الدرس الثامن (النعمة)
إن النِّعمَة موضوعٌ متواصل في الكتاب المقدس، وهو يصل إلى ذروته في العهد الجديد، مع مجيء المسيح “لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا.” (إنجيل يوحنا 1: 17).
إن كلمة “نِعمة” في العهد الجديد تأتي من الكلمة اليونانية “charis” التي تعني “رِضى، بركة، إحسانًا”.
النِّعمَة هي اختيار الله أن يُحبنا، ويُباركنا، ويَستر خطايانا، وعيوبنا، لا أن يلعننا بحسب استحقاق خطايانا. إنها عطيةٌ مجانية للإنسان، غير مبنية علي فِعل شيءٍ يَستحق به أن يحصل عليها. إنها إحسانُه تجاه غير المستحقين.
تقول (رسالة أفسس 2: 8) “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ.”، إن السبيل الوحيد للدخول إلى عَلاقةٍ مع الله صار، مُتاحًا؛ بسبب نعمته لنا.
بدأت النِّعمَة في جنة عدن عندما ألبسَ الله بنفسه آدم وحواء جِلدَ حيوان؛ ليُغطي (كفَّارة) العُري، والخِزي؛ بسبب عصيانهما، (وكانت هذه أول ذبيحة). كان يُمكِن أن يَحكم على الإنسان فورًا؛ بسبب عِصيانه. لكن، وبدلًا من إهلاكه، اختار أن يصنع طريقًا للمُصالَحة معه.
استمر نموذج النِّعمَة عبر العهد القديم عندما شرَّع الله، الذبائحَ، كوسيلةٍ للكفارة عن الخطاة. لم يكن دم هذه الذبائح هو ما يُطهر الخُطاة؛ بل نعمة الله التي غفرت لمَن وضعوا ثقتهم فيه، وهذه الذبائح، اعتراف، وإعلان، من الإنسان، عن احتياجٍ لمَن يُكفر عن خطاياه “أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا”. (رسالة العبرانين 10: 4).
النِّعمَة ليست فقط الأمور المادية أو الملموسة كالمال.. وهي ليست فقط الأولاد.. أو الرزقَ، أيّا كان، وإن كانت هذه كلها نِعم.
يقول القديس بُولُس الرسول: “لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ، أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا لأَنْ أُدْعَى رَسُولًا، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ. وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي” (رسالة كورنثوس الأولى 15 : 9 ، 10).
هنا يُظهر القديس بُولُس أن استحقاقَه في المسيح وحده، بالنعمة فقط من خلال الإيمان. لا يوجد شخص كامل، ولا يُمكِن لأي فِعل بشري أن يجعل الإنسان بارًّا أمام الإله القدوس الذي بلا خطية.
لا يستطيع إنسانٌ أن يعمل الصلاح فيستحِق الخلاص، أو يكون مستحقًّا له، مهما كان “مُتدينًا”، أو مهما كانت أفعالُه خيِّرَة.
يُسيء كثيرون من المُؤمِنين الحقيقيين، اليومَ، فَهم النعمة. وكان ذلك واضحًا، حتى في أيام الرسول بُولُس، فكانوا يُعلمون الإخوة أنهم إن لم يختتنوا حسب عادة موسي، لن يُمكنهم أن يَخلصوا. (أعمال الرسل 15). نعم، كانوا مُؤمنين، ولكنهم أساءوا فَهم عطية الإنجيل المجانية؛ إذ أعطت النعمة لنا حق التواصل مع الله القدوس، على حساب عمل يسوع المسيح الكفاري، لا علي حساب أعمالنا، أو تنفيذنا للقوانين فقط.
وما تزال مشكلة الخلط بين النِّعمَة والأعمال، قائِمة، حتى اليوم؛ فكثيرون يُؤمنون إيمانًا حقيقيًّا بالمسيح، لكنهم لا زالوا يُؤمنون أيضًا أنهم يجب أن يُؤدوا أعمالًا معينة؛ حتى يضمنوا عدم الذهاب إلى الجحيم، وكأن نِعمة الله في المسيح ليست كافية. في حين تَلزمنا مواجهة، وتصحيح هذا التعليم؛ إذ يجب أن نضع ثقتنا في المسيح لا في أنفسنا.
تظهر النعمة فى حياة المؤمن في أشكالٍ مُتعددة تشمله، وتشمل جميعَ أوقاته، وأيامه؛ فيستطيع أن يختبرها في أي وقت، و أي موقف.
وللنعمة أوجه مُختلفة، كنعمة الخلاص، الحضور الإلهي، الشفاء، وتسديد الاحتياجات. وقد تناولنا هذه المجالات، في دروسٍ منفصلة بالمنهج.
“أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!” (رسالة كورنثوس الأولى 6 : 15).
“أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.” (رسالة كورنثوس الأولى 9:6، 10).
إذًا النِّعمَة لا تعني الانفلات
يُوجَد مَن يستبيح هذه النعمة، ولا يقدرها، فمعرفته أن المسيح غفر جميع خطاياه، وأتمَّ العملَ بالكامل، لا يلغي مسؤوليته تجاه استمراريته في فِعل نفس الخطية، وعدم محاولته التخلص منها، بالإضافة لاعتماده على أن النعمة ستُغطيه، وأنه لا يستطيع أن يقر بها، ويتركها؛ بسبب ضعفه. وفي هذا استباحةٌ لعمل النعمة. (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 9)” إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ”.
بهذا يكون الفَهم الحقيقي للنعمة، مبنيًّا، علي وجهين. الأول: هو الخلاص الأبدي علي حساب دم يسوع المسيح، والثاني: الغفران عند الاعتراف، والرجوع عن الذنب.
(أشكرك يا ربي علي محبتك، ونعمتك، اللتين نقلتني بهما من الموت إلى الحياة، أشكرك لأنك تُغطي عيوبي، وتُحبني، وتقبلني كما أنا، وتراني مُبرَّرا، من خلال عمل يسوع المسيح، لا ما أفعله أنا، يا ربُّ افتح عيني؛ لأراك، وألمس وجود نعمتك في حياتي كل يوم.. آمين).