الدرس العاشر (التعزية): كم من موقف كان فيه فقدان لشخصٍ أحببناه، و كنا فى أشد الحاجة إلى التعزية..؟! لكن هل تعزية البشر كانت كافية لنا أم نحن بحاجة للتعزية الإلهية؟ وما هو مفهومها؟!
كما اكتشفنا، ونكتشف معا، عبر صفحات هذا المنهج، أن الله ليس أبدا، ببعيد، لا عن الإنسان، ولا عن واقعه، أو ظروف حياته، بل يهتم بتفاصيل يومه، صغيرها قبل كبيرها، وهكذا، نستعرض معا في هذا الدرس، كيف أن الله حاضر بروحه في كل مشاهد واقعنا.
حاضر لا للمشاهدة أو الوقوف بعيدا، ولا هو حاضر بهدف أن يعلمنا دروسا قاسية بلا رحمة، بل كأبٍ ومعين ومساعد ومقو.
حاضرٌ كمُشدد، ومشجع، حاضر للتعزية التي هي موضوع درسنا!
استنادا إلى هذا كله، لا نجد بتاتا أية غرابة، في أن يقول الكتاب المقدس، في رسالة كورنثوس الثانية، أصحاح 1، وعدد 3، عن الله، إنه “إِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ”.
الحقيقة أن مصادر، وطُرق، تعزيات الله للإنسان كثيرة جدا، أكثر من أن تُحصى أو تعد، أو يتم حصرها في كلمات بسيطة، وهي على سبيل المثال والتذكرة، لا الحصر:
إن قراءة، ودراسة، وفَهْم، كلمة الله بعناية، واتضاع، إنما هي نبعٌ لا ينضب من التعزية؛ لان كل ما كُتب فيها؛ كتب لأجل تعليمنا. لهذا هي مائدة غنية، تُغنينا عن البحث في، واللهث وراء، أي مصادر تُزيد النفسَ تعبا وفراغا.
حقيقةً، كلمة الله قوية، وفاعلة؛ لأنها، وبحسب (عبرانيين 4: 12) “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.”
لذا هي أقرب مصدر في متناول يد المؤمنين نكتشف من خلاله كَم يُعزي الله التعابى والمتألمين، إذ هي تكشف لنا عن قلب الله الأبوي، المُحب العطوف، الملآن رحمة وحبا وعزاءً، وقُربا من أبنائه!
كما تكشف لنا، كم أن الله سريع التدخل، والتعامل مع متطلبات حياة أبنائه، وأنه ليس في برجٍ عالٍ، غير عابيء أو مهتم بما يحدث هنا في الأرض.
كما تكشف لنا عن مواقف عملية، واختبارات حية، تدخل فيها الله وقت الضيق والألم، وعزى أحباءه، وملأ قلوبهم سلاما، واطمئنانا وراحة!
عندما يسكن الروح القدس فى روح المؤمن، يكون محببا إلى قلبه، أن يعزيه، ويرشده، ويعينه، ويفرحه.
هذا نجده واضحا وجليا، في (يوحنا 14: 26) “وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.”
ولا أغنى أيضا أو أثمن من كلمات السيد المسيح، له كل المجد، عندما قال، بأعلى صوته، ” «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ،” (يوحنا 7: 37-39).
الروح القدس هو مصدر ارتوائنا، وقت العطش، أي وقت الشغف، والاحتياج، لذا علينا أن نطلب منه التعزية دائما، وننقاد الى صوته الوديع الهادي، المرشد الى البر والصلاح.
علينا أن نثق انه أقرب صديق لقلوبنا وأرواحنا، علينا أن نثق أنه متفاعل معنا وليس صامتا، أنه يُعطينا وقت المرارة عزاءً، وقت الضيق سلاما، وقت الحاجة كفايا وتسديدا، هو الروح المُعين المعزي!
كَمْ هو رائع اللجوء الى الله فى كل ظروف حياتنا: المفرحة والصعبة، فى أوقات الشدة والضيق، الفرح واليسر.
نعم، فلا أجمل، أو أغلى، من اللجوء الى الله القادر، على كل شئ؛ لأنه أب صالح، يفرح بحديث الأبناء مع أبيهم، ويُنصت إلى طِلباتهم، فهو القائل في كلمته “َادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي».” (مزمور 50: 15).
فبالصلاة، نأخذ العون والقوة والتعزية من الله “لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ.” (فليبي 6: 4).
من أجل هذا، علينا أن نُصلى بإيمان، وثقة فى الله؛ لننال التعزية والسلام، فهو الذي يهبنا الاطمئنان وقت الخطر، وينجينا من كل ضيقة.
وهكذا صلى النبي دانيال لله، فأنقذه من الأسود الجائعة، وهكذا نجي الفتية فى أتون النار، وأنقذ القديسين بطرس وبولس من السجن (لو لا تعرف جيدا هذه القصص، أو لا تعرفها من الأساس، يُمكنك أن تسأل قائد مجموعة تلمذتك عنها، أو تبحث عنها بنفسك في جوجل، أو قاموس الكتاب المقدس).
وهو لا يتغير أبدا، كما يقول الكتاب المقدس عنه، “يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.” (عبرانيين 13: 8).
إلى الأبد هو يقدر أن يعزى فى الضيق والحزن، وينصف فى الظلم، ويقوى فى الضعف. هو معين مَن ليس له معين، ومُعزي من ليس له مُعزٍّ.
يجب أن نُحسن اختيار الأصدقاء؛ فالصديقُ الحقُّ هو مَن نجده عونا وقت الضيق؛ ومعه تعبر الشدة؛ لأنه حصن منيع.
علينا أن نكون نحن أيضا أصدقاء جيدين، نُسرع ونهرُع إلى عمل الخير؛ فكما تُعلمنا كلمة الله أن الحياة “زرع وحصاد”، وتماما كما نحتاج لمن يأخذ بيدنا فى الطريق إلى الله؛ لنعبر تجارب الحياة، هكذا يجب أن نكون نحن حيال الآخرين.
إن من يحسن اختيار أصدقائه يجدهم عونا، وتعزية، فى الطريق إلى الحياة السعيدة؛ الملآنة تعزية، وانسكابا للراحة والقوة والتعضيد داخل نفوسنا، وأفكارنا.
طوبى لمن يجد صديقا حقيقيا، يقبله في كل الأحوال، مُرها قبل حُلوها.
طوبى لمَن يجد العون والدعم والسلام والتعزية والرجاء دائما في قلبه وحياته وظروفه!
وغيرهم كثيرًا وكثيرًا، من الايات التي توضح بطريقة لا خلاف عليها، أن الله حاضر وبقوة لتعزية وسندة الإنسان دائما، دون قيدٍ أو شَرْط!
الله عنا ليس ببعيد، وحزينٌ شقيٌّ ذلك الانسان الذى لا يرفع قلبَه إلى السماء؛ حيث المسيح جالسٌ؛ فنشعر براحة؛ لأن الله مصدر التعزية والرجاء والفرح.
دُعي الله إله كل تعزية، فهو الذي يعزِّينا في كل ضيقتنا؛ حتى نستطيع ان نعزِّي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله.
إن أحد أسماء الروح القدس “المعزِّي”؛ وتعني “المدعو للوقوف إلى جانبنا”، أي المعين والمحامي والسند، أوَليس هو المؤيِّد بالقوة، والمؤازر لدعم المؤمن في كافة الظروف؟
أوَليس هو أيضًا معين المؤمنين كجماعة، كما قيل عن الكنائس “وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ.” (أعمال 9: 31). إن لمسات الرب من خلال كلمته هي نبع التعزيات الفائض، هي واحة للراحة، وحصنٌ منيع به نتمنَّع، فلا تدنو مننا ضربة، ولا تقترب سهام العدو الملتهبة.
التعزية والرجاء، مترادفتان لمعنى واحد، هو وقوف الله إلى الجانب الإنسان، طول الوقت، وقت الراحة قبل وقت الضيق. لهذا سنتناول في الدرس القادم، موضوعَ الرجاء، الذي هو استكمالٌ لقلب الله الأبوي الراعي، وسنستمر نكتشف معا ما تحمله لنا الكلمة مما على قلب الله من محبة وأبوة للإنسان.
هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ.” (إشعياء 49: 15)
تُعد هذه الآية واحدة من أسمى وأرقى وأجمل آيات الكتاب المقدس، تعبيرا عن محبة الله المذهلة للإنسان، فهنا ييقولها الله صراحةً إن لو أمَّا نسيت رضيعها، هو نفسه يعتني ويهتم بذياك الرضيع.
ولما تفكرت في هذه الآية، وتدبرت بروعتها، تذكرت كم من قصة قرأتها عن “أطفالٍ رُضَّغ” قد تلقيهم أمهاتهم على قارعة طريق، أو حتى في صندوق قمامة، لكن عناية الله تنقذهم، ويتولاهم أشخاصٌ صالحون. افرح وتهلل؛ فإن ضاقت بك الحياة، لك إله أبوابه مفتوحة لك دائما!
إن نسيت الام الرضيع فجلالك لا تنسانا
وأنت الرحيم والسميع و المنصت لشكوانا
رب محب وبديع نحمدك فى دعوانا
أشبعت بالخير الجميع (رحمة)3 بنا وإحسانا
يا سيدا لك السلطان أشرق علينا برضاك
ليس حسب تقوي الانسان بل حسب عمق غناك
وإسمع دعانا يا حناناوإرحمنا إن دعوناك
وامنحنا عطفك يا رحمن (وخيرك)3 مع رضاك
(إلهنا الحبيب الصالح، أشكرك كثيرا؛ لأني اكتشفتُ أكثر فأكثر، وتعرفت عن قرب، وعُمق، كم أنت مُتاحٌ على الدوام، لتعزيتي، وكَم أنَّ رُوحَك القدوس، هو المعين والمعزي والمقوي، أنت سندٌ لي لو حاولت الدنيا إحنائي وهزيمتي، أنتَ أكبر تعزية لي لو تعرضت للترْك أو النسيان أو القسوة والظلم، أحبك يا فخرَ حياتي، ومنبع راحتي. أبارك وأقدس اسمك مخلصي القدير، في اسم يسوع.. آمين.)