13- الله الأب .. رائع مُحب!

الله الأب .. رائع مُحب!

ماذا نقصد بالله الآب، وماذا تعني الأبوَّة في المسيحية؟

قد يخطر ربما على ذهن أحد أن الأبوة في المسيحية لها علاقة بالأبوة البشرية التي تحمل طابع الأسرة،وكأن لله زوجة تنجب له أولاداً وهو منشغل في العناية بهم، منهمك بمتطلباتهم وحوائجهم المتراكمة، حاشا لله هذا.

إسم الله الآب لم يرد ذكره فقط في العهد الجديد الإنجيل فحسب بل نجد العهد القديم مليئاً بالشواهد التي تشير الى أبوة الله،

   نجد في إشعياء يخاطب الله قائلا: يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ ٱلطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ إشعياء ٦٤: ٨. إن المتأمل في هذه الآية والآيات المشابهة لها في العهد القديم يتضح له أن الله لم يكن معروفاً وقتئذ باعتباره “الآب” بالمعنى المعروف في الإنجيل العهد الجديد، بل كان مقتصراً على المعنى أنه الخالق المعتني بخلقه المدبر العالم وما فيه.   فالأبوة بحسب تعليم الكتاب المقدس، وفي ما أوضحه المسيح له المجد،وأشار إليه في تعليمه الجلي وشدد عليه في أقواله الصريحة، هي العناية الإلهية بالجنس البشريوحب الله لمخلوقاته بغض النظر عن الجنس واللون والمستوى الإجتماعي الذي يرقى إليه الإنسان.

نجد في العهد الجديد

 أن الله أظهر لنا محبته الغافرة وحنانه الفائق الوصف الذي يتحدى عقولنا، ومداركنا،وكما عبّر عن ذلك الفيلسوف هيجل بقوله: «لا يستطيع العقل فهم اللامتناهي، ومن أجل إدراكه لا بدّ من الإلهام».فجاء العهد الجديد يعلن لنا ما لم نستطع فهمه وإدراكه، الله الواحد الأحد المثلث الأقانيم.

إنّ فكرة التوحيد بيّنة في الكتاب المقدس، ولا يوجد أدنى شك فيها، فالإعلان في العهد القديم يشدّد على هذا

السر الإلهي أي «يهوه أحد» لا شريك له (تثنية ٦: ٤) ،أي بمعنى «لا إله إلا الله». إن الرب «يهوه» فريد لا أحد نظيره، ولا مساوياً له في شيء، هو متفوق لا يفوقه شيء ولا يماثله أحد «ليس كمثله شيء» (سورة الشورى ٢٤: ١١) كما يعبّر عنه القرآن.

ونجد ايضا في العهد القديم

والعهد القديم ينبّر على أن ليس للرب نظير وليس له مثيل ولا شبيه له (خروج ٨: ١٠ وإشعياء ٤٠: ١٨ – ٢٨) وهو واحد لا شريك له «أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لا إِلَهَ سِوَايَ» (إشعياء ٤٥: ٥) ،ولا يمكننا على الإطلاق أن نقارنه بمخلوق ما «أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرُ. ٱلإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي» (إشعياء ٤٦: ٩).وهذا التوحيد لا يقدّم لنا الصورة الواضحة عن الله، بل يبقى الله سراً محجوباً في ذاته،أو كما عبر عنه الصوفي الحلاج عندما قال: «أعطى الله معرفته لعباده ليريهم جهلهم به» ، فالله في ذاته الواحد الأحد المجهول الأكبر. وفي العهد الجديد نجد الله يعلن عن ذاته ويكشف عن سرّه المحجوب عن البشر من خلال المسيح الكلمة المتجسّد.

الأبوة تشير إلى :

 عنايته تعالى بنا نحن البشر. فالله من فرط محبّته لنا يقينا من الشر ويحفظنا من العثرات ويسدّد جميع احتياجاتنا. فهو يعتني بنا ولا يريدنا أن نعثر في أية صغيرة أو كبيرة.وهذه الأبوة لا تشير على الإطلاق إلى أي علاقة تناسلية، بل إنّها علاقة روحية محضة، وقد نبّر المسيح عنها مراراً وتكراراً.

كما أنّ المسيح هو الذي أعلن لنا هذه الأبوة. ففي الآية التالية إشارة واضحة لأبوة الله    لنا في قوله: “فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ “إنجيل متّى ٧، ففي هذه الأبوة يكشف الله ويعلن لنا سراً من أسراره العجيبة، وهو أنّه ليس فقط الإله العظيم القوي الجبارالقهار الذي تصطك وترجف الركب أمامه ويستولي الذعر على النفوس عند المثول في حضرته، بل إنّه آب حنون رحيم بعباده رؤوف بأولاده يسعى لصلاحهم لا لهلاكهم. فأبوة الله تسمو فوق كل أبوة أرضية ولا يمكننا أن نقيسها بالمفهوم الأرضي على الإطلاق.ولأننا خُلقنا على صورة الله، وقد صارفي داخلنا نفس طبيعة الله.

لهذا فالله يدعونا أن نقوم بهذا الدور معه، ألا وهو الرعاية. وهذا ما أعلنه يسوع بنفسه لبطرس عندما قال له “ارع غنمي” فكما أن دور الآب هو الرعاية والحماية، وجب علينا أن نحمي ونرعى أخوتنا الأصاغر.

الله ذاته يُحبك!

” أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ.” (يوحنا الأولى 1: 3) تبدأ هذه الآية بفعل أمر: “أنظروا.” يريدنا يوحنا أن نلاحظ إظهارات محبة الآب. فقد قدم لنا موضوع محبة الله في الإصحاح السابق (يوحنا الأولى 2: 5، 15) وناقشها بإختصار هنا ثم يشرحها بإسهاب في الإصحاح الرابع. إن هدف يوحنا هو وصف نوعية محبة الأب لأبنائه، “أية (مقدار عظمة) محبة”. إن الكلمة اليونانية المترجمة “أية” مكررة ستة مرات فقط في العهد الجديد وكلها تشير إلى الدهشة والإعجاب.

من المثير هنا أن نلاحظ أن يوحنا لا يقول: “الآب يحبنا”. فبهذا يصف حالة. ولكنه يقول لنا أن الآب “أعطانا” محبته وهذا بدوره يصور المحبة كعمل ويبين مقدار محبة الله. من اللافت للنظر أيضاً أن يوحنا إختار كلمة “الآب” عمداً. هذه الكلمة تشير إلى علاقة أبوة وبنوة. ولكن الله لم يصبح أباً عندما تبنانا كأولاده. فأبوة الله أزلية. فهو الآب الأزلي ليسوع المسيح ومن خلال المسيح هو آب لنا. فنحن ننال محبة الآب وندعى “أولاد الله” من خلال المسيح.

امتياز عظيم!

يا له من إمتياز أن يدعونا الله أولاده وأن يقدم لنا التأكيد أننا كأبنائه وارثون مع المسيح (رومية 8: 17). يخبرنا يوحنا أيضاً في إنجيله أن الله يعطي حق البنوة لجميع الذين يؤمنون ويقبلون المسيح رباً ومخلصاً لهم (يوحنا 1: 12). الله يقدم محبنه لإبنه يسوع المسيح ومن خلاله لكل أولاده بالتبني.

عندما يقول يوحنا “هذا ما نحن عليه!” فإنه يعلن حقيقة مكانتنا. الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، نحن أولاده. بكلمات أخرى، هذا ليس وعداً سيحققه الله في المستقبل. كلا، فالحقيقة هي أننا بالفعل أولاد الله. لنا أن نتمتع بكل الحقوق والإمتيازات التي يحملها تبنيه لنا، لأننا صرنا نعرف الله كأب لنا. كأبنائه فنحن نختبر محبته. كأبنائه نعترف به أباً لنا لأننا نعرف الله معرفة إختبارية. نحن نضع ثقتنا فيه هو من يحبنا ويدبر إحتياجاتنا ويحمينا كما هو متوقع من الآباء الأرضيين. وأيضاً كما يجب أن يفعل الآباء الأرضيين، فإنه يؤدب أولاده عندما لا يطيعون أو يتجاهلون وصاياه. هو يعمل هذا لمنفعتنا ” لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ” (عبرانيين 12: 10).

يصف الكتاب المقدس الذين يحبون الله ويطيعون وصاياه بعدة طرق. نحن وارثون لله، وارثون مع المسيح (رومية 8: 17)؛ نحن كهنوت مقدس (بطرس الأولى 2: 5)؛ نحن خليقة جديدة (كورنثوس الثانية 5: 17)؛ ونحن شركاء في الطبيعة الإلهية (بطرس الثانية 1: 4). ولكن تفوق حقيقة كوننا أبناء الله وأنه هو أبونا السماوي أهمية كل ماسبق، وهي أهم من أي لقب أو مكانة أخرى.

Please log in to join the chat

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع