مفهوم الخطية في المسيحية.. وعلاجها
(نعمة الله، ومحبته، هما جوهر العلاقة التي تربطه بالإنسان)
س1: “ما هو تعريف الخطية في الكتاب المقدس؟ وما هو السبيل لحلها؟!”
ج1: الخطية هي عدم إصابة الهدف، الذي هو مقاييس اللّٰه الكاملة. ويسوع المسيح هو السبيل الوحيد للمصالحة.
تخيَّلْ أن صديقا لكَ وهبك قصرا جميلا؛ لتتمتع به، ثم طلب منك شيئا واحدا غريبا؛ حيث قال “أرجوك لا تقفز من البرج لئلا تموت”، ثم أتى عدوٌ إلى قصرك، وقال لك: “من منعك من القفز؟ هيا اقفز حتى تشعر شعورا رائعا! وتختبر لذة الطيران، وتكون قادرا على رؤية قصرك من زاوية مختلفة، لا تقلق مما سيجري لك عندما تطأ قدمك الأرض، فكر فقط في الأشياء الجديدة التي ستتعلمها في طريقك إليها”.
هنا.. هل ستُسرع إلى أعلى البرج وتقفز؟ بالطبع لا، فمن الحماقة أن تثق بعدوك، وتعمل بما يقوله لك.
وقد مرَّ بالفعل آدم وحواء باختبار مشابه! فقد وضعهما الله في جنة جميلة، وأخضع لهما كل شئ، ثم ما لبث أن أتى العدو – الشيطان – وقال لهما أن يأكلا من ثمار الشجرة، وأوهمهما بأن ذلك لن يؤذيهما؛ فصدقا كلامه، بدلا من أن يصدقا كلام الله!
خُلق الإنسان كاملا، إلا أن بعصيانه دخلت الخطية إلى حياته، فما هي الخطية؟ وهل هناك مفر من سلطانها؟
الخطية هي أي عمل أو شعور أو فكرة تتعارض مع مقاييس اللّٰه. وتشمل كسر شريعة اللّٰه، بفعل ما هو خطأ، أو اثم في عينيه. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي. (يوحنا الأولى 3: 4).
والكلمتان العبرانية واليونانية المنقولتان في الكتاب المقدس عن كلمة خطية، تُشتقان من جذر يعني «أخطأ الهدف». مثلا، كان بعض الجنود في إسرائيل القديمة بارعين في رمي الحجر بالمقلاع. فقيل عنهم إنهم ‹لا يخطئون›، أي إنهم يصيبون الهدف. مِنْ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ. كُلُّ هؤُلاَءِ يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلاَعِ عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ. (قضاة ٢٠:١٦).
إذا، الخطية هي عدم إصابة الهدف، الذي هو مقاييس اللّٰه الكاملة.
بما أن اللّٰه هو الخالق، فمن حقه أن يضع المقاييس للبشر. “أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ”. (رؤيا ٤:١١).
ونحن مسؤولون أمامه عن تصرُّفاتنا. فَإِذًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا للهِ. ( رومية ١٤:١٢).
ثمَّة عِدَّة عوامل تحدِّد مدى فداحة أو ثقل خطيةٍ ما عن غيرها، نذكر منها هنا على سبيل المثال:
إن مشكلة إتمام المصالحة بيننا وبين الله، الذي يكره الشر، هي أكبر مشكلة في التاريخ. فقبل أن نرى الله في السماء، يجب أن يتغير شيء جذري، وهذا يستدعي بما لا يقِل، أعظم حل تم تدبيره على الإطلاق .
وهذا ما نحتاج أن نعلمه في نقاطٍ سريعة مُختصَرة:
١– “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ… وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا” (تكوين ١: ٢٧، ٣١) .
خلق الله البشر بصفات شخصية وعلائقية تشبه صفاته (تكوين ١: ٢٦)، وأراد أن يكون له علاقة مبهجة معهم. لكن شيئًا ما حدث بشكل خاطئ. فعندما اختار آدم وحواء اتبّاع نصيحة الشيطان في جنة عدن (تكوين ٣)، سمّمت الخطية العالم، والآن نحن جميعًا نولد بالرغبة في عمل الأشياء بطريقتنا الخاصة، وليس بحسب الله.
٢– “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رومية ٣: ٢٣).
إن خطايانا ضد الإله الصالح، والقدوس قد أبعدتنا عنها، (إشعياء ٥٩: ٢). فالله لا يستطيع “النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ” (حبقوق ١: ١٣). وبسبب الخطية نفقد العلاقة مع الله، ونفقد سعادتنا. ونتيجة كل هذا هو الموت. والموت الروحي هو الانفصال عن الله في مكان حقيقي جدا يُسمى جهنم. والموت الجسدي يمثّل نهاية فرصتنا للدخول في علاقة مع الله وتجنب الدينونة الأبديَّة (عبرانيين ٩: ٢٧).
٣– ”لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا” (رومية ٦: ٢٣).
لا يوجد أي شيء يمكننا فعله لاستعادة أنفسنا لله. فهو قدوس، ونحن لسنا كذلك. في الواقع، يقول الله إنه حتى أعمالنا الصالحة، لكن الله أحبنا كثيرا، وأرسل لنا ابنه يسوع المسيح، الله الكامل والإنسان الكامل، لينقذنا من الموت ويعطينا الحياة “اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية ٥: ٨).
ذهب المسيح إلى الصليب؛ ليدفع ثمن خطايانا. لقد فعل لنا ما لا يمكننا فعله لأنفسنا. عندما مات المسيح من أجلنا قال: “قَدْ أُكْمِلَ” (يوحنا ١٩: ٣٠).
٤– “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس ٢: ٨-٩).
إن أعظم عطية من الله هي استعادة العلاقة معه، حيث يحررنا من الجحيم، ويمنحنا الدخول إلى السماء (يوحنا ٣: ٣٦). لا تعتمد هذه العطية على استحقاقنا، بل تعتمد فقط على عمل نعمة المسيح من أجلنا على الصليب (تيطس ٣: ٥). فهو الطريق الواحد والوحيد إلى الله. حيث قال: “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي” (يوحنا ١٤: ٦).
٥– “لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ” (رومية ١٠: ٩).
لكي نكون في موقف صحيح أمام الله، يجب أن نقر بقلوبنا الآثمة، وأعمالنا الخاطئة، ونطلب الغفران من الله، إن فعلنا ذلك، فإنه يعد بالغفران الكامل بنعمته: “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ” (رسالة يوحنا الأولى ١: ٩). ثم علينا أن نؤكد للآخرين أن المسيح المُقام من الأموات هو ربنا.
٦– “إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ” (يوحنا ٥: ٢٤).
إن الحياة التي نتوق لها هي مقدمة لنا بالمجان في المسيح. ويمكننا أن نؤمن بوعده وندعوه ليخلصنا، حيث نقبل بتواضع عطيته وهي الحياة الأبدية: “كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ (رومية ١٠: ١٣).
ختاما.. بمجرد قبولك المسيح كمخلص لك، فإن أحد أهم الأشياء التي عليك القيام بها هو أن تصبح جزءًا من عائلة عائلة المسيح التي تسمى الكنيسة. ستعلّمك الكنيسة الصالحة كلمة الله، وستقدم لك الحب، والمساعدة، والدعم. ويمكنهم أن يساعدوك على النمو في علاقتك مع المسيح! اقرأ الكتاب المقدس، صلي، شارك إيمانك، واجتمع بانتظام مع شعب الله. “انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (رسالة بطرس الثانية ٣: ١٨).
إن الكتاب المقدس لا يتحدث عن دينونة إلهية، لإنسان كُتبت عليه الخطيئة قضاءً وقدرا، بل عن ثمار أعمال الإنسان المتولدة عن اختياراته الحرة. فوراء الخطية؛ تكمن مسؤولية الإنسان المتولدة عن اختياراته الحرة، والكتاب المقدس لا يتحدث عن خطية بالمعنى الوراثي للكلمة, بل عن تلوث عام بالخطية، ينتقل من جيل إلى جيل. فخطية الأبناء لا يحددها سلوك الآباء، بل يُنهك الأبناء بالمرارة التي تفرزها خطايا الآباء. وفي النهاية، يمكننا القول إن الخطية الأصلية هي الجذر العميق الذي نجده في كل خطية.
وفي كل مرة نقول فيها “لا” لنعمة الله، ومحبته الفياضة، نكون كمن يرفض تلقي حياته كهبة من الله، معتبرا إياها غنيمة يستولي عليها. ومهما يكن، فإن نعمة الله، ومحبته، تبقيان هما جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالله، والتي فاضت وتكاثرت، خصوصا عندما كثرت الخطية.