الروح القدس.. أعماله وصفاته
(سُكنى الروح القدس نعمة ممزوجة بالمسؤولية!)
س1: “اذكر ما تعرفه عن شخصية الروح القدس”؟!
ج1: يُعلمنا الكتاب المقدس، ويؤكد لنا، بكل وضوح، أن الروح القدس هو شخص له صفاته الإلهية، وهو مبدع، ومجدد الحياة.
يعرف المسيحيون الروح القدس على أنه روح الله، وهو الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس، الإله الواحد الذي لا ينفصل ولا يتجزأ.
ويُعلمنا الكتاب المقدس، ويؤكد لنا، بكل وضوح، أن الروح القدس هو شخص له صفاته الإلهية، وهو مبدع، ومجدد الحياة. وهذا نقرأه في سِفر المزامير 104: 30، حيث تقول كلمة الله المقدسة عن الروح القدس “ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجه الأرض”.
كما يؤكد لنا الكتاب المقدس أيضا، أن الروح القدس هو واحد في الألوهة مع الآب والابن، ودُعي قدوسا، ويقدس حياة المؤمن. وهذا يعني أن الروح القدس يتمتع بالصفات الإلهية كافةً، وهو يعمل في حياة المؤمنين بالمسيح، وفي الكنيسة بشكل عام، كما يتبين لنا من الكتاب المقدس الذي يُطلعنا على معلومات كثيرة تؤكد لنا هوية الروح القدس، سواء عن صفاته أو أعماله أو أسمائه ورموزه.
يكشف لنا الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، عن صفات الروح القدس الإلهية، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحسر:
يعمل الروح القدس في حياة المؤمنين والكنيسة، كما يتبين من الكتاب المقدس، الذي يذكر الكثير من أعماله المباركة، ومنها أنه:
(1) يُعلِم ويذكر المؤمنين بتعاليم المسيح: (إنجيل يوحنا 14: 26): وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.
(2) يُمجِد المسيح: (إنجيل يوحنا 16: 14): ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ.
(3) يجدِد: يجدِد حياة الإنسان روحيا (الولادة الجديدة في المسيح)، (إنجيل يوحنا 3: 6 – 8): اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْق اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ.
(4) يمنح التبني: (رسالة رومية 8: 15): إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ»
(5) يُقدِس: ((رسالة رومية 15: 16): حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولًا مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
(6) يُرشِد: ( (رسالة يوحنا الأولى 2: 27): وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌ وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.
(7) يمنح المواهب الروحية للمؤمنين بالمسيح: ((رسالة كورنثوس الأولى 12: 7 -11): وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ.
(8) يشهد عن المؤمنين بالمسيح أنهم أولاد الله: ((رسالة رومية 8: 16): اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ.
(9) يُبكِت، أي يُوبِخ على الخطية: ((إنجيل يوحنا 16: 8): وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ.
(10) يمكث مع المؤمنين إلى الأبد: ((إنجيل يوحنا 14: 16): وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ.
(11) يمنح المؤمنين قوة وشجاعة للشهادة: ((أعمال الرسل 1: 8): لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».
(12) يُعزي: ((أعمالالرسل 9: 31): وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ.
(13) يقوي المؤمن: ((رسالة رومية 15: 13): وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
(14) يسكن في المؤمنين: ((رسالة تيموثاوس الثانية 1: 14): اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا.
(15) القدرة على إقامة الموتى ((رسالة رومية 8: 11): وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.
يسكن الروح القدس في المؤمنين الحقيقييين، الذين ولدوا ثانية، ولن ينزَع منهم، أو يتركهم؛ لأنهم أصبحوا أولاد الله، والروح يمكث فيهم ومعهم الى لحظة مجيء الرب، وأخذنا إليه حسب وعده.
نقرأ في أصحاح 3، عن أن الولادة الثانية من فوق هي ضرورية لأجل رؤية ودخول ملكوت الله، والروح القدس هو العامل لتميم هذه الولادة العجيبة، فبواسطته، نولد من جديد، إذ يخلق فينا طبيعة الهية، مع أن عمله كالريح التي تهب، حيث تشاء، لكننا لا نعلم كيف تتم الولادة الثانية الجديدة. والسجود أيضا حسب الاصحاح الرابع يتم بالروح والحق، أي بحرية الروح وليس بمحدوية الجسد وتحديد الناموس وقوة الذات، لأن الروح يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئا (يوحنا 6: 63). اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ.
لم يستطع التلاميذ أن يشهدوا للمسيح إلا بقوة الروح القدس، وكان عليهم أن ينتظروا حتى نزل الروح القدس، وحل على المؤمنين، وإذ نزل الروح، بدأ تاريخ الكنيسة على الأرض. وعند نزوله، وحلوله على الكنيسة الاولى، بدأوا يتكلمون بعظائم الله، فنخس المستمعون في قلوبهم، متبكتين بواسطة الروح القدس. وقد منح الروح للرسل الجرأة والشجاعة وقوة الشهادة، فأسكتوا الاعداء وكشفوا القلوب والآراء. “وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ” (أعمال الرسل 4: 33).
لم يستطع المؤمن أن ينقذ نفسه من الخطية، ومن قوة الناموس، فذهبت مجهوداته أدراج الرياح، لا بل جلبت له الشقاء والتعب واليأس، فصرخ صرخته المعروفة : وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟ (رومية 7: 24). في هذه اللحظة التي ييأس من نفسه، يرى يسوع على الصليب كمَن أكمل كل ما يحتاجه الإنسان، وأنجز يسوع ما يسعى لأجله الانسان، فيدرك بالإيمان أن الروح القدس الساكن فيه – لأن جسد المؤمن هو هيكل الله ورحه يسكن فيه.
مع أن سُكنى الروح القدس هي بالنعمة لكل مَن يؤمن بالرب يسوع، إلا أن التمتع بحضوره، ورفقته، وتأييده، مرتبطة بمسؤوليته تجاه هذا الضيف اللإهي الكريم. والكتاب المقدس يذكر بوضوح الخطوات الضرورية التي على المؤمن أن يسعى لاتخاذها بحذر شديد. مثل:
يشبه الكتاب المقدس الروح القدس بأنهار ماء حي (يو 7: 38)، وينبوع ماء لا ينضب، وقد أعطي الروح لنا ليملأنا، وكما يملأ النهر الوديان المنخفضة، هكذا يملأ الروح القدس المؤمن المنكسر والمنسحق ومتواضع القلب، قيمتلئ بالقوة، قوة الاحتمال والصبر والمسامحة، ومن الحكمة والفهم.
بما أن روح الحق يسكن فينا، فهو بنعمة الله لخدمتنا ليرشدنا في الحياة، ويقودنا من مرحلة نمو إلى أخرى، والله لا يقودنا بروحه عنوةً، بل إذا أردنا وطلبنا وانتظرنا، وهدأنا أفكارنا ومشاعرنا، وأعطيناه المجال الكامل ليعمل فينا بحرية.
السلوك حسب الروح القدس، يتم بعد أن نقتنع أن حياتنا هي المسيح، الذي أحبنا حتى الموت، فنقبل أن نسير حسب كلمة الله، وحسب ما يمليه الروح علينا، بخطوات عملية يومية. ويقول بولس “اسلكوا بالروح ولا تكملوا شهوة الجسد” (غلاطية 5: 16). ويشمل السلوك بالروح ان نهتم بما هو روحي وبما فوق حيث المسيح جالس.
الروح القدس لن ينزَع منا، بل هو فينا، ومعنا إلى أبد الآبدين، أما إذا أخطأنا، وتمسك قلبنا بشر معين، أو بإثم ما، عندها يحزن الروح فينا، فيعم الحزن قلوبنا، والكآبة وجوهنا، إلى أن نعترف بخطايانا، ونتركها من كل قلوبنا، فتعود عندها شركتنا مع الله الحي إلى ما يجب أن تكون عليه.
يشبَه الروح هنا كشعلة نار ملتهبة، أو جمرة نار تعطي الدفء والحرارة لحياتنا الروحية “كونوا حارين في الروح” (رومية 12: 11)، وعندما لا نعمل ما يمليه الروح علينا، ولا نطيعه في الخدمة أو الشهادة، تُطفأ حرارة الروح فينا. ويمكن أيضا أن نطفئه في الآخرين إذا تحركنا بالجسد مندفعين بحسب أفكارنا وأهوائنا.
إن الروح القدس هو قوة اللّٰه الفعالة، أي قوته فيما تُنجز عملا معيَّنا. وهو يرسل روحه بمعنى أنه يوجه قوته هذه إلى أي مكان بهدف إتمام مشيئته. وفي الكتاب المقدس، تُنقل كلمة «روح» من الكلمة العبرانية رواح والكلمة اليونانية بنِفما. وغالبا ما تشير هاتان الكلمتان الى قوة اللّٰه الفعالة، اي الروح القدس. لكن الكتاب المقدس يستعملهما ايضا للدلالة على: على قوة الحياة الكامنة في المخلوقات الحية. وطبع الشخص او شعوره ونمط تفكيره. وتحمل كل هذه المعاني فكرة شيء غير منظور بالعين البشرية، لكنه يولِّد تأثيرات منظورة.