قضية الإيمان والأعمال في المسيحية
(الإيمان الحقيقي يُثمِر أعمالا صالحة!)
الإيمان أم الأعمال؟! يَصعُب الاجابة عن هذا السؤال؛ بسبب ما تمَّ ذِكرُه في أسفار الكتاب المقدس المختلفة، فان قمنا بمقارنة ما هو مكتوب في (رومية 28:3)، “ إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإيمان بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ.“، بما هو مكتوب في (يعقوب 24:2)، “ تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإيمان وَحْدَهُ.“
هنا، يُمكن للمرء لأول وهلة، أن يعتقد أن بولس ويعقوب غير متفقين؛ إذ يقول بولس (الخلاص بالإيمان فقط)، ويعقوب (أن الخلاص بالإيمان والأعمال)، لكن في الحقيقة، بولس ويعقوب متفقان تماما. لكنَّ نقطة الجدال التي يدَّعي البعض وجودها، هي حول العلاقة بين الإيمان والأعمال.
ومن جهة المبدأ، فالكتاب هو كلمة الله، و“كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب، الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهِّباً لكل عمل صالح» (رسالة تيموثاوس الثانية 3: 17،16). وما دام مصدر الكلمة، والموحى بها، واحدا، فلا يمكن أن تتناقض آيات الكتاب بأي حال، إلا لو انتُزعت قسرا من سياقها، ولكنها تتكامل، وفي تكاملها يُستعلَن الحق الإلهي. ولا يُعقل أن يُنادي كارزٌ بإيمان سطحي كلامي، مجرد من الفاعلية، مقطوع الصلة بوصايا الكتاب، ولا يُترجَم إلى أفعال، واتجاهات تشهد بانتقال الحياة من الظلمة إلى النور؛ أو يُنادي كارزٌ بأعمال شكلية، وعبادات شفوية، هي ليست ثمارا طبيعية، لإيمان مسيحي حي، وشركة عضوية في شخص المسيح، والكنيسة التي هي جسدُه.
لكي نتعرَّض لدور كلٍّ من الإيمان والأعمال، في قضية الخلاص، على ضوء كلمة الله، ربما يكون من المفيد أن نحدد في البداية المعنى الدقيق لكلٍّ من الإيمان، والأعمال، والنعمة، والخلاص.
لا يكتفي الإيمان المسيحي بالإيمان بالله، والسماء، والخلود، لكنه – أكثر من ذلك، وفوق كل ذلك – يؤمن بمفردات أخرى، بدونها لا خلاص للإنسان، وهذه المفردات هي:
من هنا شرح لنا معلمنا بولس الرسول، هذا الإيمان المسيحي، في رسالته إلى رومية، وأكد لنا أن هذا الإيمان بالمسيح، هو سر الخلاص، وبدونه لا خلاص للإنسان. فحين تجسَّد الله (اتحاد اللاهوت بالناسوت)، استطاع أن:
وهكذا يكون الإيمان بالسيد المسيح، الإله المتجسد الفادى، إمكانية خلاصنا، وتجديد طبيعتنا.
الإيمان بالمسيح، كان هو الركيزة الأولى للخلاص، ولكن الإيمان النظرى بالسيد المسيح، الفادي الحبيب، ليس هو كل شيء في المسيحية، ولا يكفي للخلاص، بدون أعمال صالحة، تُكمله، وتثبت وجوده، وفاعليته، وتعتبر ثمارا له.
ولعل سبب هذا التصور الخاطئ (عند البعض)، هو رفض معلمنا بولس الرسول المتكرر لأعمال الناموس، وقوله المستمر إنها لا تقدر أن تخلصنا. فهناك خلط، في بعض الأذهان، بين أعمال الناموس المرفوضة، والأعمال الصالحة المطلوبة في المسيحية.
نقصد بها ما اعتاد اليهود أن يقوموا به من ممارسات مثل: الفرائض، والغسلات، والطقوس، والذبائح، والأعياد، والسبوت… الخ، فهذه كلها لا تستطيع أن تطهر الإنسان من الخطية، أو تقدس كيانه الداخلي.
فهي جميعا كانت مجرد رموز للحقائق المسيحية، التي كانت في الطريق إلى البشرية، من خلال تجسُّد رب المجد، وفدائه المجيد، وسُکنی روحه القدوس فينا، وعضويتنا في جسده المقدس: الكنيسة.
– فالسبت… كان ظلاً للأحد.
– والذبائح الحيوانية… كانت ظلا لذبيحة الصليب!
– والغسلات والختان… كانت ظلاً للمعمودية!
– والعهد القديم كله… كان ظلاً للعهد الجديد! |
من هنا نعلم أن: “العهد القديم صار مکشوفاً في العهد الجديد، والعهد الجديد كان مخبوءاً في القديم”.
يعرف الإنسان المسيحي أن الأعمال الصالحة “تكميل للإيمان”… لهذا يقول معلمنا يعقوب: “ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال، إذ قدم إسحاق ابنه على المذبح؟ فترى أن الإيمان عمل مع أعماله، وبالأعمال أكمل الإيمان” (يعقوب 21:2).
ويقصد – بذلك – أن تقديم اسحق على المذبح (هو عمل محسوس يراه الناس)، وهو الذي أكمل الإيمان النظري، القلبي والعقلي، وهكذا صار إيمان عملية حقيقية فعالا!
ثم أعطانا مثلاً آخر: “راحاب الزانية أيضا، أما تبررت بالأعمال، إذ قبلت الرسل وأخرجتهم في طريق آخر؟” (يعقوب 25:2 ).
الإيمان – إذن- لابد له من عمل محسوس، يؤكد صدقه ووجوده وفاعليته في الحياة إذ “بالأعمال أكمل الإيمان” (يعقوب 22:2 ).
نقرأ في (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 2: 8 -10)، “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإيمان، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا”. يُؤكد الرسول بولس أننا بالنعمة مخلصون، وفقط النعمة التي لا نستحقها، بل هي عطية الله المجانية، لكل من يؤمن بيسوع المسيح، المخلص، والرب. ويقول بشكلٍ واضح إن الخلاص ليس بالأعمال، كي لا يفتخر احد، والا لكان صليب المسيح عبثًا، وحاشا أن يكون هذا!
لكن، يؤكد بولس أن الله أعد لنا أعمالا حَسنة، ليس لكي نخلص بها، لكن لكي نسلك بها، ولمن أعد الله هذه الاعمال؟ يقول بوضوح للمخلوقين في المسيح يسوع، أي ما بعد الإيمان الحقيقي القلبي بالله، الذي يُغير الحياة والكيان، في تجديد القلب والروح.