل ما نريد قوله.

فالأب يريد لابنه أحسن تعليم

أحسن صحة.

أحسن مستوى مادي واجتماعي

أفضل تربية وأخلاق وخِصال حميدة

مستوًى معيشيا جيدا

أن يكون ناجحا متفوقا متميزا في حياته الشخصية والعامة.

نافعا لنفسه ولأسرته ومجتمعه ووطنه.

يريد لابنه أن يحيا في أمن وأمان

يريد له أن يكون مرتاح البال في طمأنينة وسكينة

يريد له السعادة

يريد أن يؤمِّن مستقبله

إلى ما آخر القائمة التي تضمن للابن حياة مُبارَكة

وكل أب مقتدرا كان أو ليس، يبذُل كل ما في وسعه ليلَ نهار من جهد وكد وتعب واجتهاد من أجل إسعاد بنيه وتوفير حياة كريمة لائقة لهم.

وهذه هي البركة.. البركة هي ثمرة ونتيجة وتفعيل محبة شخص لشخص آخر.. محبة مُترجَمة لأفعال عملية لها أثر وواقع على حياتي كإنسان.

ثق يقينا عزيزي أن محبة الله لك أعمق وأكبر وأضخم بكثير من محبة أبيك الأرضي لك.

والله يريد لك أن تحيا حياة آدمية إنسانية كريمة في كل زوايا حياتك. “أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ.” (رسالة يوحنا الحبيب الثالثة 1: 2).

نعم هذا يتناقض مع كل ما سمعناه وتوراثناه عن أن الله خلقنا ليبتلينا ويمتحن صبرنا وأن “الأرض” دار عناء وشقاء ومِحن وأن من يحبه الله يبتليه.

هنا لزاما علينا الثورة على كل موروثات تتنافى مع العقل والمنطق والفطرة والإنسانية.

وحريٌّ بنا التنويه والتأكيد أن سمة أنواع عديدة للبركة، وأن البركة ليست مادية فقط.

لكن الله أيضا لا يريد خَلْق بشر متواكلين اعتماديين؛ لهذا لا يفعل الله شيئا بمعزل عن إرادة الإنسان ودوره؛ لهذا سنتناول في المقالات القادمة بشيءٍ من التفصيل أن البركة مسؤولية مشتركة بين الله والإنسان، يبدأها الله بنفسه؛ لأنه دائما ما يمتلك روعة المبادرة، لكن لن تتحقق هذه البركات دونما يقوم الإنسان بدوره على أكمل وجه.

تطبيق بسيط: ابحث عبر كتابك المقدس عن أنواع البركة مستشهدا بآية أو واقعة لكل نوع.

الفرق بين الوحي في المسيحية والأديان الأخرى

  • هل الكتاب المقدس هو كتاب مُنزل (موحى به) من الله؟
  • كيف لكتاب مكتوب بواسطة البشر أن يكون وحيا من الله؟
  • هل مفهوم الوحي في المسيحية يختلف عن مفهومه في الأديان الأخرى؟
  • هل الكتاب المقدس منتج إلهي أم بشرى أم كليهما؟

هل جالت هذه الأسئلة وغيرها في عقلك ولا تجد إجابة شافية أو مقنعة لها، أدعوك عزيزي القاريء لنكتشف معا تلك الحقائق.

الوحي في المسيحية – المفهوم والمعنى الصحيح!

كما أشرنا في مقال سابق عن مفهوم الوحي في المسيحية أنه “أنفاس الله” أو “نفخة الله”، وعلى الرغم من أن الكتاب المقدس هو كلمة الله وأنفاسه لنا، فهذا لا يعني إطلاقا أن الله أنزله تنزيلا.  لكن الله اختار أشخاصا لهم علاقة روحية معه، لينطقوا ويسجلوا ما يريده الله في أشكال أدبية متنوعة مستخدما ثقافاتهم وأفكارهم ولغتهم وعاداتهم بل وظروفهم الشخصية (أي دون إلغاء لشخصياتهم) لكن حدث كل ذلك تحت سيطرة تامة وفائقة من روح الله القدوس بحيث كل ما كتبوه – معنى ولفظا – هو ما أراده الله تماما بكل دقة دون أي خطأ (العصمة).

المفاهيم الخاطئة – الفرق

– الوحي في المسيحية ليس تنزيلاً أو إملاءً أو كما قلنا في المرة السابقة ليس “حصة إملاء”، بل هو نتاج مشترك بين الله (المُرسل) صاحب الكلمة والمهيمن بروحه والبشر”الكاتب/ أداة الوحي”، فيبدو الأمر كما لو كان الله يؤلف تحفة موسيقية باستخدام مجموعة من العازفين تتكون من أربعين شخصا، فكر – عزيزي القارئ – في المايسترو الكبير الذي قام بتأليف المقطوعة لكنه استخدم لعزفها مجموعة آلات متنوعة لأغراض مختلفة وفي النهاية خرجت لنا بكل دقة “سيمفونية” رائعة كما يريدها المايسترو تماما.
– الوحي في المسيحية لا يرتبط بمواقف معينة – أسباب تنزيل-  تُنزل فيها آيات من عند الله لحل مشكلات محددة تواجه الأنبياء، لكنه هو رسالة الله إلى بنى البشر التي تحكي خطة وطريق الله الوحيد للخلاص والفداء.

فلا يوجد ما يسمى “أسباب للنزول” لأن الله العالم بكل شئ الذي لا يحد معرفته زمان أو مكان يرسل كلماته على لسان أنبيائه بنبوات قبل حدوثها بعشرات القرون!

الوحي في المسيحية ليس لإرضاء البشر أو تماشيا مع أهوائهم وما يريدونه، بل هو دستور الله الكامل ووصاياه الطاهرة المقدسة وأفكاره السامية نحونا نحن البشر.

– كُتاب الوحي في المسيحية ليسوا معصومين من الخطأ في حياتهم إلا عند كتابة الوحي وفيما يخص كتابة الوحي فقط.

– الوحي في المسيحية ليس هدفه سردا تفصيليا للأحداث التاريخية وقصص الأولين، بل هدفه توصيل رسالة محبة الله للبشر. إلا أنه يعبر عن تاريخ الله المقدس مع شعبه والمتوافق مع الاكتشافات التاريخية وماذكره المؤرخون وعلماء الآثار.

 – الوحي في المسيحية ليس هدفه أن يقول لنا كيف نأكل ونشرب أو نمارس طقوسنا من صوم وصلاة وصدقة أو كيف نرتدي ملابسنا أو كيف نمارس واجباتنا الزوجية ونربي أولادنا، صحيح مما لا شك فيه أنه يوجد به العديد من الوصايا والأفكار التي تساعدنا في حياتنا العملية، لكن هذا ليس الهدف أو الغاية. بل الهدف إعطاؤنا فكر الله وتجديد أذهاننا وتغيير قلوبنا وكشف خطة ومشيئة الله للإنسان.

أخيرا، يمكننا أن نقول إن “الكتاب المقدس” هو وحي الله المعصوم – لفظا ومعنى – وهو منتج إلهي بشري نتاج مشترك بين الله الذي سيطر وهيمن بروحه على كُتاب الوحي – عاصما إياهم – من الخطأ ليكتبوا ما يريده الله في رسالة للبشر.

وسنتناول في سلسلة مقالات متتالية جارٍ إعدادُها عن الفرق بين الوحي والإعلان، وكيفية تفسير الكتاب المقدس بطريقة صحيحة وفقا لأسس وقواعد سليمة، وكيفية قراءته بشكل صحيح.

الوحي في المسيحية

لم يكن حصة إملاء

في عام 2013، فوجئ طلاب الثانوية العامة في مصر بسؤال في امتحان اللغة العربية يطلب جمع كلمة “وحي”، وصار هذا واحدًا من أشهر الأسئلة الغريبة في تاريخ امتحانات الثانوية العامة في مصر، وكُتِبت بسبب هذا العديد من المقالات التي تحلل كلمة “وحي”، وتحاول معرفة هل يمكن جمعها أم لا. وتشير كلمة وحي في المعاجم العربية إلى ما يُخبر به الشخص، ويشار إلى الوحي الإلهي بأنه “مَا يُوحِي بِهِ اللَّهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مِنْ كَلاَمٍ لِعِبَادِهِ”، والجمع وُحِيّ. ويخلط البعض بين الوحي والإلهام بالنسبة للفنانين والشعراء.

تؤمن المسيحية أن “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16)، وتؤمن أيضًا “لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ”. (رسالة بطرس الرسول الثانية 1: 21).

ما هو الكتاب المقدس؟

يحتوي الكتاب المقدس على 66 سفرًا، وكلمة سفر تعني “كتاب”، تنقسم إلى: عهد قديم (39 سفرًا)، وعهد جديد (27 سفرًا). يضم العهد القديم أسفار التوراة وأسفارًا تاريخية، وأسفار الأنبياء، وأسفارًا أدبية وشعرية، أما العهد الجديد فيحكي قصة حياة السيد المسيح، وسفر يسمى أعمال الرسل يحكي نشأة الكنيسة الأولى، ومجموعة أسفار هي عبارة عن رسائل من تلاميذ المسيح ورسله للكنائس الناشئة، ثم سفر أخير يسمى سفر “الرؤيا”. كُتب العهد القديم بعدة لغات منها العبرية والآرامية، وكُتِب العهد الجديد باليونانية.    

السمة العامة لهذه الأسفار أو الكتب المتنوعة أنها تُنسب لأشخاص؛ أنبياء أو رُسُل. كتب هذه الأسفار 40 كاتبًا، من خلفيات ثقافية ومِهَن مختلفة، ومن مناطق جغرافية متباينة، على مدى 1500 عامٍ في ظروف تاريخية متغيرة.

كيف يمكن أن نعتبر هذه الكتابات البشرية وحيًا إلهيًّا؟

بالعودة إلى الآية التي وردت في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16، نجد العبارة “مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ”، وهي تأتي في اللغة اليونانية الأصلية بمعنى نفخ، وتركيب الكلمة في الأصل اليوناني يأتي في المبني للمجهول، وعليه تكون ترجمة «موحى به من الله» أي «نُفِخت من الله»، بمعنى أن الكتب المقدسة صيغت بروح الله. ولذلك كثيرًا ما تجد في أسفار الكتاب المقدس عبارة: “هكذا تكلم الرب…”، أو “كلمة الرب التي صارت إلى…”.

لذا فليس معنى الوحي في المسيحية أن الله قد أملى على الكتَّاب ما يكتبونه، لكن أن كلًّا من هؤلاء الكتاب قد كتب بأسلوبه ووفقًا للغته ومستواه التعليمي والثقافي، وحتى وفقًا للسياق الحضاري الذي كان يعيش فيه، لكنه كان مسوقًا -أي منقادًا بروح الله- في كتابته، وهذا ما قاله بطرس الرسول، أحد تلاميذ المسيح، في رسالته الثانية، التي ذكرناها في بداية هذا المقال. فهؤلاء الكتَّاب عبَّروا عن الإعلانات التي تلقوها من الله، بألفاظ من مخزونهم اللفظي واللغوي، بما يتناسب مع لغة الجمهور المتلقي.

يحكي الكتاب المقدس قصة تعامل الله مع البشر منذ خلق العالم، وسقوط الإنسان في الخطية وعصيانه ضد الله، وخلاص الله للإنسان في شخص السيد المسيح، ورغم تعدد الكتَّاب واللغات والأزمنة والنطاق الجغرافي لكل كاتبٍ، فإن قصة الكتاب المقدس تأتي متوافقة ومتناغمة، لأن المصدر واحد، هو الله الواحد الحي.

الله.. أنا.. الدين!

هل شاهدت من قبل فيلم “ترازان”؟ إذا كانت إجابتك “لا”، فدعني أخبرك بقصة الفيلم باختصار.

يحكي الفيلم عن طفل شاءت ظروفه أن يتربى في الغابة بين مجموعة من القرود، ولم يحتك بإنسان قط حتى وصل إلى سن الشباب. وفي قلب كل هذا تدور مجموعة من الأحداث لا مجال لذكرها هنا. لكن أهم ما في الأمر هو ما تشكلت عليه شخصية هذا الطفل والتي اكتسبت الكثير من طبيعة الحيوانات في الغابة.

كائنات علاقاتية

ماذا أريد أن أقول من هذه المقدمة؟ إننا كائنات علاقاتية؛ بمعنى أننا نتشكل وفقًا للعلاقات التي نكوِّنها وندخل فيها، وأن هذه العلاقات تغير في طبائعنا وصفاتنا وأخلاقياتنا أيضًا.

لكن من أين اكتسب الإنسان هذه الطبيعة العلاقاتية؟ في رأيي أنه اكتسب هذه الصفة من نفس المصدر الذي اكتسب منه صفة العقل والتفكير. من مصدر محب للعلاقة مع الإنسان والتواصل معه. هذا المصدر هو الخالق، الله، عزَّ وجلَّ. وما دمنا لا نستطيع العيش بدون علاقات مع المحيطين بنا، فإننا لا نستطيع أن نعيش بدون علاقة مع الله.

الدين والعلاقة مع الله

وهنا يواجهنا سؤال في غاية الأهمية؛ هل العلاقة مع الله هي شكل من أشكال الدين؟ وما الفرق بين ما يحتويه الدين من عقائد وشرائع والعلاقة مع الله؟ هل بمراعاتي لأي نوع من الوصايا أكون بهذا قد أقمت علاقة مع الله؟ وما الهدف أصلًا من العلاقة مع الله؟ وكيف أصل لوجود علاقة مع الله؟

ولكي نستطيع أن نجيب عن هذه الأسئلة علينا أن نتعرف أولًا على الفروق بين المصطلحات دين أو ديانة، وعلاقة.

تتفق المعاجم العربية -كالصحاح، ولسان العرب- على أن كلمتي دين وديانة تأتيان من الجذر (دان). وتشير إلى ما يتديَّن به الإنسان وما يُتَعبَّد به. والدِّين (بكسر الدال) كلمة كبيرة تشتمل على مجموعة كبيرة من العقائد (المعتقدات، الأفكار) والشرائع (الوصايا، القوانين). أما كلمة علاقة فتشير في معناها إلى الصلة، وتُبنى العلاقات بمختلف أنواعها على الثقة المتبادلة والتواصل الفعال… إلخ.      

وهكذا نستطيع التفريق بين الالتزام بمجموعة معتقدات وأفكار، والانتماء لها، واتباع مجموعة من الشرائع والوصايا والأوامر والنواهي، وهذا ما يطلق عليه التدين، أو الدين أو الديانة. وبين التواصل الفعال مع الله، الخالق، مصدر حياتنا، والعيش في علاقة معه.

التغيير الداخلي

ربما صادفتك أخبار حول قيام بعض المتدينين بأفعال مشينة أو غير أخلاقية أو جرائم، وتتساءل:

كيف يمكن لهؤلاء المتدينين أن يرتكبوا مثل هذه الأفعال؟ والإجابة هي أن التدين واتباع القوانين والشرائع الدينية لا يغير من طبيعة الإنسان، وربما تكون مجرد مسكِّن لضميره، وربما يستغلها لتبرير كل ما يفعل. لكن ما الذي يستطيع أن يغير الإنسان من الداخل، ويجعل سلوكه الإنساني متوافقًا مع ما يدعيه، وحدها العلاقة مع الله والتواصل معه هي ما تستطيع أن تغير الإنسان، فتجعله يفعل الخير لا خوفًا من الله بل محبةً له، وليس من أجل إتمام واجبات دينية، بل لأن هذا هو ما يفرح الله.

بالعودة إلى قصة ترازان، اختتمت القصة بتمكُّنِ مجموعة من الباحثين من العثور على ترازان واصطحبوه معهم إلى المدينة؛ بمعنى أن حياته قد تغيرت. والعلاقة مع الله لا تهدف فقط إلى إشباعنا، بل إلى تغييرنا، وإلى ضبط مسار علاقتنا بأنفسنا وعلاقتنا بالآخرين المحيطين بنا. والسؤال الآن هل لديك علاقة بالله تستطيع تغييرك من الداخل وإشباعك؟

(4) لستُ هكذا

س: كيف تؤمنون أن الله ينجب ولدًا؟ ولماذا ليس لديه أكثر من ولد؟

لا، نحن لا نؤمن بهذا، حاشا لله أن يتزوج وينجب… ولا يوجد مسيحي يقول إن الله له ولد من زوجة. أما اسم ابن الله الموجود في الكتاب المقدس، والذي نؤمن به، فنتعرف عليه ونفهمه من خلال آيات الكتاب المقدس وايماننا المسيحي.

أولًا – آيات الكتاب:

“الله روح لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبر” (يوحنا 1: 13). بمعنى أن ظهور الله في جسد المسيح أعلن لنا محبة الله وطبيعته؛ لأن الله روح غير مرئي. ظهوره في الجسد إعلان عن نفسه، بمعنى أن الابن ليس ناتجًا عن علاقة جنسية ولا زواج، لكن حلول روح الله كاملًا في جسد المسيح يعني بنوة ذاتية، مثلما بنقول مثلًا “ابن السبيل”، فهذا ليس معناه أن السبيل تزوج أو أنجب. ومثلما قال الكتاب عن يهوذا أنه “ابن الهلاك” (يوحنا 17: 12) هذا ليس معناه أن الهلاك تزوج وأنجب يهوذا، ومثل أيضًا “ابن النيل” و”ابن مصر”.. وأمثلة كثيرة.

وعندما قال السيد المسيح عن نفسه إنه ابن الله، مزق اليهود ثيابهم غضبًا؛ لأنه حسب نفسه معادلًا لله؛ بمعنى أنهم فهموا اليهود اللفظ بطريقة صحيحة. (متى 26: 65 ومرقس 14: 63)

هل أنت ابن الله؟ أجاب المسيح عن هذا السؤال قائلًا: “أنا هو”، ولهذا السبب صُلب، ولهذا أيضًا فهم اليهود كلامه أنه الله الظاهر في الجسد، وليس ابنًا بعلاقة جنسية، حاشا لله!

في يوحنا 10: 30، قال السيد المسيح: “أنا والآب واحد”، يعني ليسا اثنين. إذن من أين جاءت هذه الفكرة المغلوطة عن الإيمان المسيحي؟

جاءت الفكرة من الخلط بين النصارى أو (المريميين) من ناحية، والمسيحيين. ورغم أن الفارق كبير جدًّا بينهم، لكننا سنوضحه باختصار: النصارى أو (المريميون) كانوا يؤمنون بالله الآب ويسوع الابن ومريم العذراء الأم والثلاثة بالنسبة لهم آلهة؛ مثل الثالوث المصري إيزيس وأوزوريس وحورس ابنهما. ورفضت الكنيسة هذا الفكر، وطردت معتنقيه؛ لأنه لا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس تشير إلى أن مريم إلهة، أو أن يسوع جاء من علاقة جنسية، حاشا لله! لذلك الخلاف الرئيسي هنا هو مع النصارى، وليس المسيحيين؛ لأن المسيحيين مؤمنون بيسوع المسيح، الله الذي ظهر بروحه في الجسد، والذي تنبأ عنه العهد القديم بأكثر من 33 نبوة؛ في التوراة وكتب الأنبياء ومزامير داود. باختصار، الله لم يتزوج ولم ينجب، ونحن لا نؤمن بهذا.

لستُ هكذا (٩)

س: كيف تعبدون إنسانًا وتجعلونه إلهًا؟

لا، الأمر ليس كذلك.

المسيح ليس إنسانًا ونحن جعلناه إلهًا… هذه كدبة يحاول الشيطان أن يخدع بها الناس؛ لأن المسيح إله أخذ صورة إنسان وليس العكس… ولقد تحدثنا قبل ذلك حول نبوات العهد القديم عن ظهور الله في الجسد… وعندما نتعامل مع شخص المسيح وطبيعته سنفهم أن العكس هو الذي حدث؛ بمعنى أن الإله حلَّ في جسد إنسان (يوحنا 1: 14).

فمثلًا، الميلاد المعجزى للمسيح وهذا ليس كل الأمر، لكننا نذكر الأمور بالترتيب؛ ميلاده من عذراء ليس لها رجل بدون علاقة جنسية، وهذا يختلف كليًّا عن آدم وحواء؛ لأن آدم خُلق من التراب ولم يولد، وحواء أُخِذت من ضلع من آدم ولم تولد، ولأن في هذا الوقت كان آدم أول الخليقة؛ فثمة منطق أن يكون هكذا، وحواء أيضًا. لكن بعد آلاف السنين والأزواج والزوجات موجودون، لا يكون من المنطقي أن يولد المسيح هكذا ما لم يكن هذا غرض الله.. والكتاب من أول سفر في التوراة يقول إن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين 3: 15)… لم يقل “نسل الرجل”.

وأيضًا في بشارة الملاك للعذراء مريم يقول لها: “القدوس المولود منكِ… ويخلص شعبه من خطاياهم” (متى 1: 21).

وشهادة يوحنا المعمدان عنه عندما سأله اليهود، وحتى قبل أن يسألوه عندما رأى المسيح، وقال: “هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يوحنا 1: 29).

وعندما قال: “بينكم الذي يعمد بالروح”، وقال: “في وسطكم الذي لا تعرفونه ولست مستحقًّا أن أحل سيور حذائه” (يوحنا 1: 27).

ويسوع أيضًا قال عن نفسه: “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء” (يوحنا 3: 13).

إضافة إلى ذلك شفى المسيحُ المرضى، وطهر البرص، وفتح عيون العميان، وأقام الموتى، وخلق، وصعد إلى السماء بعد القيامة، قام من الموت وهزمه. المسيح هو كلمة الله، روح الله. قال: “أنا في الآب والآب فيَّ” (يوحنا 14: 10).. إذًا هو إله أخذ صورة إنسان وليس العكس (فيلبي 2: 7).

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع