6. المواجدة: العلاقات .. وحل الصراعات!

المواجدة: العلاقات .. وحل الصراعات!

إن الدخول إلى وجدان الآخر مهارة أساسية ليس فقط للمشورة والمساعدة وإنما لعمل علاقات صحية عموما. هذا يحمل أهمية خاصة في العلاقات الحميمة مثل الزواج، حيث إنه يساعد على الفهم والتفهم والغفران من خلال هذه المهارة، يدرك كل طرف ما هي المشاعر والخبرات التي وراء سلوك الطرف الآخر ولا يحكم عليه من خلال سلوكه فقط. كثير من الخلافات الزوجية بالذات تحدث لأن كلا من الزوجين، وربما المشيرين والمساعدين يتورطون أكثر من اللازم في فحص وتحليل “السلوكيات” فقط ومن ثم الحكم عليها بالخطأ والصواب مما يوقعهم في مصيدة الاتهام بالتحيز من جانب أحد الأطراف والأهم من ذلك هو أنه يصرفهم عن التعامل مع المشكلة الحقيقة الموجودة لدى أغلب الأزواج والزوجات والتي تجعل المشكلات البسيطة لا تحل وإنما تتفاقم وتصير كبيرة، ألا وهي الفقر الشديد في التواصل الوجداني.

إذا تعلم الزوجان أن يعبرا عن مشاعرهما ويصفا العالم الداخلي لكل منهما للآخر فإنهما سوف يستطيعان أن يفهما من أين تأتي الأفعال التي يفعلونها والأقوال التي يقولونها؟ وبالتالي يستطيعان فهم وتقدير وقبول بعضهما البعض والغفران لبعضهما البعض.

  • الفرق بين المواجدة Emphathy والتعاطف  Sympathy

يمكننا أن نصل لفهم الفرق من خلال الرجوع للأصل اليوناني لهذه الكلمات المركبة.

ما معنى التعاطف ? Sympathy

إن كلمة شعور أو وجدان باللغة اليونانية هي Pathos والتي يأتي منها المقطع باللغة الإنجليزية pathy عندما تضاف إلى كلمة Pathos كلمة Son باليونانية أو Syn ،بالإنجليزية، والتي تعني “مع” فالكلمة الناتجة بالإنجليزية تكون : Sympathy أي ” الشعور” مع يمكن أن نسمي ذلك “التعاطف”.

كيف يحدث التعاطف؟ عندما يواجه إنسان شعور إنسان آخر ويريد أن يشعر معه فإنه يضع نفسه مكانه أي يسأل نفسه: ” ما ذا كنت سأشعر لو كنت أنا في مكانه؟” وغالبا ما سيأتي الشعور من الإطار المرجعي للإنسان الذي يريد أن يتعاطف مع إنسان آخر.

المساعد هنا يسأل نفسه: “ماذا كنت سأشعر أنا لو حدث لي مثل هذا الحدث. وغالبا ما سوف يفهم شعور طالب المساعدة من الإطار المرجعي لنفسه هو أي) المساعد)، على سبيل المثال إذا كان هذا الحدث هو فقدان وظيفة مثلا. الشعور الذي يشعر به طالب المساعدة بسبب فقدانه الوظيفة يتناسب مع حجم الوظيفة بالنسبة له وأهميتها في عالمه هو الخاص. فربما كان مرتب هذه الوظيفة هو الإيراد الوحيد بالنسبة له الذي ينفق منه على ثلاثة أطفال وأم مريضة. لذلك فقدانه للوظيفة يعد “دمار” بالنسبة له. أما المساعد مثلا فربما تكون الوظيفة في حياته لا تشكل كل هذه القيمة وبالتالي فإنه ما قد يشعر به في مثل هذا الموقف يختلف. ربما يشعر بالخسارة وإنما ليس بالدمار. وبالتالي فإنه لا يقدر شعور طالب المساعدة بالدمار، وهكذا فإنه لا يقدر تعبير طالب المساعدة عن شعوره بالدمار ! هذا لأن المساعد لم يبذل المجهود الكافي ليسأل طالب المساعدة، ويسمح له بالتعبير حتى يدخل إلى عالمه ويرى تفاصيل الصورة الكاملة.

  • ما معنى المواجدة؟  Empathy

عندما تضاف إلى كلمة Pathos كلمة En والتي تعني “في” فالكلمة الناتجة تكون Empathy أي ” الشعور في” وهذه هي المواجدة. بمعنى الدخول إلى عالم الشخص الآخر ورؤية الحدث والشعور من منظور طالب المساعدة.

في هذه الحالة يخرج المساعد من عالمه ليس خروجا تاما كما أشرنا، لكي يحاول أن يدخل إلى عالم طالب المساعدة ويتوحد به حتى يستطيع أن يقدر هذه المشاعر التي تحدث هذا شبيه بما يحدث في الأفلام السينيمائية.

الفيلم الجيد يجعل المشاهد يخرج من إطاره المرجعي وينسى نفسه وحياته ويعيش في الفيلم ويرى الأبطال ليس من إطاره هو المرجعي وإنما من إطار الفيلم فيحزن لوفاة البطل أو يغضب لما يحدث له أو يخاف عليه ويكاد يدخل إلى الشاشة ليحذره من مؤامرة ثدَبَر ضده. في حالة الفيلم السينمائي الأمر متوقف على مهارة المخرج ودقة استخدامه للغة السينمائية، أما في المساعدة النفسية فهذه المهارة يجب أن تكون لدى المساعد الذي هو بمثابة المتفرج في مثال الفيلم السينمائي. المساعد الجيد يحول كلام طالب المساعدة إلى فيلم يدخل هو فيه ويرى أبطاله ويتوح حد بقصته ويفهم مشاعر هؤلاء الأبطال وبالذات طالب المساعدة.

ما هي هذه المهارة وكيف يتم التدريب عليها؟ أو بكلمات أخرى، ماذا يجب أن يفعل المساعد حتى يستطيع أن يدخل إلى عالم طالب المساعدة؟ كيف يرى حجم الوظيفة” مثلا في حياته ذلك الشخص الذي فقد وظيفته؟

  • للدخول إلى عالم طالب المساعدة، هناك مهارتان أساسيتان:
  • الأسئلة مفتوحة النهاية؟

(كلمني أكثر عن…! إيه إحساسك تجاه.. انت خايف من إيه؟ ده معناه إيه بالنسبة لك؟ تتوقع إيه؟) هذا يجعل المساعد يحصل على “مادة” تمكنه من إخراج الفيلم الذي سوف يدخل فيه. ربما يحتاج المساعد أن يسأل عن شكل البيت وعدد غرفه وكيف كان ترتيب النوم. أيضا من المهم أن يسأل عن المراحل العمرية التي حدثت فيها الأحداث ليرسم صورة ذهنية عن الأبطال. أيضا من المهم جدا السؤال: “ماذا كنت تشعر وقتها؟ ” لأن طالب المساعدة ربما لا يهتم كثيرا برصد مشاعره وينصرف إلى رصد الأحداث.

 (2)  الاستماع الانعكاسي “المتمعن

أي إعادة صياغة ما قاله طالب المساعدة بعبارات من عند المساعد بدون استفهام أو اعتراض أو أي نوع من أنواع الحكم على ما يقال أو تقييمه. فقط توصيل رسالة: ” إني أفهم ما تمر به”.

هذا المستوى من المواجدة والذي يتمشى مع المرحلة الأولى يعني ببساطة أن المساعد ينقل للعميل أنه يفهم ويدرك المشاعر والخبرة التي وراء المشاعر (ما يمر به)، والتي يعلنها طالب المساعدة صراحة وبشكل واضح – بمعنى أن المساعد ينقل رسالة “أنا فاهم كويس وحاسس باللي أنت بتقوله”، لا يحاول فيه المساعد أن يحفر “وراء ما يقوله طالب المساعدة أو”يستنبط” من كلامه أي شيء أعمق مما يقوله صراحة هذا هو المستوى الأول من المواجدة.

Please log in to join the chat

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع