سنفهم في هذا الدرس، كيف وصل الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد، إلينا (من فم الرب إلى قلوبنا)، وسنعرف هل يمكننا أن نقول بكل يقين إن “الكتاب المقدس، الذي بين أيدينا الآن، هو الكتاب الوحيد والأكيد؟”.
لذلك سنتعرَّض لثلاثة أسئلة محورية، يتخللهما، ملحوظتانن هامتان:
السؤال الأول: كيف صدر أمر الله بكتابة الوحي للأنبياء والرُّسل؟
كانت كلمة الله تتناقل شفهيا من آدم، حتى موسى، عبر الأجيال، وساعدت الأعمار الطويلة آنذاك، على نقل الكلمة، من جيل إلى جيل (انظر تكوين 5)، إلى أن قُصِّرت الأعمار (تكوين 3:6، مزمور 90: 10)؛ فاستلزم الأمر تدوين كلمة الله لحفظها.
صدر أمر مباشر لبعض أنبياء الله بتسجيل الوحي، كان أولهم موسي في برية سيناء (خروج 14:17)، قبل المسيح بنحو 1500 سنة، وآخرهم كان يوحنا الحبيب، وهو منفيٌّ في جزيرة بَطمُس، عندما سمع صوتا عظيما يقول: “الذي تراه اكتب في كتاب” (رؤيا 11:1).
فى نبوة (إرميا 36)، نجد تصويرا للطريقة التى كانت تُكتـب بها الأسفار المقدسة؛ فلقد استدعى إرميا، وهو فى السجن “باروخ بن نيريا/ تابع التطبيقات العملية – مُشارَكة”؛ ليكتب فى دَرْج (مخطوطة يُكتب عليها)، كل كلام الرب على إسرائيل. وابتدأ إرميا يملي على باروخ الأقوال، كلمة بعد كلمة، حتى إن باروخ قال وصفا لذلك «كان يقرأ لي كل هذا الكلام وأنا كنت أكتب فى السفر بالحبر» (عدد 18). لكن بعد أن انتهى باروخ من الكتابة، لم تعد هذه الأقوال هى أقوال إرميا بل «كلام الرب»، (عدد 4، 6، 8، 11).
ثم لما تجاسر يهوياقيم الملك الشرير (تابع التطبيقات العملية – مُشارَكة)، فشق هذا الدرج، وأحرقه بالنار، مستخفا بكلام الرب نفسه (عدد 23)، فإن كلمة الرب صارت إلى إرميا قائلة «عُد فخذ لنفسك دَرجا آخر، واكتب فيه كل الكلام الأول، الذى كان فى الدرج الأول، الذى أحرقة يهوياقيم ملك يهوذا» (عدد 28). لاحظ أن إرميا لم يكتب فقط الفكرة السابقة، بل ذات الكلمات الأولى تماما.
وقال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس (وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص، كل الكتاب هو موحي به من الله)، (رسالة تيموثاوس الثانية 3: 15 و16).
ويشير بطرس الرسول إلى رسالتيه، وإلى كل كُتب العهد القديم بقوله (هذه أكتبها الآن إليكم رسالة ثانية، فيهما أنهض بالتذكرة ذهنكم النقي لتذكروا الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص)، (رسالة بطرس الثانية 3: 1و 2).
السؤال الثاني:_كيف نتأكد أن مَن كَتَب لم يؤلف أو يكذب؟
لقد كَتب الكُتَّاب حقائق إلهية، تفوق إدراكهم، مثل حقائق لاهوت المسيح والثالوث، وعدم جواز تعدد الزوجات، بخلاف الأنبياء الكذبة، في العهد القديم، الذين أحلوا ذلك، بل أباحوا ما يريده القلب البشري.
اتفاقهم في شهادتهم حول الله وصفاته الأدبية.
كانوا أتقياء وأمناء في تسجيل ما يُوحَى لهم من الروح القدس.
كانوا صادقين في تسجيل أخطائهم وعيوبهم بل ونقائص أفاضل رجالهم.
السؤال الثالث:_كيف تمَّ تجميع أسفار الكتاب المقدس؟
من الكلام السابق، نعلم أن الكتاب لم يهبط إلينا من السماء، مرةً واحدة، لكنه كُتب على قسمين، كالتالي:
القسم الاول، وينقسم إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الاولي:
وهي تتحدث عن الأحداث من آدم وحتى موسى، وفي هذه المرحلة، أعطى الله وصاياه وشرائعه لأنبيائه، بداية من آدم الذي أخذ الوصايا من الله، وعاش حتى رأى أخنوخ، ونقل إليه ما تلقاه من الله.
كذلك متوشالح ابن أخنوخ، الذي بقى حيا إلى زمن نوح، الذي كان بارا وكاملا، في أجياله، وسام ابن نوح، الذي عاش إلى زمن إبراهيم (انظر تكوين 10، وتكوين 11).
وكان كل جيل ينقل وصايا الله وشرائعه، للجيل الذي يليه، ولم يكن صعبا أن يعرف موسى مما سبقوه، عن الأحداث السابقة له؛ ليسجلها ويكتبها بإرشاد الروح القدس.
المرحلة الثانية: (عصر موسى)
ابتداء من سفر الخروج، أصبح تسجيل الأحداث يتم كتابةً أولا بأول، حيث كانت الكتابة معروفة قبل موسى بأكثر من ثلاثة قرون، لذلك كان سهلا أن يسجل موسى كلمة الرب كتابة.
وبناءً على الأمر الإلهي الصادر من الله رأسا إلى موسى، قال الله لموسى:
§ “اكتب هذا تذكارا في كتاب وضعه في مسامع يشوع” (خروج 17: 14).
المرحلة الثالثة:
من يشوع إلى ملاخي، حيث قال الله ليشوع “لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج به نهارا وليلا لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه” (يشوع 8:1).
حافظ يشوع على الشريعة الإلهية، وسجَّل كل ما صنعه الله معه، يقول الكتاب المقدس “كتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله” (يشوع 26:24).
وهكذا الأمر نفسه حدث مع الأنبياء، فلم يكتبوا من ذواتهم، بل ما أمر به الله أن يُكتب، ومن فاتحة سفر يشوع، نفهم أن ما كتبه موسى كان معروفا ومقبولا وقتها أنه كلام الله.
وكلما أعطى الله وحيا، كان يُضاف إلى جنب أسفار موسى، ويُعترف به من كل شعب الرب؛ وهكذا، فإن صوئيل يشير إلى القضاة، ودانيال يشير إلى إرميا، وهكذا.
فكانت كلمات الوحي المُسجلة في أسفار الأنبياء مسبوقة، بعبارة مثل “كلام الرب إلىَّ”، أو “هكذا قال رب الجنود”، أو “هكذا قال الرب”.
داود….. يوشيا…… السبي، في فترة 605 – 538 ق م.
وبعد السبي 440 ق م، أمر عزرا، سمعان الكاهن، بالتجميع.
إلى أن كتب ملاخي سفره، ليكتمل بذلك القسم الأول من أسفار الكتاب المقدس.
القسم الثاني (العهد الجديد)
وبنفس الفكرة، جاء تسجيل الإنجيل والرسائل، وكما عمل السيد، واقتبس من الأسفار المكتوبة، نجد التلاميذ، والرسل يقتبسون منها، ويقتبسون من كتابات بعضهم البعض أيضا، فالرسول بولس، وهو يكتب إلى تلميذه تيموثاوس نحو عام 66 م، يقتبس من إنجيل لوقا (رسالة تيموثاوس الأولى 18:5، لوقا 7:10).
كما أن الرسول بطرس في رسالتة الثانية، يشير إلى رسائل بولس الرسول (رسالة بطرس الثانية 3: 15، 16)، “واحسبوا أناة ربنا خلاصا. كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا بحسب الحكمة المعطاة له كما في الرسائل كلها أيضا متكلما فيها عن هذه الأمور”.
ولقد حافظ المؤمنون في العصر الأول على الأسفار المقدسة، ونؤكد أن الله قد أطال في عمر يوحنا الرسول لهذا الغرض السامي؛ ليسجل آخر أسفار الكتاب المقدس، ويسلم إلى تلميذه بوليكاربوس (ثم إلى قادة الكنيسة)؛ وبذلك أصبح الكتاب المقدس مكتوبا، ومُتفقا عليه، ليصل إلينا في صورته الحالية.
ملحوظتان هامتان:
مَن جَمَع العهد القديم هو عزرا الكاتب، كاتب سفر عزرا، ومعه سمعان الكاهن، ومَن عَمَل على تجميع المكتبة الكاملة لكل أسفار العهد القديم، هو نحميا، كاتب سفر نحميا.
مَن جَمَع العهد الجديد، هو يوحنا الحبيب، تلميذ المسيح، وسلَّمه إلى تلميذه بوليكاربوس؛ وهذا يدل على الاتفاق الجمعي، بأن الكتاب المقدس، وصل إلينا، من خلال الأنبياء والرسل، بشكل مباشر، وهذا يعطي مصداقيةً كاملة للتجميع، ووصول الكتتاب المقدس إلينا، بصورةٍ دقيقة وصحيحة.
تطبيقات عملية
الدرس في نقاط
كانت كلمة الله تتناقل شفهيا من آدم، حتى موسى، عبر الأجيال.
وساعدت الأعمار الطويلة آنذاك، على نقل الكلمة، من جيل إلى جيل.
– كَتب كُتَّاب، الكتاب المقدس، حقائق إلهية، تفوق إدراكهم.
مثل حقائق لاهوت المسيح، والثالوث، وعدم جواز تعدد الزوجات.
بخلاف الأنبياء الكذبة، في العهد القديم، الذين أحلوا ذلك.
– لم يهبط إلينا، الكتاب المقدس، من السماء، مرةً واحدة.
لكنه كُتب على قسمين:
القسم الأول، وهو ثلاث مراحل
المرحلة الاولي:
وهي تتحدث عن الأحداث من آدم وحتى موسى.
§ وفي هذه المرحلة، أعطى الله وصاياه وشرائعه لأنبيائه، بداية من آدم.
المرحلة الثانية: (عصر موسى)
ابتداء من سفر الخروج، أصبح تسجيل الأحداث يتم كتابةً أولا بأول.
حيث كانت الكتابة معروفة قبل موسى بأكثر من ثلاثة قرون.
المرحلة الثالثة
وهي من يشوع إلى ملاخي.
وقد حافظ يشوع على الشريعة الإلهية.
وسجَّل كل ما صنعه الله معه، يقول الكتاب المقدس.
القسم الثاني (العهد الجديد)
بنفس الفكرة، جاء تسجيل الإنجيل والرسائل.
وكما عَمَل السيد المسيح، واقتبس من الأسفار المكتوبة,
نجد التلاميذ، والرسل يقتبسون منها.
ويقتبسون من كتابات بعضهم البعض.
تأمُّل مُشجع
كانت الفترة التي كرز فيها السيد المسيح أثناء تجسده، والتي تزيد عن ثلاث سنوات، فترة غنية جدًا، وثرية، بالتعاليم، والوصايا، والأعمال التي عملها، والأحداث التي حدثت فيها. وكانت هذه التعاليم، والأعمال، والأحداث، أكبر وأعظم، من أن يُكرز بكل ما قيل، ويقول القديس يوحنا، في إنجيل يوحنا، وعدد 10 “وأشياء آخر كثيرة صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة”.
وقد وجَّه الروح القدس الرسل، إلى التركيز في كرازتهم، بالأخبار السارة، ووجَّه ذلك إلى اتجاهين؛ الاتجاه الأول، هو التركيز على قصة وأحداث وروايات الآلام والصلب والقيامة والصعود وشفاعة الرب الحي الدائمة في المؤمنين ومجيئه الثاني في مجد ليدين الأحياء والأموات، وكانت هذه الأمور هي محور وجوهر وبؤرة الكرازة والإيمان، والاتجاه الثاني هو تسليم أقوال الرب وتعليمه ووصاياه، في ترتيب دقيق ومحكم، وذلك بحسب إرشاد الروح القدس وتوجيهه وعنايته.
مُشارَكة
شارك زملاءك في المجموعة، بنذة عن باروخ بن نيريا.
كذلك شاركهم بنبذة عن يهوياقيم الملك الشرير.
ثم اذكر في خمسة أسطر على الأقل ما تعرفه عن قصة إيليا وأنبياء البعل.
أسئلة للتفكير
في ضوء فهمك لمحتوى الدرس، ما هي الصفات التي كان يجب أن يتحلى بها كُتاب كلمة الله .
ما هي الحقائق التي كانت تفوق إدراك كُتاب العهد القديم؟ ولماذا كانت تفوق إدراكهم؟!