القدر.. إرادة الله أم خَطر؟!
(مُعضلة القدرية)
هل نحنُ لا نملك إرادة فِعل أي شئ؟ هل حقا كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة؟! هل حقاً لا ناقة لنا ولا جمل في كل ما يحدث وما نحنُ سوى ردة فعل أو مجرد دمية لا دور لها يحركها الله كيفما يشاء وحسبما يريد؟! أفكار كثيرة تدور حول هذا الموضوع والذي يمكننا اختصاره بهذا السؤال: هل حقاً هناك ما يسمى بـ “القدر”؟ سنتناول ذلك بصورة موجزة في هذه المقالة.
يُفهَم القدر عادة بأنه “الخطة الإلهية” التي تُهيمن على مصائر البشر وحياتهم؛ فكل شيء مقدر ومكتوب مسبقاً في لوح محفوظ بدءًا من الأحداث اليومية البسيطة حتى مصير العباد والبلاد وكل ما فوق المسكونة! – ونحن هنا لا نعرف هل هذا علم الله المُسبق للمستقبل – أم نحنُ أمام قوى غاشمة غيبية مجهولة!
مشكلة فكرة “القدر” التي تؤمن بها الأديان والمجتمعات العربية في أنها: أولاً، تسلب أهم شيء لدى الإنسان ألا وهي حريته؛ فالإنسان سيد قراره، حر لا سيادة عليه من أى قوى خارجية فهو المتسلط وحده. ثانياً، تجعل من الإنسان مجرد تابع ليس له أى رأي خاص به. ثالثاً، لا يوجد أى تفسير منطقي أو علمي ملموس يفسر هذا الإعتقاد! رابعاً، أين مسؤولية الإنسان هنا فهذا الفكر يشجع على الخمول والتواكل ويقلل من داوفع الإنسان ليعمل ويسعى ليكون إنسان إيجابيا. خامساً، تتنافى مع ما يعتقدون به أو ما يسمى “بالعدالة الإلهية” فكيف سيكون هناك حساب من الله للبشر طالما هو الذي قدَّر الأفعال وصنعها! سادساً، وأخيراً هي فكرة مُهينة لحضارة الإنسان وتقدمه ورجوعاً للخلف وتقهقر عن التنوير والاستنارة.
لا يوجد شيء يسمى بالمقدر أو المكتوب، الإنسان حر ومسؤول عن صنع حاضره ومستقبله بأفعاله واختياراته دون تدخل لأى قوى غيبية أو إلهية، وكل شيء يحدث فى عالم الإنسان له أسباب سواء علمية أو منطقية أو تتعلق بقوانين الطبيعة المادية. أما فكرة وجود إرادة خارقة تتحكم في مصائر البشر تحت مسمى “القدر” أو غيرها من المسميات هي إهانة للإنسان فهو كائن متميز من حقه تقرير مصيره ومن حقه أن يسعى ليُغير واقعه ولا يستسلم لموروثات تجعل منه كائن عاجز أو مجرد دمية بين يدي الله يتحكم بها كيفما يشاء لمجرد التسلية والاستمتاع بمشاهدة معاناتها فهذه النظرة تجرد الإنسان تماماً من إراداته وكرامته وتصوره مسخراً لإله متعال.
رسالة ودعوة للتفكير لكل من يعتنق فكر القدرية، عليك أن تسأل نفسك: هل يمكن للقدر أن يشرح لنا ويفسر كل معضلة في حياتنا؟
*شذرة: “ليس لدينا أية أدلة تثبت وجود إرادة إلهية تتدخل في شئون البشر!” لــ الفيلسوف الانجليزي الشهير جون ستيورات ميل.