السيد المسيح.. كلمة الله المتجسد!
ليس السيد المسيح كلمة مثل أية كلمة نطق بها الله، مثلما قال “ليكن نور “، أو مثل الوصايا العشر، أو مثل أقوال الله على لسان الآباء والأنبياء والرسل، فكل هذه الكلمات داخلة في إطار الزمن. أما المسيح كلمة الله هنا؛ فهو أقنوم الكلمة، وهو فوق الزمن، وهو شخصٌ حقيقي فعَّال أزلي، هو الخالق ” بكلمة الرب صُنِعت السموات” (مزمور 33: 6) وهو الشافي ” أرسل كلمته فشفاهم” (مزمور 107: 20).
وتتكرر عبارة “كلمة الله” كثيرًا في الكتاب المقدس، ويمكن أن يختلف معناها قليلًا، بحسب السياق الذي تُستخدم فيه، وأيضَا الأصل العبري أو اليوناني للكلمة. من هنا يجب أن نُفرق ما بين كلمتين، هما “لوجوس”، و”ريما”.
يقول القديس يوحنا في (1: 1-2)، “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ”. وهنا “الكلمة” هو لقب الرب يسوع، الأقنوم الثاني. والمصطلح المترجم “كلمة” هو لوجوس (Logos) ، الذي يعني “التعبير عن الفكر”.
وعندما قال الإنجيل هذه الآية، ففيها، نجد إجاباتٍ لأسئلةٍ ثلاثة، تُساعدنا في التعرف على أقنوم الكلمة، وهي:
س 1: متى كان الكلمة؟
ج1: كان الكلمة في البدء.. البدء الذي ليس قبله بدء، والبدء هنا يساوي الأزل.
س 2: وأين كان الكلمة؟
ج2: كان الكلمة عند الله الآب، أو نحو الله الآب، أو في حضن الآب ” الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب”(يوحنا 1: 18)؛ لذلك لم يكف السيد المسيح عن تأكيد كينونته في الآب دائمًا وأبدًا، وقول الإنجيل هنا ” والكلمة كان عند الله “؛ لإظهار التمايز بين أقنوم الكلمة وأقنوم الآب، فهما أقنومان وليسا أقنوما واحدا.
س 3: من هو الكلمة؟
ج3: الكلمة هو الله “، وكان الكلمة الله “ ورغم إن الكلمة مؤنث، لكن الإنجيل لم يقل وكانت الكلمة، بل قال وكان الكلمة، لأن المقصود بالكلمة هنا ليس الكلمة المنطوقة، إنما أقنوم الكلمة. وإن كان الإنجيل في العبارة السابقة ” والكلمة كان عند الله “ ميَّز بين أقنومي الابن والآب، فإنه في هذه العبارة ” وكان الكلمة الله “ يؤكد إن الأقنومين إله واحد، وليسا إلهين.
كما قال الإنجيل “والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا” (يوحنا 1: 14)؛ ما يعني أنه في ملء الزمان تجسد أقنوم الكلمة، وتأنس في شخص رب المجد يسوع المسيح إلهنا، وشهد الآباء الرسل بهذا “الذي كان من البدء. الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا” (رسالة يوحنا الأولى 1: 1، 2).
وفي سفر الرؤيا رآه الرائي “وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلاَّ هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويُدعى اسمه كلمة الله” (رؤيا 19: 12، 13).
ويمكن تفسير لوجوس بمعنى رسالة الله الكاملة للإنسان مثلما جاء في (تسالونيكي الأولى 2: 13). مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ.
تدر المُلاحطة أن كلمة اللوغوس قد استُخدمت في الفلسفة اليونانية؛ للتعبير عن العقل الكوني، فاللوغوس هو العقل الإلهي الكائن في الذات الإلهية، منذ الأزل. إن الكلمة هو العقل الإلهي، أو القوة المدبرة للكون”.
“ريما” (Rhema) هي كلمة يونانية أخرى، تُستخدم بمعنى “كلمة”. وتشير إلى كلام الله المنطوق، أو المكتوب، مثلما جاء في (عبرانيين 6: 5). وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي.
عندما كان يسوع يُجرَّب من قِبل إبليس، أجابه: “مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ” (متى 4: 4). كما تقول لنا رسالة أفسس 6: 17 “وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ (ريما) اللهِ”. وقد أوضح لنا يسوع أننا بحاجة إلى كلمة الله المكتوبة؛ لكي نتغلب على هجمات إبليس.
تجدر الإشارة أن عبارة “كلمة الله”، تَعني أكثر من مجرد كلماتٍ مطبوعة على الورق. الله يتواصل معنا، وهو يتكلم مع البشر منذ البداية، من خلال:
هل يشهد القرآن أن كلمة الله يتجسد في جسم مادي؟
من الضروري بمكان معرفة أن القرآن يشهد بأن السيد المسيح هو كلمة، إذ قد نظن لأول وهلة، أن هذا الأمر مستحيل، ولكننا سنثبت إمكانية ذلك من الآيات القرآنية؛ حتى تكون هناك أرضية حديث وتفاهم مُشتركة:
1- سورة النساء آية 171 :
“إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه”.
2- سورة آل عمران آية 39 :
(إن الله يبشرك بيحيى (أي يوحنا المعمدان) … مصدقاً بكلمة من الله).
3- سورة آل عمران آيه 45 :
” إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ” ولعلك تلاحظ إشارته إلى الكلمة ” بضمير مذكر في قوله بكلمة منه اسمه ” ولم يقل ” بكلمة منه اسمها “.
نحن نؤمن أن المسيح هو: كلمة الله، إذ يقول الإنجيل “في البدء كان الكلمة … وكان الكلمة الله” (يوحنا 1: 1). ويكمل الإنجيل موضحا أن كلمة الله هذا قد تجسد في إنسان بقوله: “والكلمة صار جسداً” (يوحنا 1: 14). أي إن كلمة الله قد حل في جسد المسيح، وتجلى فيه. ولفظة (كلمة) التي ذُكرت في الإنجيل هنا يشار إليها على أنها مذكر فيقول (في البدء كان الكلمة)، وليس (كانت الكلمة)، وأيضا في قوله:”والكلمة صار جسداً” وليس (الكلمة صارت جسدا). فلفظة “الكلمة” هنا إذاً تدل على أنها ليست مجرد كلمة عادية، لأن الكلمة العادية مؤنثة، وليست مذكرا. وحيث إن لفظة الكلمة بالإنجيل هنا يشار إليها على أنها مذكر إذن فالمقصود بها هو أنها (الله نفسه)، كما جاء في الإنجيل المقدس “وكان الكلمة الله” (يوحنا1:1).