7- الإله الصبور .. المُتَحَنِّن الغفور!

الإله الصبور .. المُتَحَنِّن الغفور!

في كثير من الأحيان نقف متحرين من موقف الله تجاه الأمور، حيث نراه لا يتدخل ولا يستجيب، ولا يسمع لمَن يدعوه!! مِن هذا الموقف الإلهي المؤلم؛ تمرمر أيوب طالبًا الموت لنفسه، وصرخ آساف صاحب المزمور الشهير؛ المزمور الثالث والسبعون يوم رأي سلامة الأشرار مقابل ظلم ومهانة الأبرار على يدهم، وعلى نفس النهج وبذات الجُرح العميق صرخ مُتألمًا صاحب المزمور العاشر مُعاتبًا إلهه بالقول: «.. لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ ٱلضِّيقِ؟» وعندما نفكِّر في شكوى المرنم نجده يشتكي الله لله نفسه!

يسمع ويهتم

لسبب تراخيه في إنقاذه؛ إنقاذ عبده من يد الأشرار التي التفت حول عنقه دون رحمة ولا شفقة!! ويسترسل المرنم المُصلي المتألم متنهدًا وهو منحني النفس ويقول في العدد الثالث: «.. وَٱلْخَاطِفُ يُجَدِّفُ.

يُهِينُ ٱلرَّبَّ.» ومن هنا؛ أي بعد العدد الأول مباشرة تحول للحديث لشخص غير الرب لشخص ما، قد يكون يناجي نفسه، فَقّْد يكون فَقَد الأمل والرجاء في هذا الإله الذي يسمع ويصغي ويهتم ويحكم للمظلوم؛ فهو يسرد أن الشرير يجدف على الاسم الحسن القدوس وأنت يا رب لا يتحرك لك ساكنًا! ويهينك في العلن؛ على مرأى ومسمع من الجميع وأنت صامت! فكيف لإله عادل لا يتدخل، بل ويقف بعيدًا جدًا عن ظلم وشر الأشرار، وخاصة أن شرهم لم يطل الأشرار فقط، بل وصل وطحن الأبرار بل وكان مقصده المساكين بعينهم. ولم يكتفي المصلي بهذا بل بدأ يسرد لنفسه -وهو يراقب عن كسب- نجاح الأشرار في طرقهم، وكيف يخططون لافتراس المساكين الذين لا حول ولا قوة لهم وينجحون في افتراسهم للأبرار، ويصل الظلم لذروته في قدرتهم على قتل البريء!

يالها من مهانة يا رب لاسمك العظيم وقدرتك السرمدية؛ لماذا تعطي يا رب الأشرار والمنتقدين المساحة لاستغلال الفرصة لإثبات غيابك! ألا تسمع ما يقوله الأشرار في قلوبهم عنك: “كيف أنك لا تجازي الشرير على شره وتنسى الإثم ولا تبالي بالذنب”.

شكوى ضد الله

إن الشرير يهينك في قلبه كل يوم وكل اليوم؛ بأنك لا تُطالب! وصلى المتحير من موقف الله الغريب وتحول بالحديث من نفسه لله مرة ثانية قائلاً: «قُمْ يَا رَبُّ. يَا ٱللهُ ٱرْفَعْ يَدَكَ. لَا تَنْسَ ٱلْمَسَاكِينَ» بعد صرخته المرة هذه لله، توجه مرة أخرى لداخله متعجبًا ومتسائلاً ومستنكرًا: «لِمَاذَا أَهَانَ ٱلشِّرِّيرُ ٱللهَ؟ لِمَاذَا قَالَ فِي قَلْبِهِ: «لَا تُطَالِبُ»؟ وبهذا التصريح لخص ما يؤلمه من الله … يا الله لماذا لا تطالب الشرير وتدينه على شره وظلمه؟!!

عزيزي القارئ الكريم … أدعوك يا صديقي أن تترك هذه المناجاة جانبًا وهذه الصرخة المريرة لهذا المظلوم -ولعلك أحد هؤلاء المظلومين- لنهاية المقال وأعدك بالعودة لها. دعنا الآن نفكر في ادعاء المرنم وشكواه ضد الله، هل رأيت كيف يشتكي المرنم الله لعدم معاقبته الشرير فورًا، فور وقوع الظلم؟

أشاهدك مبتسمًا وقد فهمت مقصدي .. نعم يا صديقي الله لا يجازي الشرير سريعًا على شره وظلمه. يشتكي المرنم الله على صبره وطول أناته واحتماله للأشرار. الله يصبر يا صديقي لعل الشرير يستفيق من غفلته؛ قد نرى الله متغافلاً عن شر الأشرار ساكتًا عن الظلم الواقع على أولاده.

صبر .. ونصاف!

للأسف يا صديقي “العلاقة بين إنصاف الله للمظلومين المساكين مرتبطة بأناته على الأشرار”، لكن هذا لا يعني أن الله بعيد مكتوف اليدين؛ حاشاه. يُعَلِّمنا الوحي المقدس بلسان الرسول بولس في رسالة رومية والأصحاح الثاني العدد الرابع: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ ٱللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ؟» صديقي الكريم .. غنى لطف الله والإمهال في العقاب وطول الأناة يقتاد الخطاة في طريق التوبة والرجوع، نعم يا صديقي هذا قلب إلهنا الذي تحمَّل مِننا نحن شخصيًا مقاومة ومعاندة حتى نرجع ونتوب … ألا تتذكر يا صديقي كيف كنَّا نعانده! كيف عصيناه رافضين الخضوع!

ألا تتذكر يا صديقي كيف أعطانا الفرصة بل الفرص لنعود. ألم يتأنى الله على شر الكنعانيين أكثر من أربعمائة عام صابرًا على عبادتهم الوثنية وحرقهم للأطفال أحياء على يد ألهتهم النحاسية المشتعلة!! ألم يصبر الله على شر قوم نوح مائة وعشرون عام؛ مدة بناء الفُلك حتى يتحرك ضميرهم الميت. ألم يصنع الله آيات بألهة المصريين على يد نبيه موسى لعل يستفيق الكهنة والشعب بقيادة فرعون من سُكْرِه في غيابه عن الله!! الله لم ولن يتساهل مع الشر مطلقًا.

العدل

وحتمًا سيعاقِب بالعدل والحق. لكن ما يؤلمنا هو “التوقيت”، نحن نريد هنا والآن! قد يكون الظلم من الأخرين كبير وعنيف؛ وهذا يعلن عن سعة صدر الله على الأشرار وصبره. وما أعلنه العهد القديم عن الله، أكده العهد الجديد عن الله المتأنس -الذي نصب خيمته بيننا نحن البشر- يسوع المسيح الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، كم من مرة يقبل خطاة راجعين، وفي حديثه مع تلاميذه عن الغفران يسأله بطرس محاولاً تعلية سقف الغفران قائلاً: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» يصدمه الرب يسوع بقوله: «.. بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ.» واسترسل سيدي المسيح حديثه عن كيف تحنن الله غافرًا لذلك العبد الشرير الذي ثقل جدًا ميزان سيئاته راجع كامل الحوار في بشارة الرسول متى الأصحاح الثامن عشر.

صرخة المظلوم

وعدتك بالرجوع لصرخات المرنم المظلوم وها أنا قد رجعت، ماذا لو .. استباح الشرير شره، وكما رصد المرنم المتألم تفكير الشرير وما قاله في قلبه: «إِنَّ ٱللهَ قَدْ نَسِيَ. حَجَبَ وَجْهَهُ. لَا يَرَى إِلَى ٱلْأَبَدِ» لكن المتألم ينبه نفسه والأشرار، ولا نعلم كيف عادت له البصيرة الروحية ليرى كما رأى آساف نهاية الأشرار قائلاً: «قَدْ رَأَيْتَ. لِأَنَّكَ تُبْصِرُ ٱلْمَشَقَّةَ وَٱلْغَمَّ لِتُجَازِيَ بِيَدِكَ. إِلَيْكَ يُسَلِّمُ ٱلْمِسْكِينُ أَمْرَهُ. أَنْتَ صِرْتَ مُعِينَ ٱلْيَتِيمِ. اِحْطِمْ ذِرَاعَ ٱلْفَاجِرِ. وَٱلشِّرِّيرُ تَطْلُبُ شَرَّهُ وَلَا تَجِدُهُ. ٱلرَّبُّ مَلِكٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ. بَادَتِ ٱلْأُمَمُ مِنْ أَرْضِهِ. تَأَوُّهَ ٱلْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ يَا رَبُّ. تُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ. تُمِيلُ أُذُنَكَ. لِحَقِّ ٱلْيَتِيمِ وَٱلْمُنْسَحِقِ، لِكَيْ لَا يَعُودَ أَيْضًا يَرْعَبُهُمْ إِنْسَانٌ مِنَ ٱلْأَرْضِ.» صديقي بشهادة كاتب المزمور يعلن أنه رأى مجازة الأشرار ومن الجانب الأخر نحن نعلم أناة وصبر الله عليهم والأهم أنه رأي إلهه ملك عظيم وليس لملكه نهاية … هذه معجزة يا صديقي. أتمنى لي ولك أن يفتح الله عيوننا وبصيرتنا الروحية لنصدق في توقيت الله، هذا الذي يصبر ويغفر ويطيل الأناة للأشرار لكنه حتمًا سيجازي.

لكن في ذات الوقت لا يريد أن يهلك الخاطئ بل يرجع ويتوب متغاضيًا عن أزمنة الجهل أعمال الرسل ١٧، لديه المقدرة على احتمال “أزمنة الجهل” ياله من صبر، صديقي الكريم سأترك لك عدد كتابي سجله لنا الوحي المقدس يشرح فيه الرسول بطرس قلب إلهنا فيقول: «لَا يَتَبَاطَأُ ٱلرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ ٱلتَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لَا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ.» بطرس الثانية ٩:٣

Please log in to join the chat

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع