كيف لإله محب أن يسمح بوجود الشر؟

“تأتينا الأخبار من هنا وهناك عبر الأقمار الصناعية ووسائل الإعلام المتنوعة؛ أخبار حروب وصراعات.. تدمير وتشريد وتفجير وقتل، عصابات وقراصنة متطرفون وإرهابيون، بالإضافة لما يمر به عالمنا اليوم من هجمات الأوبئة والفيروسات وغضب الطبيعة والتغير المناخي.. ويخرج أمام هذا المشهد السؤال القديم الجديد الذي ربما جال فى ذهنك – عزيزي القارئ – وتحيرت أمامه وحاولت أن تصل لأي إجابة لعلها تكشف لك ذلك “الغموض” لكن هيهات!، أين الله مما يحدث؟ هل غافل عنه أم يسمح بكل شئ ومتواطئ مع الشر؟”

– في البداية دعني أقتبس تلك الكلمات من كاتب يدعى “جورج تيرل” إذ يقول:“لو أن لهفة الإنسان لمعرفة ما هو غامض أو غريب أو عجيب، أو ما هو فوق الطبيعة، لو أن هذه اللهفة لم تتغذ على الحق، فحتما سوف تُغذي نفسها على قمامة الخرافات التي تُقدم لها” إلى هنا انتهى الاقتباس، والذي ينقلنا لنذهب إلى كلمة الحق؛ الكتاب المقدس، وماذا قالت، لعلنا نجد نور يرشدنا لإجابات شافية بعيداً عن الخرافات!

هل حقاً خلق الله الشر؟

هذا سؤال زائف (غير حقيقي)؛ فلا وجود لكائن (مخلوق) يدعى “الشر”؛ يوجد اعتقاد شعبي بأنه طالما أن الله هو “الخالق” لكل شيء، إذاً فهو خالق للشر أيضاً، لكن الحقيقة المؤكدة أن “الشر” ليس شيئاً – ملموس مادياً – أو كياناً يُخلق، فلا وجود له بصورة فردية (ليس له وجود في ذاته)، لكنه بكل بساطة هو غياب الله؛ فالله هو الصلاح والجمال والحق، وعدم وجوده هو شر وقبح وظلمة وزيف. أو بمعنى آخر هو فساد لكل ما هو حسن وخير خلقه الله.

لكن يمكن أن يخرج أمامنا ثمة سؤال ينسف هذه الإجابة؛ ماذا عن الآية التي في سفر النبي (اشعياء 45: 7) ؛ التي تقول عن الله:”مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ.” أليس هذا المقطع يؤكد أن الله هو خالق الشـر والمسئول الأول عنه؟ لكن القارئ المدقق لكلمة الله سوف يكتشف أن للشر (في الكتاب المقدس) معنيان؛ الأول :”الخطية / المعصية” أي الانحراف الأدبي عن كل ما هو مستقيم. والثاني: الشر الذي يحدث لأي إنسان (المحن والتجارب والمأساة)، فالمعنى الأول يقصد به الخطية وحاشا لله كلي القداسة الذي أعلن فى كلمته أنه يكره الخطية والشر (حبقوق : 1 :13) حاشا أن يكون صانعه. أما المعنى الثاني فهو يشير لنتاج الفعل الأول، إنها النتيجة الطبيعية للمعصية والتمرد على الله. ونستنتج هنا أن الآية تؤكد أن الله ليس بصانع للشر، بل”المُسيطر” فكل ما يحدث تحت “السيطرة الإلهية”، يسمح الله بحدوثه كنتيجة طبيعة لاختيارات الإنسان، ولكي بها يوقظ قلب الإنسان لعله ينتبه ويتجه إليه.

للاستفادة من الكورسات، تحتاج أولًا للتسجيل في الموقع