الدرس الثانى: المحبة الإلهية، وهي محبة غير مشروطة، لا حدودَ لها، بتضحيتها، ببذلها، بفدائها، وصبرها، على ضعفنا البشري.
تعرفنا في الدرس السابق، على مفهوم أبوة الله في الإيمان المسيحي، وأكَّدنا على أنها لا تَعني، مُطلقا، أن الله تزوج وأنجب، بل استعرضنا، واكتشفنا معا، ما يقوله الكتاب المقدس عن هذا الأمر.
لذلك؛ واستكمالا لما قد بدأناه، سنُقرِّب “العَدَسة” كي نرى بدقة أكثر جانبا من جوانب أبوة الله لنا، وهو “الحُب غير المشروط”!
ربما هذا التعبير “غير مألوف” عليك، بل ربما لم تسمعه أصلا من قبل، وهذا يجعلنا قبل أن نستفيض في شرحه، نتناقش معك في بعض الأسئلة، التي قد تبدو بديهية بالنسبة لك، لكنَّ الحقيقة أنك قد تجد في إجاباتهِا “المعروفة مسبقا” مفاتيحَ هامة، وأسرارا، تُزيل جزءًا جديدا من الغموض الذي ربما نشأت عليه طيلة حياتك تجاه الله.
ثق أنه ليس إلها غامضا أو غريبا، ثق أنه يحبك، تماما كما تحب ابنك، لا! بل أكثر بكثير.
لو كانت “إجابتُكَ” بـ”نعم” على أحد هذه الأسئلة، ثق أنك بحاجة “لمراجعة” مفاهيمك للبنوة الحقيقية التي خلقنا عليها الله وفي حالة أن يكون هناك شخص أجاب بنعم، ستكون هذه الكلمات في منتهى القسوة عليه، وربما تبني جدارا بينك وبينه.
بالطبع لا أحد فينا يفعل هذا لو كان سَويا. بل كونه “أبا” يجعله يُحب ابنه في كل الأحوال.
بكل تأكيد أيضا لا أحد فينا يقبل الخطأ أو التسيب أو الإهمال، بالطبع نُعاقب ونؤدب أولادنا عندما يُخطئون، أو يكررون أخطاءهم، وهذا صحيح تماما. لكن لا أحد فينا يكره ابنه، أو يرفضه، أو يقطع علاقته به، أو يتوقف عن حمايته وتسديد احتياجاته المختلفة بسبب الأخطاء.
أنا أحب ابني لأنه، من “صُلبي”، “قطعة مني”، أو كما نقول بالعامية المصرية “حِتة مني”.
أنا أحب ابني لأنه “ابني”. أحبه في كل الأحوال. وتحت كلمة أحبه كل مفرادات الأبوة والإنسانية والفطرة.
وهذا يجعلنا نسأل:
ربما كما ذكرنا في الدرس السابق، نشأتَ وأنت لا ترى في الله إلا “الإدانة، الشدة، العقاب الشديد، الترقب، الاستعداد الدائم للانتقام”، أو أنه “رد فِعل” لأخطائنا، وليس شخصا مبادرا بالحب.
دعني أقول لك الآن، نعم هو عادل، لا يقبل الخطأ، لا يحب التمادي فيه. نعم يُعاقِب، لكن.. هو لا يُعاقب لأنه يُحب العقاب أو يستمتع به!
إن كُنا لتوِّنا، قد تحدَّثنا في الأسطر القليلة السابقة عن الفطرة، دعني أسألك سؤالين آخرين، من فضلك:
أكاد أجزم لك عزيزي، أن أغلبنا، إن لم يكن جميعنا، من أصحاب الفطرة السوية، لا يحب ذلك، بل هو يلجأ إليه؛ لإصلاح وتهذيب ابنه؛ كجزء من المحبة السَّوية غير المؤذية، لا تفريغا لانتقام أو كراهية!
الله نعم يعاقب ويؤدب، لكن لخيرنا، وتأديبنا، وتنضيجنا، وهذا يسبقه بأميالٍ كثيرة أنه “أب، مارس ويمارس معك قبل العقاب، وبعده، شتى أنواع المحبة والرعاية وتسديد الاحتياج”! وهذا هو “الحب غير المشروط”!
هو يحبك لأنك “ابنه”، لا لأنك سواء كنت “جيد أو غير جيد”.
الآن، لنستعرض بعضا، قليلا، مما يذكره الكتاب المقدس، عن “محبة الله غير المشروطة” للإنسان:
بالتأكيد أنت لم تختبر سوى المحبة المشروطة في حياتك. وهذه المحبة عادةً ما تكون على هذه الصورة “سوف أحبك طالما أنت تحبني”، أو “سوف تبقى أنت حبي الأول إلا إذا وجدت شخصاً أفضل منك”.
إن الحب المشروط يعتمد على سلوكك وتصرفاتك وطريقة تعاملك مع الآخرين، تصرفْ بصورة جيدة، وسوف تكون محبوبا في عملك وفي بيتك وفي علاقاتك.
ثق أن محبة الله لك غير مشروطة، أبدية وكاملة. هو لن يُحبك، عندما تذهب إلى السماء، أكثرَ، مما يُحبك اليوم.
“أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟” (رومية 2: 4).
تعودنا جميعا، أن ما يقودنا للتوبة هو خوفنا من عذاب الله الأليم، ورُعبنا من الجحيم، والعقاب الشديد في الأرض، لكن تأتي هذه الآية لتقلب هذا رأسا على عقب!
إذ توضح أن “لُطف” الله، وصبره، وتأنيه على الإنسان، ورحمته، وترفقه، هو ما يدفع الإنسان، لتغيير مساره، والسير في طريق محبة وأبوة الله، لأنه أدرك حبه، لا لأنه ارتعب من عذابه. ما أروع وأعظم هذه الآية!
بمراحم الرب أغني عن حقه يخبر فمي
أزال مخاوفي مني منحني سعادة أبدية
له ذراع القدرة له يمين العزة
اسمه رب النعمة من قد أعطاني الحرية
ملوك الأرض يسجدون له بخشوع يخضعون
من غيره غلب المنون يسوع فادي البشرية
من في السماء يعادله من علي الأرض يشابهه
مهابته تكلله ابن الأحضان الأزلية
شاركنا بموقف لمستَ فيه محبة الله غير المشروطة لكَ.. قُم بتصرف فيه أحد مظاهر “المحبة غير المشروطة” لشخص عزيز عليك.
(إلهنا الحبيب الصالح، أشكرك كثيرا؛ لأني اليوم أدركت، وتعرفت أكثر، على طبيعة محبتك غير المشروطة لي، وأيقنت أنها أجمل معاني أبوتك لنا، أحبك كثيرا، واثقا أنك تحبني محبة أبدية، غير مرتبطة بصلاحي أو أعمالي، أبارك وأقدس اسمك مخلصي القدير، في اسم يسوع.. آمين.)