س1: ما هي الصفات التي يتمتع بها الله جلَّ جلالُه وتعاظم شأنهُ؟!
ج1: مجموعة صفات ذاتية يتفرد بها وحدُه، ومجموعة صفات أدبية مطلقة غير محدودة.
إلى الدرس بشيءٍ من التفصيل والإيضاح
كلما اكتشفت صفات شخصٍ ما، ازدادت معرفتك به، بالتالي شراكتك وصداقتك معه. بالطريقةِ نفسها؛ كلما تعرَّفت على صفات الله الخالق العظيم، فهمت شخصيته، وقويت صداقتك معه. والله يتحلى بصفاتٍ كثيرة مذهلة، يُمكن أن نقسمها لفئتين على سبيل التبسيط والإيضاح، صفاتٍ ذاتية وهي التي يختص بها وحدُه دونا عن بقية البشرية، وصفات أدبية وهي اللي تكون مشتركة بينه وبين الإنسان؛ لكن بمحدودية ونطاق محدد في الإنسان، وبلا محدودية في الإله العظيم.
دعونا نتحدث أولا عن صفاته الذاتية
يُمكننا أن نتعلم أشياءَ جديدة عن من هو الله، بدراسة بعضٍ من أسمائه المذكورة في الكتاب المقدس؛ كالآتي:
ولنُلقي نظرةً سريعةً وعامة على أسماء الله في الكتاب المقدس، نجد أن هناك
ثلاثة أسماء في العهد القديم (العِبرية)، وهي
إيلوهيم: ومعناه القدير أو القوي، وهذا الإسم يُشير إلى القوة والدوام الأزلي (تكوين 1:1).
أدوناي: ويَعني السيد أو الرب أو الحاكم وترمز عادةً إلى سُلطان ومكانة الله (إشعياء 6: 8 -11).
يهوه/ يهوى: ويعني الموجود بذاتهوتُشير إلى اسم الله الشخصي وأزليته في إشارة للفادي وحافظ العهد. (تكوين 2: 4)، حزقيال (3: 14).
أربعة أسماء في العهد الجديد (اليوناية)، وهي
ثيوس: ومعناه الله وهو ما يوازي ألوهيم أو يهوى في العهد القديم (تيطس 2: 13).
كيريوس: ومعناه رب وهو ما يوزاي أدوناي في العهد القديم (يوحنا 20: 28).
ديسبوتس: ومعناه السيد أو السيد الرب (لوقا 2: 29).
أبا (باتر): ومعناه الآب وتُشير إلى علاقة المؤمنين بالله (يوحنا 4: 23).
وبالحديث عن بعضٍ من صفاته الذاتية، التي يتفرد بها جل جلالُه وحدُه، يمكن أن نتطرف على سبيل المثال، لا الحصر إلى:
الأزلية
أولى صفات الله الذاتية، أن الله وحده هو الأزلي، الذي لا بداية له. ولا يوجد كائن آخر أزلي، لأن كل الكائنات الأخرى لها بداية. وبدايتها هي يوم خُلقت، يوم وُجدت، يوم وُلدت. وقبل ذلك لم يكن أيٌّ من تلك المخلوقات موجودا.
وهذا الكون كله، بكل ما فيه من قارات وأقطار وبلاد، وما فيه من شموس وأقمار وكواكب، كل هذا الكون مخلوق، وله بداية، ولا شيء فيه يتصف بالأزلية.
· الخلق
من صفات الله الذاتية أيضًا أنه الخالق. هو وحده الخالق. وقد خلق كل شيء؛ وهذا يعني أنه أوجد من العدم، من لا شيء. أما ما يُنسب إلى العقل البشرى من أشياء مبهرة، فهو قد صنعها، ولم يخلقها، وقد صنعها من المادة التي خلقها الله، كما أنه صنعها بذكاء جبار اتصف به العقل البشرى. ولكن العقل البشري من خلق الله، وذكاء ذلك العقل من موهبة الله.
الله إذن هو مَن خلق المادة، وخلق العقل والذكاء. والعقل استخدم المادة والذكاء، في مجال التكنولوجيا وغيرها، وصنع كل تلك الصناعات المبهرة. ويبقى الله هو الخالق وحده. والله لم يخلق فقط المادة وكل ما هو مادي، إنما خلق أيضًا الروح والعقل. وخلق الملائكة وهم أرواح.
هنا وجب التنويه أن هناك عدة أنواع للخلق تُبرز مدى قُدرة وعظمة الله الباري جل جلالُه وتعاظم شأنُه، هي مثلا
خلْق الكَون من العدم:حيث يُعلمنا الكتاب المقدس عبر سفر التكوين أنه قبل قيام الله بخلق الكون، لم يكون شيءٌ موجود أو قائم بذاته، غير الله ذاته. وهذا نراه في (كولوسي 1: 16).
خلْق الكون الروحي: يشمل خلْق كل الكون خلْق عالم روحي غير منظور، فقد خلق الله الملائكة وأنواعا أخرى من الكائنات السماوية، بالإضافة إلى الإنسان والحيوان، كما خلق السماء كمكان يتجلى فيه حضوره بشكلٍ خاص، ومن المؤكد أن خلْق العالم الروحي مُتضمَّن في بعض الآيات، مثل (رؤيا 10: 6)، و(أعمال 4: 24).
خلْق آدم وحواء المُباشر: يُعلمنا الكتاب المقدس أن الله خلق آدم وحواء بطريقةٍ شخصيية خاصَّة. “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.” (تكوين 2: 7).
خلْق الزمن: هنالك جانب آخر لخليقة الله وهو خلْق الزمن (أي تتابُع اللحظات واحدةٌ تلو الأخرى)، وهو ما يتعلق بصفة الله السرمدية التي يتمتع بها الله. في امتدادٍ زمني لا نهايةَ له.
· واجبالوجود:
أيضًا من صفات الله وحده، أنه واجب الوجود. أي إن الضرورة تحتم وجوده. ذلك أن كل الموجودات تحتم وجود كائن أعلى كلى القدرة هو الذي أوجدها، وكان سبب وجودها. لذلك يصفه بعض الفلاسفة بأنه السبب الأصلي لإيجاد جميع الموجودات. إذ لا يوجد كائن غير الله، يمكن وصفه بأنه واجب الوجود.
وما دامت كل الكائنات الأخرى مخلوقة، ولها بداية، ولم تكن موجودة قبل هذه البداية، إذن فهي ليست موجودة بالضرورة. فما دام قد مرَّ وقتٌ قبل خلقها، لم تكن موجودة فيه، إذن وجودها لم يكن ضروريًا.
· غيرمحدود
من صفات الله أيضًا انه غير محدود. فهو غير محدود في القدرة، أي أنه قادر على كل شيء. وهو الوحيد القادر على كل شيء، لا يشاركه في هذه الصفة البشر ولا الملائكة. فالملائكة لهم قدرة عظيمة، لكنهم ليسوا قادرين على كل شيء. والبشر مهما عظمت قدرتهم، ليسوا قادرين على كل شيء. يكفى أن الموت قد غلبهم جميعا. ومن مظاهر قدرة الله على كل شيء، صنعه المعجزات. الله أيضًا غير محدود من جهة المكان. فهو موجود في كل مكان، ولا يسعه مكان.
هو دائم الحضور في كل موضع. وهذه صفة خاصة به وحده. فلا يستطيع أحد أن يكون موجودًا في مكانين في نفس الوقت. والله إذ يوجد في كل مكان، إنما يرقب كل ما يحدث فيه. وبهذا المعنى نقول إنه فاحصٌ للقلوب، وقارئ للأفكار. الله أيضًا غير محدود من جهة المعرفة. فهو يعرف كل شيء عن كل شيء.
روح
إن الله بطيبعته وجوهره روح، أي هو لا يوجد في جسدٍ، أو مادة، على الرغم من أنه اختار في المسيح أن يأخذ محدودية الجسد البشري، هو غير منظور إلا عندما اختار أن يُعلن نفسه في المسيح. الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر (يوحنا 1: 18).
كما أنه لا يمكن تمثيله أو تصويره بأيء شيءٍ من صُنع الإنسان. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. (خروج 20: 3 -4).
الله في جوهره الوحدة والبساطة؛ أي هو غير مُركَّب من أجزاء أو أعضاء. «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. (تثنية 6: 4).
واحد
بمعني أنه لا يوجد اله آخر غيره، أيضا أنه الوحيد القادر أن يملأ احتياجات قلوبنا العميقة. وهو الوحيد المستحق لعبادتنا.
أما عن صفات الله الأدبية، والتي هي مُطلقة في شخصه، لكن نسبية لدى الإنسان، فإليك بعضٌ منها:
“نور“
فهو الذي يلقي الضوء على ما يشاء (إشعياء 19:60 ويعقوب 17:1). الحقيقة أن الله أعلن معرفة معلومات معينة عن شخصه لا يمكن تجاهلها (عبرانيين 1:4). والخليقة، والكتاب المقدس، والكلمة التي صار جسدا (أي يسوع المسيح) كلها عوامل ستساعدنا على معرفة من هو الله.
عادل
فهو لا يميز أشخاصا معينين عن الآخرين (تثنية 4:32، ومزمور 30:18). )، الله مطلق السلطة، قادر أن يفعل ما يشاء، ولكن أفعاله تتماشى مع صفاته الأخري (رؤيا 6:19)، و( إرميا 17:32 و 27).
الله موجود، هذا يعني أنه موجود في كل مكان، ولكنه لا يمثل كل الأشياء (مزمور 7:139 -13 و(إرميا 23:23). . الله واسع العلم، بمعني أنه يعلم الماضي الحاضر والمستقبل، ولذلك فهو عادل (مزمور 1:139 -5 و أمثال 21:5).
صاحبالسلطان
هو عال، فإن اتحدت الخليقة كلها بمعرفة أو غير معرفة فهذا لن يغير خطته للعالم (مزمور 1:93 وإرميا 20:23). الله روح، الله هو الثالوث الأقدس، بمعني أن الله يظهر نفسه من خلال الثالوث الأقدس الواحد المتساو في القوة والمجد “الآب والابن والروح القدس”. ونجد أنه دائما يشار الي الله بالمفرد لأنه إله واحد (متى 19:28 ومرقس 9:1 -11). الله حق، بمعني أنه لا يكذب ولن يتغير أبدا “مزمور 2:117 وصموئيل الأول 29:15).
قدوس
بمعني أن الله لا يحمل كراهية وحقدا تجاهنا. برغم أن الله يري الشر وهذا يغضبه. لكن الله رحيم، وهذا يتضمن صلاحه، و رحمته و محبته. وأن لم يكن الله صالحا ورحيما، لكنا حرمنا من التمتع بجميع صفاته الأخري. ولكنه يرغب في أن يتعرف علينا شخصيا، وأن يكون لنا علاقة حميمة معه (خروج 27:22 و مزمور 19:31 و بطرس الأولي 3:1 و يوحنا 16:3 و يوحنا 3:17).
حكيم
فالله يتصف بالحكمة، وكثير من البشر يوصفون بأنهم حكماء. ولكن حكمة الله مطلقة، وغير محدودة، بينما حكمة البشر محدودة. وهى حكمة نسبية، نسبة لما وهبهم الله من ذكاء، ومن حسن تصرف. وما نقوله عن الحكمة في هذا المجال، نقوله أيضًا عن القوة والرحمة والجمال والمعرفة، وما شابه ذلك من الصفات.
مُحِب هي أكثر من مجرد صفة من صفات الله؛ فهو حرفيا جوهر المحبة. تقول رسالة يوحنا الأولى 4: 8 هذا بوضوح: “مَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ”. محبة الله أبدية. ولأنه لا يتغير، فمحبته لا تتغير أبداً. محبته كاملة ومقدسة.
وهو أيضا ورؤوف رحيم طويل الأناة. خروج 34 :6 ومزامير 9 :8-10 ومراثي إرميا 3 :22 و23 وحزقيال 33 :11 ومتى 5 :45 ويوحنا 3 :16 و1 يوحنا 4 :16.
أمَّا عن العَلاقة والشَّركة مع الله:
توجد خمسة أمور أساسية يمكن أن نقوم بها لتكون لنا علاقة أكثر قرباً مع الله.
أول شيء يمكن أن نقوم به لتكون لنا علاقة أكثر قربا مع الله، هو التعود على الاعتراف له بخطايانا يوميا. إذا كانت الخطية هي الحاجز في علاقتنا مع الله، فإن الاعتراف بها يزيل ذلك الحاجز. إن الله يعدنا أن يغفر خطايانا عندما نعترف بها أمامه (يوحنا الأولى 1: 9)، والغفران هو ما يسترد العلاقة التي كانت متوترة. يجب أن نتذكر أن الإعتراف هو أكثر من مجرد القول: “أنا آسف على خطاياي يا رب”. إنه الندم القلبي لدى من يدركون أن خطيتهم هي إساءة لإله قدوس. إنه إعتراف من يدرك أن خطيته هي التي سمَّرت المسيح على الصليب.
الأمر الثاني الذي يمكن أن نقوم به لتكون لنا علاقة أكثر قربا مع الله، هو أن نصغي عندما يكلمنا الله، إن الكثيرين اليوم يركضون وراء اختبار فائق للطبيعة لسماع صوت الله، ولكن يقول لنا الرسول بطرس إن “عِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ.” (بطرس الثانية 1: 19). وتلك “الكلمة النبوية” هي الكتاب المقدس. فمن خلال الكتاب المقدس نحن “نسمع” صوت الله. ومن خلال الكلمة المقدسة “الموحى بها من الله” نصبح “مؤهلين لكل عمل صالح” (تيموثاوس الثانية 3: 16-17).
الأمر الثالث الذي نستطيع أن نقوم به لتكون لنا علاقة أكثر قربا مع الله، هو أن نتحدث معه من خلال الصلاة. إذا كانت قراءة الكتاب المقدس هي سماع صوت الله يحدثنا، فإن الحديث مع الله يتم من خلال الصلاة. تسجل الأناجيل انفراد المسيح بعيدا عن الناس أحيانا؛ لكي يتواصل مع أبيه السماوي من خلال الصلاة. والصلاة أكثر من مجرد وسيلة لنطلب من الله ما نحتاجه أو نريده. تأمل نموذج الصلاة الذي أعطاه المسيح لتلاميذه في متى 6: 9-13. إن أول ثلاث طلبات في تلك الصلاة موجهة نحو الله (ليتقدس إسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك). والثلاث طلبات الأخيرة نطلبها من الله بعد تحقيق الثلاثة الأولى (خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، إغفر لنا ذنوبنا، لا تدخلنا في تجربة).
الأمر الرابع الذي يمكن أن نقوم به لتكون لنا علاقة أكثر قربا مع الله، هو أن نجد جسد مؤمنين (كنيسة) يمكن أن نعبد الرب معهم بانتظام. إن هذا مكون حيوي من مكونات النمو الروحي. أحيانا كثيرة، نفكر في الكنيسة بمنطق “ما الذي أستفيده أنا؟” ونادراً ما نأخذ وقتا لإعداد قلوبنا وأذهاننا للعبادة. إن الله يدعونا، بل يأمرنا أن نأتي إلى محضره لكي نعبده.
أخيرا، إن العلاقة القريبة من الله أساسها حياة الطاعة. قال الرب يسوع لتلاميذه في العلية: “إنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي.” (يوحنا 14: 23). كما يقول الرسول يعقوب إننا إذ نُخضع نفوسنا لله بالطاعة، ونقاوم إبليس، ونقترب إلى الله، فإنه هو أيضا يقترب إلينا (يعقوب 4: 7-8). ويقول الرسول بولس في رسالة رومية أن طاعتنا هي “ذبيحة حية” من الشكر لله (رومية 12: 1). ؛ يجب علينا أن نتذكر أن كل وصايا الكتاب المقدس بشأن الطاعة تبين أنها استجابتنا لنعمة الله التي نقبلها في الخلاص. نحن لا ننال الخلاص نتيجة طاعتنا، بل إن طاعتنا هي الطريقة التي نعبر بها عن محبتنا وامتناننا لله.
خُلاصة
هناك صفات ذاتية يتفرد بها الله وحده دونا عن الإنسان، مثل الأزلية، والخلق، واللا محدوديَّة، وصفات يشترك فيها الله مع بعض خليقته. وتكون في الله مطلقة وغير محدودة، بينما تكون في المخلوقات نسبية ومحدودة، مثل المحبة والرحمة والعدل والقداسة،. ولكي نكون في عَلاقة وشَركة مع الله الخالق المُحب الرحيم، فإن كلا من الاعتراف، ودراسة الكتاب المقدس، والصلاة، والانتظام في حضور الكنيسة، والطاعة، كُلها أمورٌ رائعة، تُمكننا من أن نُنمي علاقة أكثر قربا من الله.