السقوط ونتائجُه
(عشرة أسباب للسقوط تكشف عن محبة الله!)
س1: ما هي نتائج السقوط المروع للبشرية؟
ج : أهم نتائج السقوط تتمثل في الآتي:
1 – الموت الروحي الأبدي: أي انفصال الإنسان عن الله، مصدر الحياة، إذ انفضت الشركة بينهما، وصار الإنسان الخاطئ، يهرب من الله؛ لأنه يستحيل عليه التواجد في حضرة الله القدوس، وهنا ليس المقصود مجرد الموت فقط، بل أيضًا البقاء إلى الأبد في فساد الموت.
لقد سقط آدم، وصار مصيره إلى الجحيم الأبدي، مع الملاك الساقط، لولا رحمة الله التي أدركته بالتجسد، إن موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد، وموت الروح هو انفصال الروح عن الله.
2 – الموت الجسدي: منذ اللحظة التي أكل فيها الإنسان من ثمرة الشجرة المُحرَّمة، وحطَّم الوصية، بدأت تدب فيه عوامل الانحلال، وبالمعصية خَضع الإنسان لسلطان الأمراض، التي تُفضي به إلى الموت. إن الله خلق الإنسان، بقصد أن يبقَى في عدم فساد، أما البشر فإذا احتقروا، ورفضوا، التأمل في الله، واخترعوا، ودبروا، الشرَّ لأنفسهم؛ فقد استحقوا حكم الموت الذي سبق تهديدهم به.
علما بأن المشكلة ليست في الأكل ولكن في عصيان الله في حد ذاته.
من ذلك الحين، لم يبقوا بعد في الصورة التي خُلقوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم، (جامعة 7: 29)، “اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً.” وساد عليهم الموت كملك (رومية 5: 14)، “لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي.“. كذلك يجب أن لا يتوقعوا إلاَّ الفساد. وبتعبيرٍ آخر، يجب أن تكون النتيجة الانحلال؛ بالتالي البقاء في حالة الموت والفساد.
3- الموت الأدبي: بالسقوط فقد الإنسان مجد الصورة الإلهية داخله، ففقد وقاره وهيبته وكرامته، وصار مطرودًا من الفردوس، هائمًا على وجهه، يعاني من عار الخطية، التي تركت وصمتها القوية داخل النفس، وبعد أن كان آدم وحواء عريانين، ولا يخجلان، “فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِر”َ. (تكوين 3: 7).
واجتاح الخوف حياة آدم، حتى من صوت جابله، الذي كان يسعد ويتلذذ به؛ فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ».، (تكوين 3: 10). وظل الإنسان يعيش الموت الأدبي، الذي ينتهي به إلى الموت الجسدي. أما الموت الروحي فيعبر معه من هذا العالم إلى العالم الآخر.
4 – العقوبات التي حلت بالإنسان والحية: عَقِبْ السقوط حكم الله على آدم وحواء والحية، ولم يحكم على ابليس لأنه سبق الحكم عليه، وجاءت العقوبات كالتالي:
5- تسلُط الشيطان: “صار للشيطان سلطانًا على آدم كقول الإنجيل ” أنتم عبيد لمن تطيعونه” (رومية 6: 16)؛ فأصبح آدم عبدًا للشيطان، وكما إن العبد مِلكًا لسيده، ليس هو فقط، ولكنه هو وأولاده أيضًا. هكذا صار آدم، وجميع بنيه مِلكًا للشيطان، لقد ملك الشيطان على جنس آدم، لكن ليس قهرًا، ولا جبرًا، ولا ظلمًا، إنما اقتناه لنفسه بالحيلة والمكر والدهاء”.
6- فساد الطبيعة البشرية: سَكَنَتْ الخطية في الإنسان، وأثرت على جميع جوانب حياته، وفسدت طبيعته بالكامل؛ فعاش في خوف وقلق وتوتر واضطراب وألم ومرض، بل إنه عاش في الموت. وامتد أثر الخطية إلى الطبيعة؛ فالأرض لم تعد تعطي ثمرها، بل شوكًا وحسكًا تنبت لك، وها الحيوانات تغيرت طبيعتها؛ فأصبحت متوحشة، والرياح والأعاصير والفيضانات والبراكين تطارد البشر”.
بالسقوط، فقد الإنسان حياة القداسة والبر والبراءة والطهارة والسمو والبساطة والسلطة، فأصبحت نظرته مادية جسدية ترابية، وثارت فيه غرائزه الطبيعية؛ فأخذ يعاني من ضغطات الخطية من الداخل، والمؤثرات الخارجية من الخارج، وصار عبدًا للخطية، يتردى فيها من سيئ إلى أسوأ فأسوًا. إذ صار عبدًا لأهوائه وشهواته ولذاته الجسدية، وبالسقوط فقد الصورة الإلهية داخله. لقد وقف الإنسان عاجزًا أمام خطيته الغير محدودة. ووقع تحت سلطان الموت الروحي والجسدي والأدبي. وصار الإنسان عبدًا لإبليس السيد القاسي المتسلط. ووقف الإنسان منكسرًا أمام العدل الإلهي. فمن يستطيع أن يوفي العدل الإلهي حقه؟ لا أحد يقدر أن يصنع خلاصًا هذا مقداره. فقط القادر على كل شيء هو الذي يقدر، وكم نشكره؛ لأنه ارتضى أن تكون قضيتُنا قضيتَه.
7. انفتاح أعينهما: “فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ.” (تكوين 3: 7).
ماذا يعني انفتاح العينين لتريا أن الجسد عريان؟ يعني إدراك الإنسان أنه دخل بالخطية إلى حالة من الفساد، تظهر خلال أحاسيس الجسد، وشهواته التي لا تُضبط؟! بهذا يدخل الإنسان في معرفة جديدة، هي خبرة الشر، الذي امتزج بحياته، وأفسد جسده تمامًا؛ إنه يتعرف على جسده الذي صار عنيفًا في الشر بلا ضابط.
هكذا إذ يري الإنسان نفسه عاريًا، عن ثمرة النعمة الإلهية، التي تعمل في أعماق القلب الداخلي، يتستر وراء حرفية الناموس وشكليات ظاهرة دون التمتع بالتغيير الداخلي. فالغضوب مثلًا يخترع أعذارًا لكي يبرر غضبه مظهرًا أنه على حق، مستعينًا أحيانًا بالكتاب المقدس، هذا هو معني “خاطا أوراق تين”، وذلك بإهمالهما للثمر وإقامة نوع من الحماية غير الكاملة كمآزر لهما.
8. اهتمام الله بالإنسان: إن كان الإنسان قد قابل حب الله بالعصيان، فالله يقابل حتى هذا العصيان بالحب لكي يسحب قلبه من مرضه الذي أصابه، ويقيمه من الموت الذي ملك عليه.
لم ينتظر الله الإنسان ليأتي إليه معتذرًا عن خطاياه، إنما تقدم إليه لكي بالحب يجتذبنا إلى معرفة خطايانا والاعتراف بها. بنفس الروح يطالبنا ربنا يسوع أن نذهب نحن إلى أخينا الذي أخطأ إلينا ونعاتبه ولا ننتظر مجيئه إلينا. هكذا بادر كلمة الله بالحب، فنادي آدم وقال له: “أين أنت؟” (تكوين 3: 9) لم يكن يجهل موضعه لكنه أراد الدخول معه في حوار، كاشفًا له أنه قد صار غير مستحق أن يكون موضع معرفة الله، وكأنه قد صار مختفيًا عن النور الإلهي.
هكذا اختفي آدم بعد السقوط، ولم يقدر أن يعاين الرب؛ لا لأن الرب مرعب ومخيف؛ وإنما لأن الإنسان في شره فقد صورة الله الداخلية التي تجتذبه بالحب نحو خالقه محب البشر، فصار الله بالنسبة له مرعبًا وديانًا لخطاياه. وعندما التقي الله بالإنسان خلال مبادرته بالحب بالرغم من هروب الأخير وتخوفه، فإن الأخير لم ينكر خطأه لكنه برر خطأه بإلقاء اللوم على الغير، “فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْت”. (تكوين 3: 12). هكذا ألقي آدم باللوم على حواء بل على الله الذي أعطاه حواء، وألقت المرأة باللوم على الحيّة، ولم يعتذر أحد منهما عما ارتكبه؛ وهذا هو حال المخدوعين لا يدركون الشر إلاَّ بعد إتمامه، إذ تخفي الشهوة عنهم إدراكهم للحقيقة، وتنزع عنهم المعرفة.
9. لعنة الحيّة والوعد بالخلاص: “فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ”. (تكوين 3: 14).
إذ حملت الحيّة خداعات إبليس للإنسان، نالت اللعنة التي تصيب كل نفس تقبل سمات هذه الحيَّة فيها، وترتضي أن تكون آلة الحساب عدو الخير وإغراءاته. أما اللعنة فهي: “علي بطنك تسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك”. هكذا كل إنسان يقبل أن يكون أداة للعدو الشرير يصير كالحيّة، يسعى على بطنه محبًا للأرضيات، ليس له أقدام ترفعه عن التراب، ولا أجنحة تنطلق به فوق الزمنيات. يصير محبًا أن يملأ بطنه بالتراب، ويزحف بجسده لتشبع أحشاؤه مما يشتهيه.
وإذ لعن الله الحيَّة التي أغوت الإنسان حتى نرفضها ونرفض سماتها فينا، قدم لنا أول وعد بالخلاص، قائلًا للحيَّة: “وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَه”. (تكوين 3: 15).
لقد وضع الله عداوةً بين إبليس والمرأة حتى يأتي السيد المسيح من نسل المرأة – دون زرع بشر – يسحق رأس الحيّة التي سحقت عقب البشرية. سحق السيد المسيح -مولود المرأة- بصليبه رأس الحيّة، لكن الحيّة تسحق كل إنسان ينزل عن الحياة العلوية التي في الرب ليصير عقبًا يرتبط بالتراب.
10. طرد الإنسان وتأديبه: إذ قدم الوعد بالخلاص أعلن تأديبه للإنسان؛ فتح باب الرجاء بإعلان الخلاص قبلما يقدم التأديب المرّ حتى لا يسقط الإنسان تحت ثقل اليأس. وقد أعلن تأديبه للمرأة أولًا ثم للرجل.
أولًا تأديب المرأة: “تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ”. (تكوين 3: 16). هذا التأديب الذي سقطت تحته حواء بسبب الخطية، تحول بمراحم الله إلى بركة حينما قبلت الكنيسة -حواء الجديدة- أن تلد أولادًا روحيين لله خلال آلامها.
ثانيًا تأديب الرجل: “وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ”.
خلق الله الأرض من أجل الإنسان، وبسببه باركها لتثمر له بركات، فإذ عصى الرب سقطت تحت اللعنة لتثمر له شوكًا وحسكًا يتناسب مع عصيانه أو فكره الداخلي. وما حدث للأرض بصورة حرفية تحقق في الأرض الرمزية أي الجسد، الذي بسبب عصياننا لله فقد اتزانه وخسر تقديسه فصار ينبت لنا شوكًا وحسكًا يفسد النفس ويحطمها. هكذا بتجسد كلمة الله أمكن لأرضنا أن تنتج ثمرًا عوض الشوك والحسك، خاصة وأن السيد حمل هذا الشوك على جبينه عوض أرضنا حتى يرد لأرضنا بهجتها.