١٥- الله المُعطي

الدرس الخامس عشر : هل عطايا الله وبركاته بلا ندامة، أم إن الله يعطينا، وينتظر مننا شيئا ما؟!

  • ما هو الاحتياج؟
  • الطرق التي يستخدمها الإنسان لتسديد احتياجاته.
  • العطاء طبيعة الإله الذي نعبده.
  • استرداد الإنسان للبركة.
  • ماذا أفعل حتى أنال البركة؟

ما هو الاحتياج؟

الاحتياج أمرٌ لا يُمكن الاستغناء عنه في حياة الإنسان، يسعى جاهِدًا لتسديده، وإشباعه؛ حتى يعيش حياةً مُستقرةً مُرضيةً مُشبِعةً له.

خلق الله الإنسانَ وله احتياجاتٌ متنوعة؛ ولأن الإنسان ثُلاثي الأبعاد، رُوحًا، ونفسًا، وجسدًا؛ فاحتياجاتُه أيضًا تتنوع ما بين: روحية، ونفسية، وجسدية.

  • فالروح: تحتاج للحصول على حالة البراءة، أي أن تكون بلا ذنبٍ، أو لوم، في حالة سلام، ومُصالَحة مع الله. تحتاج أيضًا لاستقامة – حياة أبدية بلا موت – عَلاقة قريبة بالخالق. كما تحتاج إلى الطمأنينة، والثقة، والرضى، وراحة الضمير والوجدان.
  • والجسد: يحتاج إلى الطعام – الراحة – السكن – الصحة، وما إلى آخره من هذه الاحتياجات .
  • والنفس: تحتاج إلى الأمان – الحب – الانتماء- المُشاركة – الإحساس بالقيمة – الهوية – الفَهم – القيادة – القدرة على الإنجاز – النجاح – الهدف – الحرية.

عندما لا تُسدد احتياجات الإنسان، يحيا في إحباطٍ، وخَوف، وأحيانًا كثيرة في شعورٍ بغضب غير مفهوم، وصراع لمحاولة تسديد هذه الاحتياجات بطريقته.

الطرق التي يستخدمها الإنسان لتسديد احتياجاته

  • محاولة الحصول على رضا الناس، وقَبولهم، بأي ثمن؛ لتسديد احتياج الحب والقبول.
  • الدخول في عَلاقاتٍ عاطفية وجنسية خاطئة، خارج إطار الزواج.
  • التباهي بالإنجاز والمكانة والشهادات والمال؛ لتسديد احتياج القيمة والهوية.
  • التديُّن (وهو محاولة الالتزام بمجموعة من الفرائض والطقوس والأعمال الصالحة؛ لاكتساب رضا الله)؛ لتسديد احتياج الإنسان للعَلاقة مع الله، وأن يكون بلا لومٍ أمامه.
    ممارساتٌ مثل العِرافة، وقراءة الكف، والفنجان؛ كُلها محاولاتٌ لتسديد الاحتياج للقيادة، والفَهم، والأمان، وهكذا. “اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ، وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرّ حُلْوٌ.” (سفر الأمثال 7:27).

العطاء طبيعة الإله الذي نعبده

  • خلق الله الإنسان لتكون احتياجاته كلها مُسدَّدة، وبوفرة. نعم، خلقه للبركة؛ وكان مُسدَّد الاحتياج في جنة عدن، وكان لله هدفٌ أن يُخضِع الإنسانُ الأرضَ، ويتسلط عليها، كملكٍ له سُلطان، وله شركة دائمة معه، يشعر بانتماءٍ لهذا الخالق العظيم القدير، يستمد منه شِبعًا لكل احتياجاته، للحب، والقيمة، والحياة، فجزءٌ لا يتجزأ من طبيعته العطاء والغِنى.
  • أحد أسماء الله: (يهوه يرأه)، وهو الإسم الذي أعلنه لإبراهيم، عندما أعطاه خروفًا يُقدمه ذبيحةً؛ عِوضًا عن ابنه إسحق، ومعناه (الرب الذي يَرى الاحتياجَ، ويُسدده).
  • لكن عندما سقط آدم في الخطية، خَسِر البركة، والشبع، والوفرة، وأصبح يُعاني من الفقر، والعِوز، والفشل، “مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ.” (سفر التكوين 3: 17).
  • خسر آدم أيضًا شركته مع الله، وعَلاقته به؛ فخسر الشخص الوحيد القادر على تسديد احتياجه للحب والانتماء والقيمة.
  • من الهام فَهم أن الله لم يلعن الأرض. لكن معنى الآية أن الأرض لُعِنت بسبب السقوط، وانفصال الإنسان عن الله بسبب الخطية، وتسليم السُّلطان لإبليس، أي إن الإنسان هو مَن أدخل لها اللعنة، وابتدأ يُعاني من الألم، والأمراض، والصراعات، والفقر، والعوز.

استرداد الإنسان للبركة 

  • قدًّم الله للإنسان وعودًا بالبركة بعد السقوط، كتلك التي قدمها لنوح “وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ.” (سفر التكوين 9 : 1)، ولإبراهيم “فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً.” (سفر التكوين 12: 2 ).
  • وضع الله، في عهد موسى، قانونًا للبركة، هو إطاعة الناموس (أي الشريعة)؛ وأصبحت البركة ثمنًا، وأجرةً، لمَن يسير بحسب الناموس، الذي إذا كسره إنسان، استحق اللعنة. ويضم سفرالتثنية، أصحاح 28، قائمة بالبركات واللعنات.
  • أما في عهد المسيح:
    – على الصليب، لم يحمل السيد المسيح فقط خطايا البشر، لكنه حمل أيضًا نتائج الخطايا، كالدينونة، والموت، واللعنة  “لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ (الشريعة) هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ. وَلكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا وَلكِنَّ النَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، بَلِ الإِنْسَانُ الَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا. اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ.” (رسالة غلاطية 3: 10- 13).
    فأصبح كل مَن يؤمن بالمسيح ليس تحت لعنة، لكن له كل بركات الله، مثل غفران الخطايا – التبرير – الروح القدس – الفرح والسلام – الحرية – الشفاء – النُّصرة – الحماية الإلهية – القيادة والإرشاد الإلهي – استجابة الصلاة – تسديد الاحتياجات..- إذ قد تحوَّلنا من عبيدٍ ننتظر البركة كأجرة لأعمالنا الحسنة؛ لأبناء وارثين. “إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ.” (رسالة غلاطية 4: 7).
    اعطانا الآب السماوي كل شيء في المسيح “اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟” (رسالة رومية 8: 32).- لم يُعطنا الآب بركات وعطايا متفرقة، لكنه أعطانا المسيح نفسه، بكل ما فيه من خير، وبركة، وحرية، وشفاء، وبر، وحياة. “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ.” (رسالة أفسس 1: 3).

ماذا أفعل حتى أنال البركة؟

  • نوال البركة ليست أجرة لأعمالك؛ فلا تحيا، وتتحرك، وتفكر، بنفسية وفِكر العبيد (إن فعلتُ الأمر الفلاني، سيُباركنى الله)، (أنا لا أستحق البركة؛ لأني فشلت في أن أحيا المستوى الذي يريدني الله عليه).
  • قرر أن تصدق، وتملأ قلبك، وعقلك، بحقيقة أنك ابن؛ بالتالي لك كل ما لأبيك السماوي مجانًا.
    “أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟  فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!” (إنجيل متى 7: 9-11).
  • صدِّقْ في يهوه يرأه، الإله الذي يُسدد كل احتياجاتك الروحية والنفسية والمادية، ذاك الذي أتى ليُعطيك، لا مجرد حياة عادية، لكن أفضل حياة. “وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.” (إنجيل يوحنا 10 : 10). هو مسدد كل احتياجٍ لك، مهما كبر، أو صار مستحيلًا. “لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا.” (إنجيل متى 6: 32).
  • أعظم عطية أعطاها الله للبشر هي ابنه يسوع، ففيه تسديد لكل احتياجات البشر. ثبت عينيك عليه وحده، وهذا ما قاله لمرثا؛ لأنها كانت مشغولة ومضطربة لأجل أمورٍ كثيرة، “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَها: مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا.” (إنجيل لوقا 10: 41، 42).
  • اطلب ملكوت الله أولًا: قال المسيح “لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.” (إنجيل متى 6: 33). في هذه الآية، مفتاح تسديد كل احتياجاتك، أن يملك المسيح على حياتك، وأفكارك ومشاعرك وقراراتك، ثق فيه (عن طريق عَلاقتك المستمرة معه من خلال الكلمة، والروح القدس، والصلاة؛ لتعرف مشيئته الصالحة لك)، اجعل المسيح محور حياتك، وليس أنت أو احتياجك.
  • بادر أنت أولًا بالعطاء. أعطِ من وقتك، ومالك، واهتمامك، ومحبتك، للآخرين والمُحتاجين؛ حينها ستجد أن ما لديك زاد؛ فهذا هو مبدأ ملكوت الله “أَعْطُوا تُعْطَوْا.” (إنجيل لوقا 6: 38)، كذلك “هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ.” (رسالة كورنثوس الثانية 6:9).

ختاما.. من الهام جدا التأكيد على مبدأ العمل كما أوضحه الرسول بولس في رسالته إلى أهل تسالونيكي،“فَإِنَّنَا أَيْضًا حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ، أَوْصَيْنَاكُمْ بِهذَا: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا».” (تسالونيكي الثانية 3: 10).

من الهام أيضا التأكيد على مبدأ الاكتفاء كما علمنا إياه بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي بالأصحاح الرابع:

  • 11 لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ.
    12  أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضاً أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ.
    13  أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.

تطبيقات عامة على الدرس

آياتٌ لدراسةٍ أعمق
  • إنجيل لوقا 15: 31.
  • رسالة يعقوب 1: 17.
  • إنجيل متى 7: 7.
  • رسالة كورنثوس الثانية 8: 9.
صلاة

أشكرك أبي الحبيب أني في المسيح، ابنٌ، ووارثٌ، لكل بركة روحية في السماويات. أشكرك أنك أرسلت ابنك الوحيد يسوع؛ كي يٌصلبَ من أجلي، ويُحول كل لعنة إلى بركة، أشكرك أني في المسيح مُشبَّع تمامًا من الحب، والقيمة؛ فأنت ترويني؛ لأروي آخرين. أطلب منك في اسم يسوع أن تملك دائِمًا على حياتي، وأفكاري؛ فروحي ونفسي وجسدي ملكك. آمين.

يُمكنك أيضًا سماع الدرس باللهجات المختلفة

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع