المُواجَدة: بين المُساندة والمُساعدة!
يعتبر التواجد مع الآخر والانتباه له مهارة أساسية من مهارات العلاقات الصحيحة. غياب التواجد سمة غالبة في العلاقات الاجتماعية العابرة، فنحن كثيرا ما نكون مع الآخرين بأجسادنا فقط أو بعقولنا على أفضل تقدير، أما التواجد على المستوى النفسي العميق فهذا أمر صعب ويحتاج إلى مجهود ومهارة وتدريب أن تكون متواجد مع شخص ما في وقت ما هو أن تعيره كل انتباهك واهتمامك خلال ذلك الوقت المحدد هذه المرحلة ضرورية لعملية المساعدة بشكل عام وهي بمثابة حجر الأساس للعملية كلها، لأنها حجر الأساس لتكوين العلاقة أساسا، إذ كيف يمكنك مساعدة شخص بدون أن تكون أولا موجودا معه؟!
توجد ثلاث دوائر للتواجد النفسي بالنسبة للإنسان، يعد الانتقال بينها بسهولة وسلاسة مهارة من مهارات الحياة والعلاقات الفعالة.
الدائرة الأولى هي دائرة الاهتمامات الخارجية مثل العمل أو التسوق أو غير ذلك من واجبات وضرورات الحياة اليومية. الدائرة الثانية هي دائرة الحياة الداخلية بما فيها من مشاعر وأفكار وصراعات وأحلام. أما الدائرة الثالثة فهي دائرة الحياة الداخلية لشخص آخر ويعد الدخول إليها مهارة من مهارات العلاقات الحميمة. لكي يكون الإنسان فعالا في عمله على سبيل المثال، يحتاج لأن يتعلم، في وقت العمل، أن يجعل دائرة العمل والإنجاز في بؤرة اهتمامه وتواجده ويجعل الدائرتين الأخريتين في الخلفية، وإنما دون تجاهل أو إنكار، فيستطيع أن يركز في عمله دون أن يكون مستغرقا أكثر من اللازم في أفكاره وصراعاته ومشاعره، لكن البعض لا يستطيعون أن يقوموا بذلك فيعيشون منحصرين في حياتهم الداخلية أكثر من اللازم فلا يكونوا فعالين في الحياة والمجتمع.
في نفس الوقت فإن الإنسان لكي يستطيع أن يدير حياته الداخلية ويتعامل مع ما يحدث بداخله من أفكار ومشاعر، يجب أيضا أن يكون قادرا على أن يقضي وقتا مع نفسه يستكشف مشاعره ويحاور أفكاره ليكتشف منها ما هو منطقي وما هو غير منطقي فلا يدع مشاعره وأفكاره تتحكم فيه دون أن يدري بها. في ذلك الوقت يحتاج لأن يجعل دائرة الحياة اليومية العامة في الخلفية وتكون دائرة حياته الداخلية هي التي في البؤرة. لكن هناك من ينشغلون بالحياة والأحداث والناس وليست لهم علاقة عميقة بأنفسهم ولا يعرفون ما يدور بداخلهم من صراعات ويكون عليهم أن يتعاملوا فقط مع نتائج ما يحدث دون القدرة على التحكم فيه مبكرا. والدائرتين الأخرتين في الخلفية دون إنكار لهما.
هدف هذه المرحلة هو أن يقوم المساعد بتحقيق “التواجد” النفسي مع طالب المساعدة من خلال الانتباه له؛ لكي يبدأ في الكلام عن الأمر الذي دفعه إلى طلب المساعدة.
هدف هذه المرحلة هو أن يقوم طالب المساعدة بتجاوز مرحلة “الكلام عن مشكلته” إلى “الكلام عن نفسه”، على وجه العموم، أي أن يقوم بكشف واستكشاف ذاته، وهدف المساعد في هذه المرحلة، هو أن يتجاوب بصورة سليمة مع هذا الكشف. وفي هذه المرحلة يكشف المساعد حقيقة الخبرات التي يمر بها (ما يحدث له) وحقيقة مشاعره تجاه ما يحدث له من خبرات، والسلوكيات التي يسلكها، وطبيعة العلاقات التي يعيشها. على المُساعِد في هذه المرحلة أيضا، أن يتجاوب مع كشف طالب المساعدة لذاته باحترام وتعاطف (مواجدة)، بهدف إنشاء حالة من التواصل وتكوين علاقة أو “تحالف” علاجي يشجع طالب المساعدة على مزيد من الكشف لنفسه في مناطق أكثر عمقا وتحديا.
هدف هذه المرحلة هي أن يساعد المساعد طالب المساعدة؛ لكي يرى الصورة الأكبر لحالته، خبرته الشعورية المتكاملة أو الأنماط المتكررة لسلوكياته وعلاقاته. في هذه المرحلة يحاول المساعد أن يجمع أجزاء الصورة المتناثرة التي قالها طالب المساعدة في مرحلة استكشافه لنفسه؛ لكي يصنع منها صورة متكاملة، تظهر فيها المناطق التي كانت خافية على طالب المساعدة، من قبل مشاعره الأعمق التي لم يكن يدريها، وصراعاته الدفينة وعيوبه، التي لم يكن يستطيع مواجهتها من قبل.
وأيضا نقاط القوة التي في شخصيته والموارد المتاحة له للتغيير والنمو. رؤية الصورة الكاملة من المهارات الهامة للحياة الفعالة، لذلك فإن اكتساب طالب المساعدة لهذه المهارة، من خلال عملية المساعدة، يجعله يعيش بصورة أكثر فعالية.
في هذه المرحلة يتحالف المساعد مع طالب المساعدة لوضع برامج عملية محددة لتغيير السلوك. يقوم طالب المساعدة، بمساعدة المساعد بالتطبيق العملي لما استفاده من خلال استكشافه، وفهمه لنفسه لتحقيق تغيير سلوكي وعلاقاتي بناء.
عندما يكون المساعد متواجدا مع طالب المساعدة يكون قادرا على تمييز الأفكار والمشاعر التي في نفس الشخص الآخر، والرسائل التي يرسلها هذا الشخص سواء عن قصد أو عن غير قصد، وسواء بالكلام أو بنظرة العين أو حركة الجسد التواجد الحقيقي يتيح فرصة تمييز ما الذي يقوله شخص آخر وما الذي يخفيه وما الذي يود أن يقوله ولا يستطيع.
المساعد القادر على التواجد النفسي مع طالب المساعدة يستطيع أن يحقق تواصلا حقيقيا معه فهو: – يُعبر عن فهمه وإحساسه لما يقوله طالب المساعدة (مرحلة 1).
-يستطيع أن يقول الكلمات التي تساعد طالب المساعدة أن يرى المزيد من نفسه بصورة غير متحدية (مرحلة 1).
يستطيع أن ينقل من واقعه هو الداخلي يكشف نفسه بالطريقة التي تفيد طالب المساعدة ( مرحلة 2). – يستطيع أن يواجه ويتحدى أنماطا غير صحية في طالب المساعدة بحنان وفهم (مرحلة 2). – يمكن أن يتعاون مع طالب المساعدة في وضع برامج مفيدة ويتابع تطبيقها معه (مرحلة 3). كل هذه الأهداف في العلاقة تحتاج إلى تواصل واضح، لذلك فإن تأسيس قناة التواصل من أهم أهداف التواجد في بداية علاقة المساعدة.
3- نقل الاحترام
التواجد ينقل الاحترام والاهتمام، وهذا أمر ضروري في أي تفاعل إنساني أو تأثير اجتماعي. طالب المساعدة يحتاج للشعور بالاحترام بصورة خاصة أن عملية طلب المساعدة، وبالذات في ثقافتنا، تنطوي على الكثير من الإحساس بالخزي والخجل.
التواجد يؤدي للتأثير الشخصي من خلال التعضيد السلبي والإيجابي. الانتباه الفعال من جانب المساعد لطالب المساعدة يجعل للمساعد رصيد عند طالب المساعدة يسمح له بإحداث تأثير إيجابي في حياته. المساعد بانتباهه وتواجده كأنه يقول لطالب المساعدة: ” إن كنت أنا أبذل مجهودا لكي أتواجد معك وأنتبه إليك، عليك أنت أيضا أن تبذل بعض المجهود لمساعدة نفسك.” يحدث التأثير من خلال ما يسمى “بالانتباه “الانتقائي” وهو عدم الانتباه للكلام غير المسئول وغير الفعال في مسيرة استكشاف النفس والانتباه للكلام الذي له معنى ومفيد لتحقيق هدف استكشاف النفس. فعندما يلمس طالب المساعدة أثناء حديثه خيطا هاما يمكن أن يركز المساعد عليه وينتبه إليه أكثر، فيبدأ طالب المساعدة في جذب هذا الخيط أكثر ليستكشف منه أمورا لم يكن يعرفها عن نفسه.
البيئة المحيطة – يجب أن تكون بيئة عمل مريحة، بمعنى أن تكون بيئة مخصصة للعمل، وليس للاسترخاء، وأن تكون بيئة مساعدة للانتباه وليس التشتيت. لا يجب أن تكون هناك حواجز طبيعية مثل مكاتب أو مناضد أو غير ذلك.
تمثل هذه النقاط الخمس، وضع الانتباه الجسدي الذي ينقل التواجد النفسي الحقيقي. في بعض الأحيان لا يحتاج الموقف للخمسة معا. المساعد الفعال هو الذي يتجاوب مع الوضع الذي تمر به عملية المشورة، فعلى سبيل المثال، في البداية يجلس الشخص متقاطع الساقين ويتكلم باسترخاء وبدون معاناة واضحة. في هذه الحالة يمكن للمساعد أيضا أن يجلس نفس الجلسة ولا ينحني للأمام. كما لا يجب أن يكون تلاقي العينين مستمرا. ثم مع الوقت يبدأ الشخص في الحديث عن أمر مؤلم فنجده؛ وقد فك تقاطع ساقيه وبدأ في الارتباك وربما البكاء في هذه الحالة يجب أن المساعد يأخذ . وضع الانتباه الكامل (5/5) وهكذا.
لا يجب أن يقوم المساعد بأية حركات عصبية مشتتة أو استخدام مبالَغ فيه لكلمات مثل (أوكي، أو عظيم، تماما، إلخ)، كما لا يجب أن يخاف من استخدام جسمه في التواصل ولكن بطريقة لا تشتت الشخص مثل (هز الرأس، استخدام اليد بطريقة مبالغ فيها في شرح شيء) فهذا يجعله قريبا من الشخص وجذابا بالنسبة له.
يجب على المساعد أن ينصت لما يلي: