مرآة الله

أعتقد لم يوجد بعدُ إنسان لم يسأل نفسه أو الآخرين هذا السؤال الأزلي “لماذا أنا موجود؟”، “لماذا خلقني الله؟”، أو إن كان لا يؤمن بوجود الله فـ “لماذا خُلِقت؟”

عن نفسي أنا شخصيًا أؤمن بالطبع بوجود الله، والحقيقة إن إجابة هذا السؤال استغرقت مني سنوات عمري حتى أصل لفكرة منطقية تحترم عقلي.

في البداية دعونا نستبعد معا الأسباب التي لا تحترم بالطبع العقل الإنساني ونحن في القرن الواحد والعشرين، أعظم عصور التكنولوجيا والمعرفة في التاريخ.

دعونا أيضا نحاول أن نرى المفاهيم الدينية والروحية بعقلية العصر الحالي.

بكل تأكيد أنت تتفق معي أن الله شخص “سَوي”.

ولو تتفق معي في هذا بكل تأكيد ستتفق معي أن كل تصرفاته تصرفات سَوية.

إذن سأفترض أنك ستتفق معي حتمًا أن شخصًا بحجم لا محدودية الله، وبمقدار لا محدودية عقله وإبداعه، لا يمكن أن يخلقني من أجل أن يعذبني.

لا يمكن أن يخلقني لـ يجربني بالمصائب والكوارث.

لا يمكن أن يخلقني لـ يصيبني بالسرطانات والأمراض والأوبئة.

لا يمكن أن يخلقني لـ يستمتع بمشقتي.

لا يمكن أن يخلقني لـ يجعلني غارقا في طين الفقر والجهل.

لا يمكن أن يخلقني لـ يغطسني في الحزن والمرارة والفشل.

لا يمكن أن يخلقني لـ يُحمّلني بهمومٍ مثلَ الجبل.

ولا خلقني حتى لـ أكون عبدًا له. فليس من المنطق في شيء أن يقرر الإله أن يخلق بشرًا ليسجدوا له ويعبدوه.

أؤمن أن الله كامل. ولأنه كامل لديه ملء وفيض من كل شيء.

لديه فيض وملء من المحبة والكرامة والبركة والسلام والراحة والعلم والصبر والإدراك والوعي والرحمة والعدل إلى آخر كل صفات الله العظيمة.
إن كانت أمثالُنا الشعبية تقول “المليان يُكب ع الفاضي”.

أليس بالأحرى أن نقول “الكامل يكب ع المحتاج أو الفاضي”.

خلقنا الله على صورته ومثاله، ولن يشوه الله بيديه عمل يديه. لن يشوه صورته ومثاله؛ لأننا اتفقنا أنه “سَوي” ولن يشوه شخص “سَوي” نفسه، أو عمله، بل سيعتني به، وسيكون أهم شيء لديه، ويكون كل تركيزه منصبا على نموه وجعْله في أفضل صورة وتقويم.

أؤمن أن الإنسان خُلِق في هذه الحياة ليتمتع بالملء الذي لدى الله. نعم. هذا ليس كلامًا ضخمًا ولا كبيرًا.

إن كان الأب والأم الأرضيَّين من لحظة مولد وليدهما الرضيع يهتمان به يغذيانه يُطعمانه يحميانه يحافظان عليه يعلمانه يهذبانه يعتنيان به. حتى يكبُر ويكون صورة وواجهة مشرفة ومشرقة لهما، وشخصًا قادرًا على إفادة نفسه ومجتمعه. فكم وكم الخالق المبدع الذي يحمل كل صفات الأبوة والرحمة.

بكل تأكيد خلقنا هذا الإله لنتمتع بالعلاقة معه وننهل منها كل ما تحتاجه أنفسنا البشرية وأرواحنا، ولنكون الأداة والإناء الذي يُشكله هو بيده لنكون في أفضل صورة نُصدر بها للعالم حقيقة الله النقية العظيمة المبهرة.

نحن صورة الله. نعم. ومثاله، وكلما عمل الله فينا وترك بصماته فينا صرنا أكثر انعكاسًا لشخصيته الحقيقية وسفراء مشرفين له ولحقيقته وبهاء روعته.

لذلك مسرة قلبه أن يعمل فينا ويشكلنا، ودورنا السامي أن نكون مرآة تعكس جمال وحقيقة وروعة الله بسلوكنا ومبادئنا وأفعالنا وإفادتنا للمجتمع والبشرية بكل ما هو للخير والبنيان.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع