١- قلب الله الأبوي (ما بين الآب السماوي والأب الأرضي!)

الدرس الأول: لا بد أنك سمعت، على الأقل، ولو مرة عن تعبير “أبوة الله”، لكن ماذا تعني أبوة الله؟ وهل الله فعلا أب لنا؟!

  • مُقدمة.
  • حاشا لله أن يتزوج!
  • مَن هو الآب السماوي؟!
  • أعظم من الأب الأرضي.

مُقدمة

يظن البعض أن الله “ضابط شرطة”، يقتفى أثر الهاربين منه؛ حتى يقبض عليهم ويعاقبهم! ويظنه البعض الآخر بعيدا كما السموات، لا يهتم بما يجرى أو يحدث فى عالمنا.

وقد يصوره البعض على أنه سيد قاسٍ جبار، بلا رحمة أو شفقة وترفق، لكن بمجئ السيد المسيح إلى عالمنا متجسدا، لم نعد فى ظلام عدم معرفة الله. بل أصبحنا نعرف، من خلال حياته، أن الله أب محب رحيم، وراعٍ صالح!

  • لكن أنت عزيزي، ما الذي يتبادر إلى ذهنك، بكل صراحة، عندما تستمع لمُصطلح “أبوة الله”؟
  • هل لا زلت تقول “أستغفر الله العظيم” أم سترى أنه لا يسيء لله بتاتا؟
  • هل “تقدر” أن ترى فيه إكراما شديدا لله، وتعبيرا عن محبته التي تفوق كل وصف؟!

الحقيقة نحن لا نود أن نخوض في دراسات، وأبحاث أكاديمية، تتحدث عن هذا الأمر، بل نريد أن نسير معك رحلة منطقية عقلانية، نكتشف فيها معا، المعنى الحقيقي الكامن وراء هذا المصطلح.

حاشا لله أن يتزوج!

لذا؛ إن كنتَ من هواة التفكير والتأمل، ما رأيك أن تُشاركنا في سطرين أو ثلاثة على الأكثر، بما تعرفه أو تُدركه عن كلمة “بابا”! عن الأبوة!

ما رأيك أن تقوُل لنا ما ترى أن هذه الكلمة، أو هذه الصفة، يجب أن تحمله! أو قُل لنا حتى ما تتمناه في الأبوة! ما استمتعَتَ به، أو حُرمت منه!

  • الآن.. وبعد أن كتبتَ ما، أنتَ، تعرفه عن الأبوة، أو تتمناه فيها، دعني أصحح لك مفهوم الأبوة في الإيمان المسيحي!
  • الأبوة باختصار، ليست أن الله “تزوج وأنجب”، حاشا، وألف حاشا، لا يوجد مسيحي على وجه الأرض يؤمن بهذا.
  • الابوة: مصطلح طبيعي لأن الله خلقنا على صورته، في أحسن تقويم، خلقنا مميزين، والميزة الأساسية في ذلك التواصل الذي يتم بين الإنسان والله، هو وجود علاقة محبة معه، فهو أبونا من جهة الخلق.
  • الأبوة: جاء ذلك المفهوم من خلال التبني، الذي تم لمن قبل عمل يسوع المسيح الفدائي، ولم يرفضه أو يتمرد عليه، فقام الآب بعملية (تبني)، أي أصبحتَ أنتَ ابنا اعتباريا يستطيع أن يستمتع بكل مميزات الابن.
  • الأبوة في الإيمان المسيحي هي التعبير عن محبة الله العملية للإنسان، بكل مرادفات الأبوة التي يعرفها ويفهمها العقل البشري؛ بموجب الفطرة والرحمة والعطاء والرعاية والحماية والتعليم والتهذيب والإكرام.
  • هي الحب غير المشروط، غير المربوط بصلاح الإنسان أو فساده، هي القبول، هي الاهتمام، هي تسديد الاحتياج وعدم العِوز، هي الإحساس بالأمان. هي الغفران والمسامحة والمبادرة! هي الكثير والكثير!
  • هي رحلة، دعونا نحاول، في إيجاز، استكشاف ملامحها، والتأمل فيها، عبر ما تعلنه لنا كلمة الله المقدسة في تبسيط وسلاسة وبساطة.

مَن هو الآب السماوي؟!

1. أب: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ” (مَتَّى 6: 9).

2. يغفر: “فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ” (مَتَّى 14:6).

3. يَعتني: “اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ ٱلسَّمَاءِ : إِنَّهَا لَا تَزْرَعُ وَلَا تَحْصُدُ وَلَا تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟” (مَتَّى 26:6).

4. يترأف: “كَمَا يَتَرَأَفُ ٱلْأَبُ عَلَى ٱلْبَنِينَ يَتَرَأَفُ ٱلرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ”. (مزمور 13:103).

5. يقود: “لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ ٱللهِ، فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ ٱللهِ”. (رُومِيَةَ 14:8).

6. متفرد لا مثيل له: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ”. (مَتَّى 9:6).

  • كلمة مقدس في الأصل اليوناني الذي كُتب به العهد الجديد في أيام التلاميذ/ الحواريين، هي كلمة تعني متفرد ومميز، ولا مثيل له في الوجود).
  • (هذه الآية ليست صلاة على لسان المسيح، لكنها توجيه منه لتلاميذه عن كيف يصلون).

7. يُعطي عطايا جيدة: “فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!” (مَتَّى 11:7).

8. صالح: فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ٱبْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا ؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ ٱلسَّمَكَةِ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلْآبُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاء”. (لُوقَا 11:11-13).

9. سَنَد: وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ. (يوحنا 1: 12).

10. يُرشد ويُنمي ويُكبِّر ويُعلم: “إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ»”. (رومية 8: 15)

  • (وكلمة التبني المذكور هنا تأتي في الأصل اليوناني أيضا بمعني “تنضيج” وليس أن شخصا تبنى طفلا!).
  • (كلمة آب: هي كلمة سُريانية، وتَعني مُوجِد، أو واجد، أو أصل الشيء، وهي كلمة تشمل في طياتها الاحتواء والأبوة).
  • (الأب؛ ولأنه نضج في الحياة، ومسؤولياتها وخبراتها، يعمل على تعليم أبنائه، وإرشادهم، وتنميتهم، في شتى المجالات، حتى يصيروا يافعين نافعين ناضجين، لديهم وعي بالحياة والمسؤولية).

وأمور أخرى كثيرة: مثل أنه شافي، مُحرر، مُخلص، مُعين، مُعزي، مُقوي، مُشدِّد، حنون، رحيم، يشجع، يرعى، يَحمي، يُلاحظ، سريع الاستجابة، ضامن لنا، مُريح التعابى، صبور، متأنٍ، باذل، مترفق، إلى ما آخره من كل معاني الأبوة الحرفية والمعنوية والضمنية. (بعض هذه الموضوعات تناولناها في الجزء الأول من المنهاج، وبعضها سنتناوله في هذا الجزء “الثاني”).

أعظم من الأب الأرضي:

  • إن أبوة الله لنا، كما علمنا السيد المسيح، لا تجعله يهتم بالأشياء العظمى فى حياتنا فقط، بل بتفاصيل هذه الحياة، من (مأكل ومشرب وملبس)، حتى شعور رؤوسنا؛ مما يعطى الأبناء السلام الداخلي، والاستقرار، والثقة، وسط تجارب الحياة.
  • أبوة الله ومحبته لنا دائمة ومستمرة؛ حتى عندما ندير ظهورنا له فى جهل، أو عدم طاعة أو خطية.
  • الأبوة بحسب تعليم الكتاب المقدس، وفي ما أوضحه المسيح له المجد، وأشار إليه في تعليمه، وشدد عليه في أقواله الصريحة، هي العناية الإلهية بالجنس البشري، وحب الله لمخلوقاته؛ بغض النظر عن الجنس واللون، والمستوى الاجتماعي الذي يرقى إليه الإنسان.
  • أبوة الله تسمو فوق كل أبوة أرضية، ولقد خُلقنا على صورة الله، وقد صار في داخلنا نفس طبيعته المُحِبة.
  • مهما كان الأب الأرضي رائعا، هو بالنهاية بشر، محدود في كل شيء، وله ضعفات، لكن الأب، أو الآب السماوي، لا ضعفات له، حاشا، وهو غير محدود في كل شيء رائع! له كل المجد والمحبة!

تطبيقات عامة على الدرس

آيات للتأمل
  • (صموئيل الثاني 7: 14).
  • (يوحنا الأولى 3: 1).
  • (رومية 8: 19).
  • (أفسس 3: 14).
آية مُشجعة

“الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ “( مزمور 1:23): إن رعاية الله للإنسان لا تشمل مجرد تسديد الاحتياجات المادية له؛ بل هي أعم، وأشمل. هي تمتد إلى جعْله ليس في احتياجٍ أو عِوزٍ لشيء من احتياجاته الأساسية، تماما كما يتكفل الأب بطفله، ويحمله على جناح المحبة والرفق والرحمة والعناية والرعاية. مباركٌ اسمه القدوس!

أهم الدروس المُستفادة من درس “قلب الله الأبوي”:
  •  “أبوة الله” لا يَعني أن الله تزوج وأنجب، حاشا، بل هي أبوة لأنه هو المصدر الخالق، ولأنه هو الذي أعاد الصورة التي شوهتها الخطية بالفداء من خلال التبني، وأخيرا هو أب من خلال رعايته ومحبته.
  • “أبوة الله” تَعني القَبول والحُب الإلهي غير المشروط للإنسان.
  • (الله)، جلَّ جلالُه، وتعاظم اسمُه، يهتم بكل تفاصيل الإنسان، صغيرها قبل كبيرها.
  • محبة الأب الأرضي محدودة، أما محبة الآب السماوي؛ فلا نظيرَ لها أو حدود.
ترنيمة (أنتَ صالحٌ) من وَحي مزمور 145

الربُ حنانُ ورحيمْ
الربُ طويلُ الروحْ
الربُ كثيرُ الرحمةِ
الربُ صالحُ للكلِ

(أنتَ صالحُ للكلِ) 3 ومراحمك على كل أعمالك

يحمدك يارب كل أعمالك
ويباركك أتقيائك
بمجدِ ملكك ينطقون
بجبروتك يتكلمون
ملكك ملك كل الدهور
وسلطانك في كل دور فدور، دور فدور

تطبيق عملي
  •  بموقفين رأيت في كلٍّ منهما، معنى حقيقيا لأبوة الله.. شاركنا بمفاهيم مغلوطة كانت لديك عن الله، وقد اختلفت بعد هذا الدرس.
صلاة

(إلهنا الحبيب الصالح، أشكرك كثيرا؛ لأني أدركت الآن أنك أب، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ إلهية رائعة، أنتَ سندي في هذه الحياة الدنيا، أنتَ أماني وسط الأمواج المضطربة، أشكرك على رعايتك لي كل هذه السنوات، وإلى نهاية عُمري، أبارك وأقدس اسمك، في اسم يسوع.. آمين.)

يُمكنك أيضًا سماع الدرس من هنا 👇

Please log in to join the chat

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع