الدرس الخامس عشر (النضوج الروحي)
كل من يسلم حياته للرب، ويقبل يسوع مخلصًا شخصيًّا لحياته، يصير ابنًا له، لكن الابن يمر بمراحل نمو ونضوج عديدة في حياته. “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.” (إنجيل يوحنا 1: 12).
إن مستويات النضوج الروحي المذكورة في الكتاب المقدس؛ كالتالي: الطفولة، الإعاقة الروحية، المراهقة، النضوج، في حين أنها اختُصِرت في الترجمة العربية التي بين يدينا إلى بعض كلماتٍ: مثل: طفل، وأولاد، وأبناء؛ لذلك من الهام الرجوع للأصول اليونانية للإنجيل؛ لمعرفة عن أي مستوى روحي تتحدث هذه الكلمات.
اليوناني المعنى
تكنون (Teknon) ابن
بريفوس (Brefos) طفل رضيع
نبيوس (Nibios) معاق
بايدون (Paidon) مراهق
هيوس (Hios) ناضج
“وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ (تِكنون) اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ،” (إنجيل يوحنا 1: 12)، “اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ.” (رسالة يوحنا الأولي 3: 1 ).
يشهد الروح القدس بأننا أبناء الله؛ أي نُقلنا من مملكة الظلمة إلى مملكة النور والحياة. “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ (تِكنون) اللهِ.” (رسالة رومية 8: 16).
النضوج ليس شرطًا، لكنه وسيلة لاستلام كل حقوقي وميراثي في المسيح. وهدف الله لكل مؤمن أن يكون ناضجًا وبالغًا، أي رجُلًا في الحياة الروحية.
“إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ.” (رسالة أفسس 1: 5).
لفظ التبني هنا ليس بالمعنى المعروف لدينا في هذا العصر، ولكن في الفترة التي كُتِب فيها هذا اللفظ، كانت تعني (نضوجًا)؛ فعندما يكون لملك أولاد كثيرون، كان يرسلهم إلى مدرسة ليتدربوا، ويتعلموا فنون الحرب والقيادة، وبعد انتهاء فترة التدريب، واجتيازها بنجاح، يأتي المعلمون إلى والده الأبناء، الملك، ويُعلنوا أن هذا الابن أصبح ناضجًا، فيصنع الأب حفلة تبني، يُعلن فيها أن ابني هذا ناضج، ويرشحه ليحل محله، وهو على قيد الحياة، حتى لو لم يكن ابنه البكر. “بَلْ هُوَ تَحْتَ أَوْصِيَاءَ وَوُكَلاَءَ إِلَى الْوَقْتِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ أَبِيهِ.” (رسالة غلاطية 4: 2).
سنتعرف معًا على مستويات النضوج، ومقاييس كل مرحلة. هذا لأن الله يريدني أنضج سريعًا، ليس للحكم على الآخرين، لكن للحُكم على نفسي، ولمعرفة مستوايا الروحي، ومسؤولياتي في كل مرحلة. دعونا نعرف أكثر عن مستويات النضوج من كلمة الله.
1. الطفل الرضيع (حديث الولادة) (بريفوس):
كلمة ابن في هذه الآية تعني طفلًا رضيعًا، أي (بريفوس) مولود من الله حديثًا “وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ (بريفوس) الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ.” (رسالة بطرس الأولي 2: 2)، ومثل أي طفل يحتاج إلى لبن غير مغشوش؛ لينمو به بشكلٍ صحيح، هكذا المولود من الله يحتاج إلى كلمة الله؛ لينمو بها. فكما يوجد لين مغشوش هكذا توجد أفكار وتعاليم مغلوطة عن الله، تقودك للحيرة، وعدم النضوج.
“لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ (بريفوس).” (رسالة العبرانيين 5 : 13).
“كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً (بريفوس) مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ.” (رسالة أفسس 4 : 14).
من الطبيعي لأي شخص وُلِد من الله أن يمكث وقتًا في هذه المرحلة التأسيسية (ومثل الطفل هذه المرحلة يتشكل فيها)؛ لذلك من المهم أن لا يُوكَّل على آداء أي عمل روحي، أو قيادة في الجسد (رغم أن لديه القدرة على فِعل الصح)، لكنه يحتاج، بعدُ، أن ينمو.
2. القاصر (المراهق) (بايدون):
كلمة ابن في هذه الآية تعني فترة الشباب الروحي، “أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا (بايدون) فِي أَذْهَانِكُمْ (أي في تفكيركم)، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ.” (رسالة كورنثوس الأولي 14: 20).
3. ناقص العقل (المؤمن الجسدي) (نبيوس):
4. رجل ناضج (هيوس):
بداخل مرحلة النضوج مراحل؛ لذلك فهو شخص تمرن أن يستمر فيما تعلمه، ويستطيع أن يُعلم آخرين. “وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.” (رسالة العبرانيين 5 : 14).
“اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.” (إنجيل يوحنا 24:4).
من الأساسيات المهمة للنضوج:
1. كلمة الله: عندما يسلم المؤمن حياته لكلمة الله، تكون قادرة أن تبنيه. لكن الأهم ليس مجرد معرفة الكلمة، بل إدراكها، وتطبيقها، والمواظبة عليها، والسلوك بها. “وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي للهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا مَعَ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ.” (سفر أعمال الرسل 32:20).
عندما تواجه تحديات، لا تواجهها بنفسك، لكن استخدم كلمة الله في مواجهتها؛ لأنها ستُنضجك. من له هذا الاهتمام، سيُعطى، وتزداد له هذه المعرفة، لكن مَ، ليس لديه، سيخطف إبليس منه هذه المعرفة.
2. شركة الروح القدس:
لا تكتفِ بدراسة الكلمة، لكن خذ وقت صلاة؛ لتغرس ما تدرسه في روحك، وأنت في علاقة شكر وعرفان معه على ما فعله لنا، وجعلنا عليه. “طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.” (رسالة يعقوب 5 : 16).
اسمع لصوت الروح القدس داخلك وأنت تدرس الكلمة. “بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ.” (رسالة رومية 8 : 15). روح التنضيج كما ذكرنا سابقًا. يعمل الروح القدس على تنضيج المؤمن.
إلهي المحب.. أشكرك لأن هدفك أنه أكون مشابهًا لصورة ابنك يسوع، وأن أنضج، وأكبر في معرفتي لهويتي الحقيقية في المسيح، بعد أن أعرفك معرفة صحيحة من خلال كلمتك، وأتجاوب معها. أشكرك لأنك جعلتني منتصرًا وثابتًا في الحياة.. آمين.