القائد الوديع في خدمة القطيع!
عندما أشار المسيح إلينا بأننا “قطيع”، لم يكن يتحدث بأسلوب رقيق. فإن الخراف، في الواقع، تعتبر ضمن أغبى الحيوانات في الخليقة. فالخروف الشارد، حتى وأن كان على مرمى السمع من القطيع، يصبح تائها ومشوشا وخائفا وغير قادر على تمييز طريق العودة إلى القطيع. وربما يكون الخروف الضال أضعف كل الخلائق لعدم قدرته على مقاومة المعتدين الجائعين وإبعادهم. ومن المعروف أن قطعانا كاملة من الخراف تعرضت للغرق في أوقات السيول أو الفيضانات، حتى وإن كانت على مرمى البصر من أراض مرتفعة، يمكن الوصول إليها بسهولة. وسواء أعجبنا هذا أم لا، فإنه عندما أشار إلينا المسيح على أننا خرافه، فإنه كان يعني أننا دون راع، نكون بلا حول ولا قوة.
يقوم الراعي بعدة أدوار بالنسبة للقطيع. فهو يقود ويطعم ويغذي ويعزي ويقوم ويحمي القطيع. إن راعي قطيع الرب يقود بأن يكون قدوة في القداسة والبر في حياته الخاصة، وأن يشجع الآخرين على اتباع مثاله. إن المسيح، بالطبع، هو المثال الأسمى الذي يجب أن نتبعه. وقد أدرك الرسول بولس هذا: “كُونُوا مُتَمَثلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضا بِالْمَسِيحِ” (كورنثوس الأولى 11: 1). إن القائد المسيحي شخص يتبع المسيح ويلهم الآخرين لكي يتبعوه بدورهم.
إن القائد المسيحي هو أيضا شخص يطعم القطيع ويغذيه، و”طعام القطيع” الأفضل هو كلمة الله. وكما يقود الراعي قطيعه إلى أفضل المراعي الخضر حتى يتغذوا ويتقووا، فكذلك القائد المسيحي يغذي قطيعه بالطعام الوحيد الذي ينتج مؤمنين أقوياء وأصحاء. إن الكتاب المقدس- وليس علم النفس أو حكمة العالم – هو الغذاء الوحيد الذي ينتج مؤمنين أصحاء. “… ليْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَل بِكُل مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرب” (تثنية 8: 3).
والقائد المسيحي يعزي قطيعه أيضا، ويضمد جراحهم ويضع عليها بلسم الحنان والمحبة. لقد وعد الراعي الأعظم، الرب نفسه، أن “أَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ” (حزقيال 34: 16). إننا كمؤمنين نعيش في العالم اليوم، نعاني من جروح كثيرة في أرواحنا، ونحن بحاجة إلى قادة محبين يحملون أثقالنا معنا، ويتعاطفون مع ظروفنا ويصبرون علينا ويشجعوننا بكلمة الله ويأتون بمشكلاتنا أمام عرش الآب.
وكما أن الراعي يستخدم عصاه لكي يجذب خروف شارد للرجوع نحو القطيع، هكذا أيضا فإن القائد المسيحي يُقوِّم ويؤدب من هم تحت مسؤوليته عندما يشردون بعيدا. ولكن دون غل أو حقد أو غطرسة بل “بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ” (غلاطية 6: 1)، فيجب على القادة أن يقوموا بدورهم وفق المباديء الكتابية. إن التقويم أو التأديب لا يكون أبدا خبرة مُسرة لأي من الطرفين، ولكن القائد الذي يفشل في هذه الناحية لا يُظهر المحبة لمن هم في رعايته. “لأَن الذِي يُحِبهُ الرب يُؤَدبُهُ…” (أمثال 3: 12)، ويجب أن يتبع القائد المسيحي مثال الرب.
الدور الأخير الذي يقوم به القائد المسيحي هو حماية القطيع. إن الراعي الذي أهمل في هذا الدور سرعان ما وجد أنه يفقد الخراف باستمرار أمام الخاطفين الذين يحومون حول القطيع – بل وأحيانا يتخفون في وسطه. إن الخاطفين اليوم هم من يحاولون جذب الخراف بعيدا بالتعاليم الكاذبة، وإهمال الكتاب المقدس باعتباره كتابا عتيقا وغير وافٍ أو يصعب فهمه. إن هذه الأكاذيب تنتشر بواسطة من حذرنا المسيح منهم بقوله: “احْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلاَنِ وَلَكِنهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!” (متى 7: 15). يجب على القادة حمايتنا من التعاليم الكاذبة التي يقدمها، من يريدون إبعادنا عن حق كلمة الله، وحقيقة أن المسيح وحده هو طريق الخلاص: “أَنَا هُوَ الطرِيقُ وَالْحَق وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلا بِي” (يوحنا 14: 6).
قال أحد رجال الله: “في إطار الخطة التي رسمها الله للكنيسة، فإن القيادة هي دور خدمة محبة متواضعة. إن قيادة الكنيسة هي خدمة وليست إدارة. إن من يعينهم الله كقادة مدعووين ليس كملوك حاكمين، بل كعبيد متواضعين؛ وليس كمشاهير لامعين، بل كخدام عاملين. إن من يقودون شعب الله يجب أن يكونوا قدوة فوق كل شيء في التضحية والالتزام والخضوع والتواضع. لقد قدم المسيح نفسه نموذجا عندما انحنى ليغسل أرجل التلاميذ، وهي مهمة كان من المعتاد أن يقوم بها أقل العبيد شأنا (يوحنا 13). إذا كان رب الكون يرتضي أن يفعل ذلك، فلا يملك أي قائد كنسي الحق في أن يتعالى على الآخرين”.