3- مفهوم الثالوث المسيحي

مفهوم الثالوث المسيحي

(لسنا نَصارى.. 3 أقانيم وإلهٌ واحد!)

س1: هل يعبد المسيحيون ثلاثة آلهة؟ وما هو إذا الثالوث؟!

ج1: بكل تأكيد يعبد المسيحيون إلها واحدا لا شريك له، والثالوث هو ثلاثة أقانيم، أي هو جوهر واحد للإله، ودور متمايز (مميز) لكل أقنوم. الثالوث هو نفس الإله.

وكلمة “أقانيم” كلمة سريانية، وهي الوحيدة في كل لغات العالم التي تستطيع أن تعطي هذا المعنى، أي تميز مع عدم الانفصال أو الاستقلال. لأنه بما أن الله لا شبيه له بين كل الكائنات، وبما أن لغات البشر إنما تصف الكائنات المحدودة.

  • إلى الدرس بشيءٍ من التفصيل والإيضاح
  • حسنا! ماذا تعرف عن الثالوث المسيحي؟

قبل الخوض في قضية الثالوث، بكل تفصيلاتها، دعني أخبرك عزيزي عن أنَّ هذا الموضوع، ليس معقدا، ولا شائكا، ولا غريبا، كما كنتَ تظن، قبل قراءة هذا الدرس، بل هو فقط يحتاج لبعض الإيضاحات، التي قد تجعل الأمر سهلا جدا عليك.

دعني ألفت انتباهك لنقطةٍ في منتهى الأهمية، قد تُزيلُ اللبسَ، وهي أن من تحدَّث عنهم القرآن هم النصارى! ونحن كمسيحيين لسنا نصارى! نعم كما قرأتَ! فكلمة نصارى ليس المقصود بها أنصار السيد المسيح، بل نصارى نجران.

والنصرانية هي طائفة منشقة عن المسيحية، واندثرت نهائيا، ولا يوجد نصراني واحد في العالم الآن، وذلك منذ مئات السنين. والنصرانية كانت تؤمن بشيء اسمه الثالوث المريمي، وهذا معتقد يقول بأن الله 3 وهم: الله، ويسوع، والعذراء مريم، لكن الكنيسة اعتبرتهم مهرطقين حينها، وطردتهم. ويمكنك التأكد، بكل سهولة، من صدق ما نقول، ببحثٍ بسيط على جوجل، أو اليوتيوب، بعنوان الفرق بين المسيحيين والنصارى.

عزيزي.. القرآن لم يتحدث ولا مرة عن المسيحيين!

  • ما هو الثالوث إذا؟!

الثالوث هو هذه الأقانيم الثلاثة (الآب، الابن، الروح القدس)، وهي أقانيم سرميدية، ومتساوية معا، كلها على نحو متماثل، غير مخلوقة، وقادرة على كل شيء. وللعلم، كل الكنائس في العالم تتفق على ذلك؛ وهذا هو تعليم الكتاب المقدس. والمسيحية عموما تنادي بأن الأقانيم الثلاثة إله واحد. كما ورد في قول المسيح “وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 28 :19)، حيث قال باسم، ولم يقل بأسماء. أما كلمة أقانيم فتعني شخصيات متميزة، ولكن متحدة (بغير امتزاج)، وهم ذات واحدة. وربما تكون أقرب كلمة عربية لمدلول الأقانيم هي كلمة “تعينات”.

ولعل سائلا يتساءل، كيف أن 1 + 1 + 1 =1 فنقول له إن 1 * 1 * 1 =1.

  • ما الفرق بين الثالوث والثلاثة؟

الثالوث هو جوهر واحد للإله، ودور متمايز. الثالوث هو نفس الإله.

أما الثلاثة فهم أشخاص مختلفون في الجوهر، وفي المشيئة، وفي الدور، غير خاضعين لبعضهم البعض، وهذا ما لا يؤمن به المسيحيون، ولا يعتبرونه.

المسيحيون لا يؤمنون أن الله ثالث ثلاثة، ولا ثاني اثنين، ولا رابع أربعة، بل إله واحد.

دعنا إذا عزيزي نُلقي نظرةً سريعةً ولمحةً تاريخيةً خاطفةً على أصل فكرة “ثلاثة آلهة”!

  • الثالوث الهندوسي

يقوم الثالوث الهندوسي على أن الوظائف الكونية الثلاث؛ الخلق، الحفظ، التدمير، يقوم بها براهما الخالق، وفيشنو الحافظ، وشيفا المدمر. وهذا الثالوث يقوم على ثلاثة مختلفي،ن جوهرًا ودورًا ومشيئةً، وهذا لا يؤمن به المسيحيون.

  • الثالوث المصري

 اتخذ الثالوث المصري أشكالًا عديدة ومختلفة، كان أشهرها الثالوث المقدس، إيزيس الأم، وأوزوريس الأب، وحورس الابن، وعلى هذا المنوال تعددت الآلهة المصرية. ونلاحظ وجود أب وأم وابن، وهذا ما لا يؤمن به المسيحيون، ولا علاقة له بالإله الواحد عند المؤمنين المسيحيين.

  • ما لا يؤمن به المسيحيون

إذًا فإن جملة “الثالوث المسيحي مأخوذ من الثالوث الوثني”، هي جملة مزيفة، مُضللة، وغير حقيقية، تقال للعب بذهن البسطاء من الناس. لذا لا يؤمن المسيحيون بالتعدد، ولا الأشكال المختلفة للإله، ولا الآلهة الثلاثة، ولا العلاقة الجنسية بين الإله وأحد خلقه، ولا الثالوث الوثني.

  • وحدانية الله

يخبرنا الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، أن الله واحد، لا إله إلا هو. ومجرد ذكر اسم “الله” بـ (ال التعريف) دليل على وحدانيته. فما هو معنى الوحدانية؟

  • يؤمن جميع المؤمنين بالله، بوجود الله، وكل موجود عاقل له شخصية، وصفات، وأسماء، وفي ضوء هذه المعطيات، يمكننا أن نتعرف على بعض معاني الوحدانية، لنرى ما هو المقصود بوحدانية الله، وما هو الإيمان المسيحي بوحدانية الله.
  • الوحدانية تأتى من الأصل (واحد)، والوحدانية تختلف عن الوحدة التى تعنى وحدة مفردة، أو وحدة قياس، وتختلف أيضا عن فعل يتحد (اتحد أو تآلف)؛ لذلك عندما نقول بوحدانية الله، فإننا لا نقصد الوحدانية الحسابية العددية، لأن الله لا يعد، لكننا نعلم بأن الله واحد، فما هي يا ترى الوحدانية التي لله؟
  • والآن دعونا نستعرض بعضا من صور هذه الوحدانية
  • أنواع الوحدانية
  • الوحدانية المجردة

إن الوحدانية المجردة، تعني أن لا صفات فيها، ومَن يقولون بوحدانية الله المجردة، فهم بذلك ينأون بالله عن أن يتصف بأية صفة، باعتبار أن الله عندما يتصف بصفات معينة، فإنه يكون إلها محدودا بحدود هذه الصفات، وهم يقولون بأن الله فوق الوجود، وفوق العالم، وفوق الإرادة، ونقطة الضعف في هذه الصورة من الوحدانية، إنها تجعل من الله غير موجود.

  • الوحدانية المطلقة :

يؤمن أصحاب هذا الفكر، بأن الله كائن، موجود، ووجوده أمر حتمي، ووحدانيته مطلقة، لا حدَّ لها، ومنهم مَن يقول بأن الله ذات يتصف بكل الصفات الإيجابية كالعلم، والإرادة وغيرها، على أن هذه الصفات لم يكن لها ظهور أو مجال تعمل فيه، قبل الخلق، أي أن صفات الله كانت موجودة منذ الأزل، لكنها صارت فاعلة عند الخلق، لكننا إذا سلمنا بهذه النظرية نكون آمنا بأنه في لحظة من الزمن قد حدث تغير في الله، وحاشا لله من التغيير.

  • الوحدانية الجامعة المانعة :
  • أي الشاملة والجامعة لكل ما هو لازم لوجود صفات الله بالفعل، بصرف النظر عن وجود الكائنات، أو عدم وجودها، لأنه بذلك يكون منذ الأزل الذي لا بدء له، عالما ومعلوما، عاقلا ومعقولا، محبا ومحبوبا، دون أن يكون هناك تركيب في ذاته، أو شريك معه، الأمر الذي يتوافق كل التوافق مع كماله، واستغنائه بذاته عن كل شئ في الوجود.
  • مع العلم بأن لكل موجود ثلاث نسب (جوهر – الصورة – القوة)، (الجوهر- الشكل – النتيجة).
  • كما أن الكائن العاقل ليس له عَلاقة بالكائنات الأخرى وحسب، بل لا بُدَّ أن تكون له علاقة بذاته العاقلة أيضا.
  • إليك عزيزي جدول توضيحي للوحدانية الجامعة
 الجوهرالصورةالفِعل أو النتيجة (القوة)
الله(مصدر + الكلمة + روح)صفات مُعينة(الخليقة وكل ما عنها)
الإنسان(جسد + نفس+ روح)ملامح وشكل كل واحدأفعال وسلوكيات
الحيوان(جسد + نفس)ملامح الشكلأفعال وطِباع
الشجرة(الجسم)ملامح الشكلالثمر والحركة
  • لماذا هناك حتمية للوحدانية الجامعة المانعة ؟

تتصف وحدانية تتصف بكل الصفات الإيجابية اللائقة بها، ووحدانية لها مميزات خاصة بها، تُنشيء بسببها، بينها وبين ذاتها، علاقات خاصة منذ الأزل، وإلى الأبد. لذلك لا يٌقصد بوحدانية الله الجامعة المانعة أن هناك آلهة مع الله، أو أن هناك تركيبا في ذاته، بل يقصد بها أن ذاته الواحدة التي لا تركيب فيها على الإطلاق، هي بنفسها جامعة مانعة، أي تتميز بكل المميزات الروحية اللائقة بكمالها، واستغنائها عن كل شئ غيرها منذ الأزل، وإذ كان الأمر كذلك؛ فليس في إسناد هذه الوحدانية إلى الله، ما يُفهم منه أن له شريكا أو به تركيبٌ.

  • وإليك بعضٌ من شواهد الكتاب المقدس على وحدانية الله في العهدين، القديم والجديد:
  • من العهد القديم:
  • o      “فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلى الأرض مِنْ أَسْفَلُ. ليْسَ سِوَاهُ”(تثنية 4: 39). “اسمعْ
  • يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ” (تثنية 6: 4) “أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كلَّ شَيْءٍ نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي.بَاسِطٌ الأرض. مَنْ مَعِي؟”
  • o      (إشعياء 44: 24) “أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سوَايَ”(إشعياء 45: 1). “أَلَيْسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟” (ملاخي 2: 10).
  • ومن العهد الجديد:
  • o      “بِالْحَقِّ قُلْتَ لأَنَّهُ اللَّهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ” (مرقس 12: 32) “وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلَهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟” (يوحنا 5: 44)، “لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ” (رومية 3: 30) “وَأَنْ
  • لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً” (1كورنثوس 8: 4)، “وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ” (غلاطية 3: 20) “لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ” (1تيموثاوس 3: 5)، “أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ” (يعقوب 2: 19).
  • منطقية الثالوث
  • لو كان معيار الإلوهية الوحدانية المطلقة، كان الله يسير أجوف مصمتًا غير متفاعل؛ فالله الثالوث مكتفٍ بذاته، مكتمل في ذاته؛ فلو سألنا مثلًا: قبل الخلق، كان الله يحب من؟ أو كان يسمع من…؟ وإلى غير ذلك من صفات الله الذاتية. فهل كان الله بحالة ثم تغير عنها؟ حاشا لله أن يتغير وهو الثابت. الثالوث يمثل الله الواحد بعقله وروحه، كما نقول إن الإنسان بذاته وبعقله وبروحه كائن واحد، وإن النار بنورها وحرارتها كيان واحد، فالأقانيم المسيحية لا انفصال فيها لأقنومٍ عن الآخر.
  • فعقيدة الثالوث هي الإيمان بأنه يوجد إله واحد حي، لكنه يظهر في ثلاثة أقانيم متمايزة: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس؛ فلكل من الصفات الثلاث شخصية مميزة، لكن دون انقسام في الطبيعة أو الجوهر أو الكينونة، فثلاثتهم يتمتعون بشراكة أبدية معا، كما أنهم يشتركون في الأزلية والمساواة، لكن عقيدة الثالوث تنفي مبدأ تثليث الآلهة؛ وتثليث الآلهة هو الإيمان بأنه توجد آلهة ثلاثة، لكن في الحقيقة يوجد إله واحد.
  • كما تنفي عقيدة الثالوث أيضاً مبدأ الحالية (modalism)، والحالية هي الإيمان بأن الله واحد لكنه يظهر في ثلاثة أحوال مختلفة على اختلاف الزمن. لكن أقانيم الثالوث الثلاثة موجودون معاً في وقت واحد، فهم أقانيم مميزون وأزليون في الله الواحد. في حين أن كلمة “الثالوث” غير موجودة بالكتاب المقدس، إلا أن الحقيقة التي تحملها موجودة في مقاطع كتابية متعددة؛ فالكتاب المقدس يعترف بالأب كالله، والابن كالله، والروح القدس كالله
  • خُلاصة

ممَّا تقدَّم نرى أن الله أعلن ذاته في الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، إلها واحدا، لا نظير له، ولا شريك، والأقانيم الثلاثة هم: الآب والابن والروح القدس. الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، لا ثلاثة آلهة، بل إلهٌ واحد، ذات واحدة، جوهر واحد، لاهوت واحد. ولكن ثلاثة أقانيم متحدون بغير امتزاج، ومتميزون بغير انفصال. وكل أقنوم أزلي، أبدي، غير محـدود، لا يتحيز بمكان أو زمان، كلي العلم، كلي القدرة، كلي السلطان، لأن الأقانيم ذات واحدة.

Please log in to join the chat

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع