الجَسَد.. واختبار العِتق!
س: كيف يختبر المؤمن العِتق من الخطية وسُلطان الجَسَد؟!
نرى في الأصحاح السادس من رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية، عَمَل المعمودية في حياة المؤمن، وأننا فيها مِتنا ودُفِنا وقُمنا مع المسيح، حيث يُصلَب الإنسان العتيق، ليقوم الإنسان الجديد. ويَلزمنا هنا أن نضع تعريفاتٍ تُساعدنا على الفهم:
يقول داود النبي “بالإثم صُورت وبالخطية حبلت بي أمي” (مزمور 5:51)، وفي (رسالة رومية 20:7)، نسمع قول الرسول بولس (الخطية الساكنة فيَّ)، وفي (رومية 6:6)، نسمع تعبير الإنسان العتيق، وكذلك في (كولوسي 9:3، أفسس 22:4). وفي (رومية 6:6)، نسمع تعبير جسد الخطية. من كل هذا، نفهم أننا وُلِدنا بطبيعةٍ خاطئةٍ شريرة، وذلك قبل الإيمان والمعمودية. هذه الطبيعة الخاطئة لها دوافع شريرة، وتقود الإنسان ليفعل الشر، وهي تستخدم أعضاء جسد الإنسان كآلات إثم، أي لتنفيذ الشر. والإنسان العتيق هذا يموت في المعمودية ويولد بدلاً منه إنسان جديد.
لقد مات الإنسان العتيق ووُلِدَ الإنسان الجديد، وحياتُه هي حياة المسيح القائم من بين الأموات. وهذا الإنسان الجديد منفتح على الله، وحواسه مفتوحة على السماء. ولا يشبعه سِوى الله. ويستخدم أعضاء الجسد الخارجي كآلات بر لخدمة الله الذي يحبه، والقائد هنا هو الروح القدس، وهذا يتم بالمعمودية، ففيها تموت الطبيعة الفاسدة، ومثل هذا الإنسان يجد للنعمة سلطانا جبارا، قادرا أن يحفظه من الخطية، بل يقوده لعمل البر.
بعد المعمودية. أنا حُرْ في أن أُنَشِّطْ أيا من الإنسانين الداخليين. الإنسان العتيق ينشط بممارسة الشر، وإثارة الشهوات…إلخ، والإنسان الجديد ينشط بالصلاة والتسابيح ودراسة الكتاب والخدمة… إلخ، هذا هو غذاء كل منهما.
1. من آمن واعتمد خلص (إيمان + معمودية).
2. أميتوا أعضاءكم… (جهاد سلبي).
3. تغذية هذا الإنسان الجديد.. (جهاد ايجابي).
“إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق” (كولوسي 1:3).
يقول بولس الرسول إن “الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد” (غلاطية 17:5).
ويقصد الرسول بولس بالجسد هنا الشهوة الخاطئة، أو الخطية الساكنة فينا، والروح يقصد به الروح القدس الذي يقود الإنسان الجديد. لكنَّ بولس لا يهاجم الجسد الخارجي بأعضائه، بل يهاجم الإنسان العتيق المنفتح على الشر، ويستعبد أعضاء الإنسان الخارجي فتتلذذ بالشر. وحين يكون الإنسان العتيق هو القائد، يكون هذا الإنسان شهوانيا، أما لو كان الإنسان الجديد هو القائد، يكون هذا الإنسان روحانيا. ونكرر أن الرسول بولس لا يهاجم الجسد بأعضائه الخارجية، فالجسد ليس نجاسة، وإلا ما كان المسيح أخذ جسدا مثلنا.
هناك ظاهرة طبيعية تُفسر ما يحدث، تسمي ظاهرة الرنين، فهناك آلاف الموجات اللاسلكية تمر في الجو حولنا، ولكن إذا حدث توافق بين دوائر الراديو ودوائر أية محطة إرسال، يحدث تقوية لإشارات هذه المحطة، ونجد الراديو يذيعها. هناك عشرات المحطات تبعث بإرسالها، ويستقبلها الإيريال بحسب مفتاح اختيار المحطات، وحينما يحدث توافق، تتضخم إشارات المحطة رقم 12 مع الاختيار لمحطة رقم 12 فيذيع الراديو صوت محطة رقم 12.
بنفس الفكرة السابقة، حينما تتطابق إرادتي مع إرادة الله تتضخم النعمة داخلي. وحينما تتطابق إرادتي مع إرادة الشيطان تشتعل الشهوات الخاطئة داخلي والموضوع في يدي. الاختيار في يدي. فحينما تكون أعمالي وجهادي لحساب مجد الله تنسكب النعمة داخلي نعمة فوق نعمة (يوحنا 16:1) والعكس.
وهكذا إذا حدث توافق بين إرادتي وبين الخطية، أجد أن الخطية لها قوة جبارة قاهرة. وإذا حدث توافق بين إرادتي وبين إرادة الله، أجد أن النعمة لها قوة جبارة تجعلني غير قادر على عمل الشر، بل أعمل البر بلذة.
لذلك سأل السيد المسيح المقعد “هل تريد أن تبرأ” (يوحنا 6:5)، ويقول السيد “كم مرة أردت ولم تريدوا” (متى 37:23). فمن يغذي الإنسان الجديد بالصلاة والكتاب المقدس “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (متى 4:4). ويغذي إنسانه الجديد بإرادته، تتفق إرادته الإنسان مع إرادة الله، الذي يريد أن الجميع يخلصون (تيموثاوس الأولى 4:2)، وإن حدث هذا الإتفاق، يكون للنعمة قوة جبارة حافظة تمنع السقوط.
المسيح هو المحرر الوحيد من عبودية الخطية، لنذهب إليه الآن، ولا نبقى في العبودية لإرضاء الناس من حولنا. على المؤمن بالمسيح أن يقبل ويعيش عمليا بحسب الحق الذي يعلنه الإنجيل، وهو أن المسيح بالصليب قد عزل الخطية كسيد وملك هو مكانها.
ونذكر هنا قصة الرجل الغني الذي ذهب يوما إلى سوق العبيد واختار أحد العبيد ودفع ثمنه لسيده، ثم قال للعبد اذهب حيث تشاء أنت حر أنا لا أريد أن تكون عبدا عندي، لكن العبد الحر تأثر كثيرا من عمل ذلك الرجل النبيل، وقال له أنت لا تريدني عبدا، لكن أنا أريد أن أكون عبدا لك بإرادتي فمحبتك قد أسرت قلبي، هكذا المسيح أيضا قد دفع ثمننا، وحررنا، وأطلقنا، فصرنا نُعلن أن محبته أسرت قلوبنا، ومنذ الآن نريد أن نكون عبيدا له بإرادتنا، فلن نجد أرحم منه، ولا معاملة أفضل من معاملته.