س2: وإن كان هذا ليس صحيحا، ماذا عن أناجيل: متى – مرقس – لوقا – يوحنا؟!
مقدمة
لعل عدم فهم البعض لوظيفة كُتَّاب الأسفار المقدَّسة، جعلهم يتشكَّكون، ويتساءلون:
ألم ينزل على المسيح بن مريم إنجيلٌ واحد؛ فلماذا نجد في المسيحية أربعة أناجيل؟
قبل أن نُجيب عن هذه الأسئلة، باستفاضة، دعونا نطرح بعض النقاط التي تُخاطب العقل والمنطق:
مِنَ المعروف أن الإنجيل لم ينزل، ولم يهبط على السيد المسيح. فلم يقف أمامه ملاكًا يُمليه الإنجيل آية آية. بل كيف يمكن أن يُملي ملاك من الملائكة، السيد المسيح له المجد، وهو، في إيماننا المسيحي، رب الملائكة جميعًا؟!
إذا فالكتاب كله محوره شخص واحد، وليس مجموعة أحداث متناقضة، من حيث الجوهر أو المضمون.
ألقى كلُّ كاتب الضوءَ، على جانب من جوانب حياة السيد المسيح، فالقديس متى كتب لليهود عن المسيح ابن الإنسان، وكتب مرقس الإنجيلي للرومان عن المسيح ابن الله صانع المعجزات، وكتب لوقا الطبيب لليونان عن المسيح الفادي، وحَلَّق يوحنا في اللاهوتيات.
عندما يشهد في القضية أكثر من شاهد، فهذا يؤكد صحتها، فكم وكم عندما يشهد للكتاب عشرات من الأنبياء القديسين صانعوا المعجزات.
هنا يُمكن أن نقولها صراحة:إن كلمة إنجيل، كلمة يونانية، تعني “الخبر أو البشارة السارة”، وليست كما يعتقد الإخوة غير المسيحيين، أن معناها كتاب، أو أنها تعني الكتاب المقدس، وبهذا ليست هناك أربعة كُتب مقدسة لدينا، إنما أربع بشارات سارة، جوهرها ومضمونها واحد.
إنجيل متى
كَتَب البَشير متى إنجيله لليهود؛ لإقناعهم أن إتمام نبوات العهد القديم عن المسيا،
المسيح المُخلِّص الآتي قد تحققت في يسوع الناصري.
لهذا أيضا جاء يسوع ليُفتَتح به العهد الجديد؛ لأنه يُظهِر العَلاقة بين العهد الجديد والعهد القديم.
ويشرح ظهور ابن الله، ليس كحَدَث مستقل بذاته،
بل كإتمام سلسلة نظام تاريخي ونبوي، مُرتَّبة من الله.
وكَتب متى إنجيله باللغة الآرامية، التي كانت لغة اليهود العامية.
ليُفيد المؤمنين الذين جاءوا من أصلٍ يهودي.
عكس باقي أسفار العهد الجديد التي كُتبت باللغة اليونانية.
وقد اقتبس متى نحو أربعين آية من العهد القديم ليُثبت بها حُجَّته.
ويُظهِر كيفية إتمام ما قيل بالأنبياء عن المسيا (المسيح).
إنجيل مرقس
كتب مرقس إنجيله إلى الرومان.
وهو مِثل متى يُخبرنا عن وظيفة المسيح الملوكية.
وكَتب إنجيله بكيفية يستطيع معها قُراؤه من الرومان،
أن يفهموا ويدركوا رسالة يسوع المسيح صاحب السلطان.
ولم يذكر مرقس سلسلة أنساب المسيح،
بل استهلَّ كلامه بالخبر عن ظهور المسيح،
في سن البلوغ، وبأعمال سلطانه الفائق.
ويتضمن إنجيل مرقس سجلا حافلا بالمعجزات التي صنعها المسيح،
والتي تُظهر قوته الفائقة وسلطانه على العالم المنظور وغير المنظور.
كما أن وجود تفاصيل جَلية كُلية الوضوح في هذا الإنجيل يجعلنا نسلّم أنه صَدَر عن شاهد عيان.
مثلا يتذكر الكاتب إخضرار العُشب (إنجيل مرقس 39:6).
والوسادة التي كان يسوع نائما عليها (إنجيل مرقس 38:4).
والمتأمل بعمق في هذا الإنجيل، يلاحظ أنه كُتب بصورة تُناسب طبيعة وآراء الرومان،
أصحاب المملكة التي كانت يومئذ في أوج عظمتها،
وكان مُلْكهم قويا، وإمبراطوريتهم واسعة جدا.
لذلك حرص مرقس على أن يُريهم في إنجيله المسيح ملكا أقوى، صاحب ملكوت أوسع.
وبقدر ما نظر متّى إلى يسوع كملك معيَّن من قديم الزمان، وقد أخبر عنه بالأنبياء،
يترك مرقس ذِكر النبوات ولا يشير إليها.
إنجيل لوقا
اتجه البَشير لوقا بكتابته نحو العموم، فقدَّم الإنجيل كدستور صالح لكل الجنس البشري،
لا فرقَ بين جنس أو لون أو شعب أو أمة أو لسان.
ويتتبع لوقا نسب المسيح ليس إلى إبراهيم فقط كما فعل متى، بل إلى آدم أب البشر جميعا.
ويكشف عن محبة المسيح للإنسان بنوع أجلى وأسمى مما نرى في بقية البشائر.
ويُصوِّر لنا ببراعته الباهرة، يسوع الإنسان، بأسلوب جذاب، يجعله محبوبا من جميع البشر.
وإنجيل لوقا هو الإنجيل الاجتماعي، إنجيل الفقراء والمعوَزين والمرضى والبائسين.
ففيه ذكر زيارة ملاك الله لعذراء الناصرة الفقيرة،
وظهور الملائكة للرعاة المساكين في برية بيت لحم،
ولعازر المصاب بالقروح، والذي كان يتناول الفتات الساقط، الذي تبقّى من طعام كلاب الغني!
وهو الذي تفرَّد بذكر مثَل السامري الصالح. ناسيا ما كان بين اليهود والسامريين من خلاف.
وفيه مَثَل الفريسي والعشار، وقصة الابن الضال،
وقصة مريم المجدلية، وتوبة اللص التائب بكل ما فيها من لمساتٍ إنسانية.
ويُظهر لوقا لنا الجانب الاجتماعي من حياة المسيح نفسه،
إذ يُرينا إياه في صلاته العائلية، وصداقته للناس.
منها تناوُل العشاء في بيت سمعان الفريسي، وبيت زكا العشار.
وفي كتابات لوقا، نلتقي بيسوع الصديق والأخ، الذي يقف إلى جانبنا،
ومن مزايا الإنجيل بحسب يوحنا أنه إنجيل الحق، فقد وردت فيه كلمة «الحق» 62 مرة.
وتكررت «الحق الحق» 24 مرة في هذا الإنجيل، على لسان المسيح وحده.
فالمسيح هو الحق الذي يقول الحق، كلَّ الحق.
ويمتاز إنجيل يوحنا بأنه يناسب كل قارئ مهما كانت لغته وجنسيته،
ففي صفحاته كلمات جامعة تناسب جميع البشر في كل جيل وعصر،
لأنها تلامس القلب «المحبة، الحياة، النور، الحق، الخبز، والماء».
صحيح أن الإنجيليين الآخرين رأوا وأعلنوا مجد المسيح،
لكن يوحنا الملقَّب بالحبيب، واللاهوتي، كان يتمتع بروحٍ تأمُّلي مدهش،
وبمحبة فائقة ليسوع المسيح، لأنه تأهَّل من الله؛
ليرى من خلال إعلانات يسوع عظمة الله الذي ظهر في الجسد.
فلم يبدأ إنجيله من حادثة زمنية كميلاد يسوع بن داود بن إبراهيم،
ولا مِنْ خَلْق آدم، ولا من شروع المسيح في خدمته بين الشعب،
بل بدأ من أعماق الأزل، إلى أن أُعلن ظهوره مملوءا نعمة وحقا.
وحين نقارن بين الإنجيل بحسب يوحنا والأناجيل الأخرى،
نرى أنه يمتاز عنها في أمور أخرى كثيرة، منها:
أن متى ومرقس ولوقا يخبروننا خصوصا عن تاريخ حياة المسيح على الأرض وسيرته بين الناس،
وعن الأمور التي حدثت له في مدة ثلاث سنين ونصف قضاها في خدمته الجِهارية.
أما يوحنا فيحدثنا عن أسرار شخصه ولاهوتيَّة تعاليمه.
تطبيقات عملية
الدرس في نقاط
يَعتقد غيرُ المسيحيين أن الإنجيل هو كتاب مُنَّزل من الله على يسوع المسيح.
وهذا فهم خاطئ، مرجعه الأول هو عدم الدراية الكاملة بمعنى كلمة إنجيل.
فالمسيح لم يكتب الأناجيل، أو أي سفر من الكتاب المقدس.
الإنجيل كلمة يونانية “إيفنجليون” تعني “الشارة أو الخبر السار”، وهذه البشارة تتعلق بيسوع المسيح.
فالخبر المفرح والسار هو واحد، أن الله افتقد أرضنا عندما جاء المسيح إلينا.
ليُعلن لنا محبة الله، وأنه يرغب في خلاص البشر.
لكلٍ من الأناجيل الأربعة ميزاته الخاصة التي ينفرد بها،
لكنها مجتمعة معا لقصد واحد هو أن تصف لنا يسوع الناصري المنقذ.
فمتى كتب لليهود الذين بين أيديهم كُتب الأنبياء القدماء عن المسيح ابن الإنسان.
ومرقس كتب للرومان الذين كانوا أصحاب مملكة قوية عن المسيح ابن الله صانع المعجزات.
ولوقا كتب لكل الأمم بدون تمييز عن المسيح الفادي.
ويوحنا كتب الإنجيل بنوع خاص للأمم، وهم غير اليهود، الذين قبلوا المسيح، مُتحدثا عن لاهوتِه.
تأمُّل مُشجع
يمكن أن يكتب مجموعة من الأشخاص تاريخ مصر، لكن لن يعني هذا، أن هناك أكثر من تاريخ لمصر، أو أن الحدث نفسَه جرى بعدة طرق مختلفة، في الوقت ذاته، بل إن كل واحد من المؤرخين، نقل روايته عن ذات الأحداث.
بنفس الطريقة، أوحى الله، إلى أربعةٍ من تلاميذ المسيح، أن يدونوا الإنجيل، ووجهات النظر الأربع هذه، تعطي صورة دقيقة وكاملة، عن شخص يسوع المسيح. وهذه الأناجيل الأربعة، التي كتبها متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كَوَّنت بإلهام الروح القدس، معا إنجيلا واحدا. ولا يوجد أي تناقضات في الأناجيل، وإن كان الحوار يختلف في طريقة وصف الحدث، لكنه لا يصف عكس الحدث.
وهذا في حد ذاته إثبات وتأكيد آخر، أن الكتاب المقدس كله وحدةٌ واحدة، يصعُب وجود ثغرات أو تناقضات بها، مهما ادَّعى المشككون والمنتقدون، لكن ولأنه كلمة الله الحية، فبداخلها إثبات لصحة الكتاب، ناهيك عن كمية الإثباتات الأخرى الكثيرة، كشهادات المؤرخين، والأدلة الأثرية والتاريخية.
لنفرح ونتتهلل بكلمة الله، ونثق بها، ونعتمد عليها، لأن بها يتحدث الله للبشرية جمعاء، ويُجيب عن أسئلتها، ويكشف عن صورته، ويُطمئنها، وينقلها من الظلمة للنور، من الخوف للراحة والسكينة، من الهلاك للخلاص!
مُشارَكة
يقوم قائد المجموعة، بمُشارَكة أعضاء المجموعة، بمَثَل الفريسي والعشار، وقصة الابن الضال.
على أن يقوم عضو من الأعضاء بمشارَكة زملائه، بقصتي: مريم المجدلية، وتوبة اللص التائب.
فيما يقوم عُضوٌ آخر بمشارَكة قصتي: تناول يسوع العشاء في بيت سمعان الفريسي، وزكا العشار.
أسئلة للتفكير
ما معنى كلمة «إنجيل» وما هو الخبر المفرح الواحد الذي سجَّله البشيرون الأربعة؟
اذكر آية تبين أن البشيرين كتبوا ما سمعوا ورأوا، وواقعتين عن: اهتمام المسيح بالمساكين، والمنبوذين.